24-يونيو-2017

طلبة جزائريون في الامتحانات العامة

ممّا ميّز شهادة البكالوريا/ الأهلية العامّة هذه السّنة في الجزائر، قرار وزيرة التّربية القاضي بطرد كلّ مترشّح يتأخّر عن موعد الامتحان ولو بدقيقة واحدة. وقد تمّ طرد المئات فعلًا، ما أدّى إلى تباين في أوساط الجزائريين، بين مستحسن لـ"الصّرامة"، التي غابت عن هذه المواعيد التربوية المهمّة، حتى أنّ الأسئلة باتت تباع في الأكشاك، مثلما حدث العام الماضي، ومستهجن لـ"الظلم"، الذي يحرم تلاميذ كدّوا وجدّوا، وقد يؤدّي الإجراء ببعضهم إلى صدمة نفسية أو استقالة معنوية أو انسحاب من الحياة أصلًا.

هذه السنة كسابقتها، باتت أسئلة البكالوريا الجزائرية تباع في الأكشاك

بعد أيّام، من انتهاء أكثر الامتحانات تخويفًا في الفضاء الجزائري، وشروع الأساتذة في عملية التّصحيح، وانكفاء المترشّحين على أنفسهم انتظارًا للنتائج، أعلنت الحكومة أنها ستنظم دورة استدراكية للتلاميذ المطرودين بسبب التأخر، "إنقاذًا للمستقبل الدّراسي لأبنائنا".

ولأنّ قرارات الحكومة الجزائرية، بغضّ النّظر عمّن يسيّرها، باتت تخضع للارتجال لا للتخطيط، فقد فاتها أن تواجه هذه الأسئلة، قبل أن تتخذ قرار الطرد، ثمّ قرار الاستدراك: لماذا نقرّر طرد مترشّح لامتحان يُجمع الجزائريون على أنّه مصيري، حتى أنّهم يهابونه ويقدّسونه أكثر من الامتحانات المتعلّقة بشهادات أعلى، بسبب تأخيرات طفيفة قد تمليها منظومة النقل المتهرئة أصلًا؟ ثم نتراجع عن القرار وننسخه بقرار آخر؟

ألا يؤثّر هذا الارتباك في اتخاذ القرارات المتعلّقة بمصائر الجيل الجديد، في هيبة الدّولة في أذهانهم؟ هم الذين قد يواجهون موضوعًا، في هذا الامتحان نفسه، عن هيبة الدّولة نفسها؟ أين التنسيق بين الحكومة ووزاراتها؟ وهل يبقى لوزيرة التربية بصيص من الهيبة، لدى إطارات الوزارة والمتمدرسين البالغ عددهم ثمانية ملايين، بعد أن تقرّر قرارًا، ثم تتراجع عنه لأنها تعرّضت لضغوطات من "فوق"؟

هل يبقى معنًى للحديث، بعد هذا، عن العدل بين المواطنين، بعد أن مُنحت فرصة ذهبية لتلميذ متأخر، فيستفيد من وقت إضافي للمراجعة، ومن أن يُمتحن خارج شهر الصّيام، على حساب زميل له راجع في وقت أقلّ، وفي ظروف يحكمها الجوع والعطش؟ ذلك أنّ الدورة الأصلية للامتحانات جرت في شهر رمضان؟

إلى أيّ مدى سيؤثر إجراء دورة استدراكية للبكالوريا، في موعد عملية التّسجيلات في الجامعة؟ فتتأخّر بما يُؤدّي إلى تأخر انطلاق الدّراسة أصلًا؟ أليس هذا هضمًا لحقوق الطلبة أيضًا؟ كيف تنصف الحكومة شريحة من جهة، وتظلم شرائح أخرى من جهة ثانية؟ أم أنّها تدرك أن الغضب المترتّب عن مضيّها في قرار الطرد، سيكون أكبرَ من الغضب المترتّب عن التّأخر في الدّراسة؟

يبدو أنّ الحكومة الجزائرية، وهي تتخذ قراراتٍ مصيريةً كانت أم بسيطةً، تحتكم إلى العابر لا إلى المستقبل

يبدو أنّ الحكومة، وهي تتخذ قراراتٍ مصيريةً كانت أم بسيطةً، تحتكم إلى العابر لا إلى المستقبل. فتعمل على شراء السّلم الاجتماعي اليوم، ولا يهمّها ما يترتب عن ذلك من انزلاقات على مستوى التفكير والسّلوك غدًا، ما دامت لن تكون موجودة في ذلك الغد بالضّرورة، وإن امتدّ بها العمر فأدركته، فستلجأ إلى الترقيع لعلاجه. والجزائر بهذا لا تملك، في الحقيقة، حكومة للتخطيط، بل للترقيع. وهذا ما يُفسّر الوضع الذي آلت إليه قطاعاتها المختلفة.

اقرأ/ي أيضًا: الحكومة الجزائرية.. فخاخ الواجهة المزيّفة

في وقت قريب، قرّر وزير التجارة السّابق عمارة بن يونس تحرير تجارة المشروبات الرّوحية في السّوق الجزائرية، فألغى الرئيس القرار، مجاملةً لأطراف سياسية واجتماعية يحتاج تزكيتها لاستمراره في الحكم. والنتيجة ارتفاع نسبة الشباب المقبلين على المخدّرات والأقراص المُهلوسة، واستفحال التجارة غير القانونية للكحول، وزيادة حوادث المرور بسبب انتقال المواطنين إلى المدن التي يُسمح بالشرب فيها، وتفاقم الاعتداءات الجسدية، بحكم أن أماكن الشّرب المهرّب لا تخضع للرّعاية الأمنية، فربح الرّئيس تزكية المنظمات المعارضة لبيع الكحول، وتوشك الجزائر على أن تخسر جيلًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحكومة الجزائرية ومنطق الخالة فرّوجة

في هجاء الطريق الأحادي