02-فبراير-2021

في حيّ القصبة العتيق بالعاصمة الجزائرية (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

وصلت إلى مدينة معسكر. 400 كيلومتر إلى الغرب من الجزائر العاصمة، وهي لحظة تعرفني وأعرفها منذ سنوات. فقد ألهمتني ولحظات أخرى في معسكر أربعةَ كتب.

كان هاتفي قد لفظ آخر أنفاسه عند مشارف غليزان. 

ما معنى أن تكون مدينة عاصمةَ مؤسّسِ الدّولة الجزائريّة الحديثة، لكنّها تعيش أوضاعًا  لا ترقى إلى منطلقها التّاريخي؟

لماذا لا يوفّر السّائق الجزائري فرصةً لزبونه لأن يشحن هاتفَه، ويستمتع بالقول إنّ ذلك غير متاح؟ لماذا لا يكفّ أصحاب المركبات عن المطالبة بزيادة الأجرة، في مقابل تأخّرهم عن توفير الخدمات لزبائنهم؟ لذلك لم أستطع أن أخبر أصدقائي بقرب وصولي، حتّى ينتظروني كالعادة. فذرعت المدينة وحدي منتشيًا بذلك.

اقرأ/ي أيضًا:  قطاع الثّقافة بعد الحراك.. نجاح في الفشل

إنّ الخلوة عندي لا تعني العزلة بالضّرورة. فقد أمارسها في عزّ الهواء الطّلق أو في قلب الضّجيج.

ما معنى أن تكون مدينة عاصمةَ مؤسّسِ الدّولة الجزائريّة الحديثة، لكنّها تعيش أوضاعًا حالية لا ترقى إلى منطلقها التّاريخي؟ هل هذا إهمال عفويّ أم تتفيه مقصود للرّمز؟

ما معنى، وهي عاصمة مؤسّس الدّولة، أن يأتيها كبار الدّولة في الحملات الانتخابيّة، فيقولوا لأهلها: سنجعلها مثل كاليفورنيا؟ ثمّ لا يتذكّرونها بعد ذلك؟

أمّا الرّئيس الحالي، فقد اكتفى بإرسال رسالة في حملته الانتخابيّة لأهل المدينة! رئيس يريد أن يدخل بالدّولة إلى الجمهوريّة الثّانية، فلا يزور عاصمة مؤسّس الدّولة! أرجو أن يعوّض ذلك بأن تكون معسكر أوّل مدينة يزورها، حتّى يربط الأفق بالمنطلق.

تزامنت زيارتي تلك مع موسم تزاوج القطط. وهو من المواسم التّي تلهمني وتجعلني متشبّعًا بروح الخصوبة.

وقد كان في استقبالي، ما أن نزلت من سيارة الأجرة قبالة مقرّ البلدية، قطّ يطارد أنثاه.. ياه.. كان غارقًا في الوصول إليها إلى درجة أنه لم يخف من وصولي إليه.

لازلت أتذكّّر كلّ المرّات التي عادت يداي فيهما مرقّشتين بالخدوش من مساعدة قطّ على التمكّن من قطّة.

سأحكي لكم هذه: كنا نملك قطة في أولاد جحيش. وكانت لا تغادر البيت حتّى في موسم التّزاوج، فحملتها مرّة إلى قطّ جارتنا، وجعلتها عروسًا بين يديه، فانتقمت منّي بأن جعلتني أعود إلى البيت بلا يدين.

استعملت يدا جدّتي مريم كلّ مواهبها في ضربي. ولم أعلم إلا بعد أن كبرت أنّها ضربتني لأنّها كانت متهاوشةً مع صاحبة القطّ، وقد رأت في خدمتي له خدمةً لخصمتها.

ماذا لو تحدّث القطّ الجزائريّ عن الحجارة والأرجل التّي يتلقّاها في الشّارع الجزائريّ؟

نقلت نظري من عينَي القطّ إلى عينَي تمثال الأمير عبد القادر، فلمحت شبقًا آخر. هل يجوز لي أن أسمّيه شبقَ التّاريخ؟ لماذا لا يكفّ صنّاع البطولات عن النّظر إلى الأفق؟

وقفت عند قدميه وأطلقت ضحكةً تشرّبها الصّمت وضوءُ القناديل.

للصّمت والضّوء اللّذين يغمران ساحة الأمير، سواءً في معسكر أو في الجزائر العاصمة، عند منتصف اللّيل طعم خاصّ. وأنا يا سيّدي الأمير خائف من الصّمت والظلام اللّذين باتا يغمران اليوميّات الجزائريّة.

خائف من الخوف السّاكن في العيون والنّفوس والعقول والجنبات. وما يضاعف خوفي يا سيّد الحسام والقلم أنّه خوف خاصّ. هل سبق لك أن عشت هذا النّوع من الخوف، حيث تخاف على الغد وتخاف منه في الوقت نفسِه؟

أما أنا أيّها الأمير الشّاعر، فلا أملك أن أواجه هذا الخوف إلا بالسّعي إلى أن أعيد الفنون إلى السّاحة. هذه وظيفتي وما كنّا لنصل إلى هذا المقام لو قام كلّ طرف منّا بوظيفته. (كنت في مهمة إطلاق مقهًى ثقافيٍّ في مدينة معسكر).

كيف تسمّي مقامًا يرتبط فيه فراغ الجيب بممارسة الفنّ أو طلب العلم، وامتلاؤه بتركهما أيّها الأمير؟

على بعد خطوات ينتظرني شباب فنّانون صارحوني بأنّهم لا يستطيعون أن يعشّوني. فهم بطّالون أو جامعيّون. كيف تسمّي مقامًا يرتبط فيه فراغ الجيب بممارسة الفنّ أو طلب العلم، وامتلاؤه بتركهما أيّها الأمير؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

إرث مغاربي مشترك.. طبق الكسكسي على قائمة اليونسكو

وزيرة الثقافة تمارس الرقابة على حسابات فيسبوكية لإطاراتها