30-يوليو-2020

فرض إجراءات جديدة بمناسبة عيد الأضحى في الجزائر (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

أخلطت الأزمة الصحية التي تمرّ بها الجزائر وكلّ دول العالم، حسابات آلاف من الجزائريين في الولايات الدّاخلية، فمنهم من تتعلّق أعينهم بلقاء الأهل والأحبّة وقضاء مناسبة عيد الأضحى المبارك، بين أفراد العائلة الواحدة، وتتوق قلوبهم بصلة أرحامهم واقتسام الفرحة بين ذويهم، ومنهم من يتساءل عن طريقة التنقّل من ولاية لأخرى في هذه الظروف الصعبة صحيًا وماديًا، بسبب نقص فادح في وسائل التنقل بسبب تدابير الحجر الصحّي، ومخاوف العدوى.

الأخصائية ثريا بلمعلم: المواطن الجزائري يعيش في قلب دوامة التجمّعات العائلية المناسباتية 

الإصابات الوافدة؟

ككلّ سنة، تعتبر وسائل النقل، مع فترة المواسم والأعياد معضلة لدى الكثيرين، إذ تعوّد الجزائري على قطع مسافات طويلة بين الولايات الداخلية للالتحاق بالأهل عشية مناسبات الأعياد الدينية خاصّة، غير أن هذه السنة الوضع مختلف تمامًا، أمام انتشار وباء فيروس" كورونا"، وهي النّقطة  الأساسية التي تطرق إليها المختصّ في علم الأوبئة البروفيسور سيد أحمد حميتي في تصريح لـ "الترا جزائر"، معبّرًا عن تخوّفه من تنقّل الحالات خلال أيام العيد.

اقرأ/ي أيضًا: هيئة الفتوى تجتمع بلجنة كورونا.. قرارات استباقية قبل عيد الأضحى ؟

يوضّح المتحدّث في هذا الإطار قائلًا: "في التحقيقات الوبائية التي نجريها غالبًا، نقوم بتتبع الحالات عبر محيطها البيئي والجغرافي، إضافة إلى الاجتماعي (الأسرة العائلة والمحيط)، فاستنادًا إلى كلامه، الأمر ينبئ بوضع احتمالات كثيرة، أهمّها: "الحالات التي تكتشف في منطقة ما، تكون حالات قد مرّت على منطقة أخرى".

هذا الاحتمال الرئيسي، عزّزته عدّة نتائج لتلك التحقيقات الوبائية، منذ اكتشاف الفيروس في الجزائر نهاية شباط/فيفري الماضي، تزكّيه أيضًا، إمكانية إصابة عدد من الحالات في المكان الواحد، ونقلها إلى أمكنة مختلفة ومتعدّدة، وبذلك تسهم في نشره على نطاق أوسع، ما ينذر بخطورة الوضع كثيرًا في هذه الأيّام، إن "لم يلتزم الجزائريون بتعليمات الوقاية والعناية الصحية في مثل هذه الظروف"، يضيف البروفيسور حميتي.

وما يعزّز هذا القول، هي تلك الإحصائيات التي يرتفع منحاها كل يوم، موازاة مع رفع عدد التحاليل نسبيًا للإصابات المشكوك إصابتها بالفيروس، في مقابل أنه "من ضمن الحالات التي تمّ اكتشفاها من طرف لجنة متابعة ورصد فيروس كورونا في الجزائر، التابعة لوزارة الصحة الجزائرية والإصابات، هي حالات متنقّلة من ولاية إلى أخرى في إطار مناسبات الأعراس والجنائز، على سبيل المثال لا الحصر.

موسم التجمّعات العائلية

إن سلّمنا بهذه الفرضية التي أثبتتها التحاليل الطبيّة المخبرية، والنتائج التي تتوصل إليها مديريات الصحّة على مستوى الولايات، فإن "التنقل بين الولايات في مناسبة عيد الأضحى في حدّ ذاته خطر كبير"، تقول الأخصائية في الأمراض التنفسية ثريا بلمعلم لـ "الترا جزائر"، لافتةً إلى أنّ "المواطن الجزائري يعيش في قلب دوامة التجمّعات العائلية المناسباتية المرتبطة بالاحتفالات، والتجمّع الخاص بعيد الأضحى"، غير أنه لم ينتبه بعد إلى مسألة حمل الفيروس دون الكشف عنه، والقيام بالتحاليل في حال ما لم تظهر عليه أعراض، ونقله معه إلى بيته في مناسبة العيد، و بالتالي نقل العدوى إلى أحد أفراد أسرته دون أن يدري".

ومن خلال شروح علمية محضة، أفادت الدكتورة بلمعلم في حديثها أن عددًا من الإصابات المعلنة، "وافدة محليًا"، وأغلب المصابين تنقّلوا عبر محيطهم الجغرافي، فنقلوا الفيروس قبل أن يتمكّنوا من إجراء التحاليل، خصوصًا وأنه سريع الانتشار وأعراضه لا يمكن التنبؤ بها، وغيرها أعراض لا تظهر على المصابين.

الوباء والمناسبة

في المقابل ممّا سبق، يبدو أنّ هناك عجزًا صارخًا في تنظيم عملية التنقلات المتزامنة مع الاحتفال بعيد الأضحى، وهو ما تظهره، الطريقة التي تعاملت بها الحكومة في فرض الحجر الصحي في مختلف الفترات السابقة، من خلال قرارات وُصفت من قِبَل  المواطنين بـ"العشوائية"، خاصة ما تعلّق منها بغلق منافذ العاصمة الجزائرية، ومساراتها الرئيسية التي تعد نقطة انطلاق ونهاية لعديد خطوط النقل البرية، رغم أنه جاء تأكيدًا لقرار سابق في جوان/حزيران الماضي، لم يطبّق، إلا أنه تم تجديد العمل "الصارم به" بعد مختلف الاختلالات التي عرفتها عملية تنفيذه فعليًا في الساحة.

معاناة المواطنين في توفير وسيلة التنقل، تتجدّد حلقاتها مع كلّ مناسبة دينية، غير أنّها هذه المرّة تعرف تفاقًما رهيبًا، وفوضى في تسيير هذا الملف عمومًا من السلطات المعنية، خصوصا بالنّسبة للأسر التي تفضّل أن تسافر من ولاية إلى أخرى ومن منطق إلى أخرى للقاء ذويها، في مثل هذه المناسبات السعيدة، فرغم الفيروس وانتشاره، إلا أن الكثير من العائلات تضرب مسألة مخاطر الإصابة بالفيروس عرض الحائط، وهو ما ذكره أحد عمال النّقل البرّي لـ "الترا جزائر"، مفسرًا أن كثيرين في هذه المناسبات، لا يأبهون لتدابير التّباعد الاجتماعي، في السيارات، ووسائل التنقل الأخرى، رغم النداءات ونشاطات التوعية والتحسيس.

احتمالات واردة

اجتماعيًا، تظلّ مناسبة عيد الأضحى فرصة لالتقاء العائلات، خصوصًا وأن البعض يجد فيها استراحة بين أحضان العائلة، في مقابل اعتراف كثيرين بأنها مناسبة مختلفة عن السابق، ومحفوفة بمخاطر تنقل عدوى الفيروس، ويتخوّفون من تجاوز تلك التحذيرات، خاصّة وأن التحقيقات الوبائية كشفت أن وتيرة الإصابات ارتفعت في الفترة الأخيرة بسبب التجمعات المناسباتية، ونقلها من شخص إلى آخر رغم التّباعد الجغرافي.

استجابة لتدابير الحجر الصحّي وعملية غلق منافذ العاصمة الجزائرية، وبعض الولايات أيضا، تنقّل البعض قبل أيّام من الاحتفال بالشعيرة الدينية، دون إجراء أي تحاليل خاصّة بالنسبة للمواطنين الذين يشتغلون في مدن تعرف بـ "انتشار الوباء"، وهو الأمر الذي لفتت إليه الناشطة في جمعية خيرية للتبرّع بالدم في ولاية الشلف، فاطمة عرايبي، في حديث إلى "الترا جزائر"، لافتة إلى أن تحذيرات الأطبّاء لا تكفي في مثل هذه الظروف، أمام نقص كبير في التحاليل، على حدّ تعبيرها.

لم تدرك بعض العائلات الجزائرية بعد خطورة الوضع الوبائي، تقول السيدة عرايبي، "بدليل أنها ترفض التخلّي عن بعض التقاليد المجتمعية والدينية في التزاور يومي العيد، وترى في ذلك عيبًا ربما أم سلوكًا غير محببٍ وهو ما يجعلها تغامر بحياتها من أجل لقاء الأقارب والأهل".

الجزائر سجّلت ارتفاعًا محسوسًا في عدد الإصابات بعد عيد الفطر

ومن الحلول المقترحة من طرف كثيرين في الجزائر، هي "الحدّ من التنقّلات إلى أقصى درجة خلال فترة العيد، إذ هو حلٌّ يصبُّ في صالح الجميع، حتى لا نعيد تكرار ما حصل يومي عيد الفطر، حيث سجّلت الجزائر ارتفاعًا محسوسًا في عدد الإصابات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حظرٌ تامٌ للأعراس وحفلات الختان في العاصمة

في زمن كورونا.. كلنا في العيد سواسية