05-أبريل-2022
جمعيات خيرية تقدم وجبات مجانية للصائمين في رمضان (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

قبل موعد آذان المغرب في شهر رمضان، ومع خلو الشوارع والطرقات من المارة تقريبًا، تكون المطاعم الخيرية والقاعات التي تفتح أبوابها في هذا الشهر قد امتلأت على آخرها، إذ يقبل كثير من المسافرين والعمّال والمارة وحتى العائلات على هذه الأماكن للإفطار دون موعد مسبق، حيث تتنافس جمعيات خيرية وأفواج الكشافة الإسلامية وفئات من المجتمع المدني في شهر رمضان، على تقديم وجبات إفطار مجانية للصائمين الوافيدين إليها.

في مداخل المدن وعلى حافة الطرقات التي تربط بين الولايات يقف شباب متطوّعون للتلويح لأصحاب السيارات من المسافرين على ركن مركباتهم دقائق فقط قبل آذان المغرب

في مداخل المدن أيضًا وعلى حافة الطرقات التي تربط بين الولايات، يقف شباب متطوّعون للتلويح لأصحاب السيارات من المسافرين على ركن مركباتهم دقائق فقط قبل آذان المغرب.

يعرف هؤلاء الشباب المسافرين من لوحات ترقيم سيارتهم، وغايتهم من هذه المبادرات الحدّ من حوادث المرور ، حيث يُعرف السائقون باستعمال السرعة قبيل المغرب للوصول باكرًا إلى وجهتهم، وهو يؤدي إلى حوادث مرور مميتة في مثل هذا الشهر.

في هذه السنة، عادت الجمعيات الخيرية لتنظيم مائدة إفطار الصائمين، أو ما يُسمّى محليًا "مطاعم الرحمة"، وهو أحد مظاهر تضامن الجزائريين وتكافلهم، خصوصًا بعد عمليات الإغلاق بسبب وباء كورونا، لتظهر تلك الصور الخاصة بإفطار عابري السبيل مجددًا ويتطوّع العشرات لتنظيم الموائد الرمضانية الخاصة بالفقراء ومن تقطّعت بهم السبل.

عابرو السبيل

بين منطقتي برج بوعريريج وسطيف، شرقي العاصمة الجزائرية، عشرات المطاعم فتحت أبوابها لعابري السبيل، وعشرات الشباب يشتغلون تطوعًا في إطعام الصائمين وخصوصًا عابري السبيل والمسافرين وغيرهم من الفقراء الذين لم يجدوا بدا من الإفطار مع العائلة.

يتحدّث سمير ملزي وهو شاب يدرس بجامعة سطيف لـ"الترا جزائر" أن رمضان فرصة لا تعوّض خصوصًا بالنسبة للجمعيات الخيرية و تكثيف نشاطاتها، إذ "تعطف على المسكين وتعيد البسمة للكثيرين ممن يفتقدون للدّفء العائلي".

ويدخل مطعم الرحمة في ناصية الطريق السريع بين المنطقتين، في إطار نشاطات جمعية "أيادي الخير" التي تنشط عبر ولاية سطيف، إذ فتح أبوابه كغيره من المطاعم التي تشتغل في الشهر الفضيل لتقديم وجبات ساخنة لعابري السبيل، هذه المرة بعد إغلاق دام عامين بسبب جائحة كورونا.

وعاد عمل مثل هذه المطاعم لسابق عهدها، إذ تتواصل مع العابرين من المسافرين والفقراء والمحتاجين، و تقدم وجبة كاملة-  حسب السيد ملزي، فيما تقدم أيضا وجبة السحور كاملة.

وجبة للبيت

خلال الشهر الفضيل، تسعى العشرات من الجمعيات الخيرية في الجزائر إلى تطبيق أحد أهدافها المتعلق أساسا بإفطار الصائمين، فيما تعكف بعض الجمعيات في المضي نحو تقديم " قفة رمضان" وتوصلها إلى بيوت المحتاجين حسب القوائم التي تعدها قبل حلول الشهر الكريم.

وفي هذا الإطار، تحدثت كريمة لعجال رئيسة جمعية " دير الخير " بمنطقة قصر الشلالة بولاية تيارت غربي العاصمة الجزائرية، أن الجمعية أعدت قائمة تضمّ 300 عائلة تستفيد من "سلة رمضان" إذ تتشكل –حسبها - من مختلف المواد الأساسية لتحضير الوجبات الرمضانية، ويتم توزيعها على ثلاث مرات خلال شهر كامل.

نشاط هذه الجمعية لم يتوقف يوما منذ إنشاءها في 2010، كما قالت السيدة لعجال في حديث إلى "الترا جزائر" أن العملية التضامنية لم تنقطع حتى في زمن وباء كورونا، بفضل المساعدات التي يقدمها الأغنياء وأصحاب الأعمال الحرة والمتطوعون من مختلف الشرائح للفقراء.

وحسب ما تعودت عليه الجمعيات الخيرية فإن "إفطار الصائم" عملية جيدة لها فوائد كثيرة، إذ تلتحم النوايا بالأفعال، حسب السيدة لعجال، مضيفة إن العشرات من العائلات تعاني الفقر في بعض القرى والأحياء التي لا تصلها الإعانات.

في هذا السياق، تأثرت بعض العائلات بضعف المداخيل والأجور المتدنية وغلاء الأسعار، وهو ما جعلها تسجّل في قوائم المعوزين والمطالبين بمساعدات رمضان، خاصّة ما تعلق منها بالزيت والسميد والسكر والقمح المستعمل في تحضير طبق "الشّربة" والطماطم والقهوة.

ولذلك، لجأت جمعية " الأرملة واليتيم" على مستوى منطقة " الزبوجة" بولاية الشلف غرب الجزائر إلى إحصاء العائلات الفقيرة والأرامل واليتامى، والقيام بإيصال وجبات كاملة يوميًا إلى بيوتهم، وذلك من خلال ربط تواصل بينهم ولجان الأحياء حتى يتم "إيصال مختلف المساعدات إلى الأسر المحتاجة"..

وحول هذا الأمر، قال العضو النشاط في هذه الجمعية وليد خالدي لـ"الترا جزائر" أن العملية في أيامها الأولى تبدو ناجحة خصوصا وأن الجمعية تضمن إعالتهم مباشرة بالمؤونة وتحقيق مطالبهم اليومية والاكتفاء بتقديم الوجبات مع " حفظ ماء الوجه لهم".

عودة بعد كورونا

عشرات مطاعم الرحمة تحصيها الولايات كلّ شهر رمضان، غير أنّ فرحة عودة هذه المطاعم بعد فترة الغلق بسبب فيروس كورونا أسعدت الكثيرين، وخصوصًا العائلات الفقيرة والجمعيات التي عادت لنشاطها وحيوتها المعهودة في شهر الرّحمة.

"عملية العودة للفعل الميداني الخيري، تثلج الصدر وتعيد الحيوية للأعمال الخيرية في الجزائر، خصوصًا في شهر رمضان الذي يعيد اللحمة للجزائريين والبسمة لقلوب المحتاجين" كما قال النّاشط في جمعية " ناس الخير" عبد الله غمراوي بمنطقة يرج الكيفان شرق العاصمة الجزائرية.

وأضاف أن النشاط الخيري لم ولن ينقطع حتى عزّ الوباء، لكنه سيكون أكثر وفرة ورحمة وتضامنًا وتكافلًا ميدانيًا.

وأكد غمراي أن تقاسم الإفطار بين مختلف العائلات وعابري السبيل ومشاركتهم فرحة الإفطار هي أهم نشاط تقوم به الجمعية، موضحا أن الكثيرين شاركوا في هذا العمل الجمعوي الاجتماعي، فضلا عن الدعم الذي تلقاه الجمعية من كبار التجار والمساهمين في العمل الخيري من بعيد.

تضامن الأزمة

الملفت للنّظر، أن عمليات التضامن فيما بين الجزائريين لم تكن وليدة الشهر الفضيل فقط، غير أن مظاهرها تزيد أكثر في أيام الصيام، إذ تستدعي التوقف والمقارنة  مع السنوات الماضية، خصوصا مع الظروف الاقتصادية وانخفاض القدرة الشرائية للآلاف من العائلات.

وفي هذا الموقف بالذات، تصرّ بعض الجمعيات إلى توعية المواطنين عبر مختلف ولايات الجزائر على ضرورة التقيد بتدابير الاقتصاد وترشيد النفقات بغية تخصيصها للمحتاجين وتقديم المساعدات لمن لا دخل لهم، خصوصًا وأن العديد من العائلات فقدت مصدر رزقها بسبب الوباء وبسبب الحرائق وغلق بعض المؤسسات وإحالة أربا البيوت على البطالة.

وفي خضمّ هذه الظروف، تحدّث البعض عن التّضامن خلال الأزمة، إذ كشف الأستاذ في علم الاجتماع بجامعة الجزائر عبد الكريم سوامي في حديث إلى "الترا جزائر" أن التضامن الاجتماعي هو لون من ألوان الحماية الاجتماعية للعائلات الجزائرية، موضحًا أن التكافل في وقت الأزمات يزداد قوة بسبب تقاسم الأزمة و الشعور الواحد لدى كل الجزائريين.

تصرّ بعض الجمعيات إلى توعية المواطنين عبر مختلف ولايات الجزائر على ضرورة التقيد بتدابير الاقتصاد وترشيد النفقات

وأضاف الأستاذ سوامي أن شهر رمضان هو فرصة لتجديد عهد التعاون بين أفراد الشعب، إذ هو صبغة وجب توارثها من جيل إلى جيل وعدم إفلاتها كنوع من أنواع الحفاظ على التماسك الاجتماعي.