29-أبريل-2020

مقالب الكاميرا الخفية حول كورونا أثارت جدلًا في الجزائر (فيسبوك/الترا جزائر)

يطلّ علينا رمضان هذا العام، وسط أجواء استثنائية بسبب الظروف الراهنة التي نعيشها في الجزائر، نتيجة فيروس كورونا المستجد.

تخلو أعمال الكاميرا الخفيّة الجزائرية في أغلبها من أي محتوى فكاهي يحقّق تخفيف عناء الحجر الصحّي

لقد تم إغلاق أماكن العبادة، وتوقفت الأنشطة الثقافية، وفقدا كثيرون مصدر رزقهم، فلم تعد المسلسلات والبرامج الرمضانية  الكوميدية والدرامية  تستقطب وتستهوي المشاهدين والعائلات الذين فضلوا متابعة مسار الوباء.

اقرأ/ي أيضًا: سلطة ضبط السمعي البصري "تنذر" قناة نوميديا بسبب برنامج كاميرا خفية

أصبح الاهتمام منصبًّا على معدّلات حالات الإصابة بفيروس كورونا، والحصاد اليومي لعدد الوفيات، حيث أظهرت وسائل الاعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي انشغالًا كبيرًا تطوّرات جائحة كورونا، والسؤال عن سبل الوقاية منه، ومتى العودة إلى الحياة الطبيعية.

أثارت حصة الكاميرًا الخفية حول كورونا، (تم  تصوير جزء منها بوهران)، استياء روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أن استغلال فيروس كورونا في قالب فكاهي هو عمل غير أخلاقي وغير مسؤول، حيث يستدعي مضمون الكاميرا المخفية، تساؤلًا عن دور الفن والاعلام السينمائي خلال هذا الشهر في مواجهة تفشي وباء كوفيد - 19.

وحتى لو تحجّج  صاحب الفكرة أن الهدف هو تحسيس المواطن بمخاطر الوباء، إلا أنّ الطابع  والقالب الهزلي لا يتوافقان مع فيروس يحصد عشرات الضحايا يوميًا ويتسبب في مآس للعائلات الجزائرية، وهو ما يتناقض تمامًا مع قابلية تحويل الموضوع إلى مادّة للسخرية.

هنا، يقول محمد شارفي، إنه في الوقت الذي يخاطر فيه الصحافيون بأرواحهم وعائلاتهم، لأجل ضمان التغطية، يجني فيه أصحاب الكاميرا الخفية المُمستغلة لوضع كورونا أموالًا كبيرة، على حدّ تعبيره. أما المدوّن سعيد سعيد، فيعقّب قائلًا: "من بين ما جهّزت له بعض القنوات لرمضان، كاميرا كاشي كورونا، حيث يقوم بعض الأفراد بلبس لباس واقٍ، ثم يختارون فردًا في الشارع ليوهموه انه مريض بكورونا ويديرولو الخلعة".

فنيًًا، تخلو في الغالب  أعمال الكاميرا الخفيّة من أي محتوى فكاهي يحقّق تخفيف عناء الحجر الصحّي، بل تعتمد مثل هذه البرامج في الجزائر، على عنصر التخويف والرعب تارة، وإثارة غضب الضحية ودفعه للعنف والتحطيم وإطلاق الشتائم تارة أخرى، فكثير منها تقوم على فكرة اللعب على الوتر العاطفي، كأن يتظاهر أحدهم أنّه يعنّف متسولًا، أو يقوم يُهاجم أحد والديه، حيث أن ردود الأفعال غالبًا ما تكون متوقّعة، وربّما يغالي البعض في دفع الضحية للوصول إلى أقصى درجات الغضب. 

من جهة أخرى، يحصد فيروس كورونا أعدادًا كبيرة من الضحايا، ولا يتوقّف الحال عند صدمة الموت، بل يتعدّاه إلى رحلة طويل من الترقّب وانتظار التحاليل والفحوصات التي تحتاج إلى يومين قبل ظهورها، إضافة إلى مراسم الدفن التي تعترضها عدّة إجراءات أخرى، فلا يصلّى على المتوفي بفيروس كورونا بالمسجد، ولا يحضر الجنازة إلا فردين من عائلته، ونظرًا لتطبيق التباعد الاجتماعي لا يقام البيت العزاء، وهكذا يرحل المصاب بفيروس كورونا وحيدًا، ليترك عائلات تعاني الحزن والفقدان.

في هذا السياق، يرى البعض أن تداعيات فيروس كورونا النفسية والعصبية وظروف الحجر الصحي، تحتاج إلى معالجة صحية نفسانية، وتلعب وسائل السمعي  البصري  دورًا أساسيًا في التخفيف من معاناة العائلات عبر القوالب والبرامج الكوميدية.

فالفنّ هو أحد أساليب الوقاية النفسية، وسبيل لتخفيف أثار السلبية للحجر المنزلي، لكن يتطلّب من هذا الفنّ أن يحمل معاني الحياة، ويُحولُ الواقع المأساوي إلى صحوة ضميرية وباعثًا على الراحة النفسية،  فقد بات فيروس كورونا اليوم  يهدّد الانسانية في نمط العيش العصري وقلب أسلاليب الحياة الحديثة، فقد تجاوز المرض الحالة الوبائية التي تحتاج إلى لقاح في مختبر علمي، بل مضاعفات الصحّة النفسية والعقلية بأمس الحاجة إلى الفن والسينما والموسيقى والمسرح الافتراضي .

قد يعكس الفنّ أيضًا، السياقات الاجتماعية والنفسانية، ويستجيب للظروف الاستثنائية للمجتمعات، فالكثير اليوم يعاني الضغط اليومي، وهم بحاجة إلى الابتعاد عن ما يزيدهم  توترًا وانفعالًا وبحاجة إلى ترتيب الافكار والاسترخاء، وقد يقدّم الفن في هذا المجال السبيل إلى شحن الطاقة الايجابية والتوازن الداخلي، بدل عرض صور العنف اليومي و صور البؤس و الكلام السوقي في قالب الفكاهة والضحك.

في هذا السياق، تسبّبت "مقالب كورونا" التي قام بها هواة على موقع التواصل يوتيوب في ضجّة كبيرة، بحجّة أن الفترة ليست مناسبة تمامًا للسخرية من الوباء الذي يقتل الآلاف حول العالم، فضلًا على ذلك، قد تتسبب هذه المقالب في نشر الذعر بين الضحايا، ومن بين هذه المقالب ما نشره ممثل روسي صاحب صفحة "كارا برانك"، حيث يمثّل شخص مصاب بالكورونا داخل الميترو، ويتظاهر بالسقوط وسط الركاب، وعند اقتراب بعضهم منه بدافع إسعافه يبدأ بالتخبّط والتظاهر بالاختناق فيضطر من حوله للهرب.

يرى البعض أن تداعيات فيروس كورونا النفسية والعصبية وظروف الحجر الصحي، تحتاج إلى معالجة صحية نفسانية

على العموم فقد استنفر فيروس كورونا العالم بأكمله، سياسيًا واقتصاديًا وحتّى فنيًا، وأدركت المجتمعات أن الفن في خدمة الانسانية وليس لصالح المال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيروس كورونا.. هل علينا أن نصاب بالذعر؟

لجنة متابعة كورونا.. احذروا تناول "كلوروكين" تلقائيًا