من نحن ومن هم؟ من هؤلاء ومن أولئك؟ من هي العصابة ومن يُحارب الفساد؟ كيف كانت الآلة السياسية تشتغل؟ وكيف كانت تُدار شؤون الدولة زمن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة؟ وأين كان الإعلام وسط كل ذلك؟ الإعلام مع من؟ هل هو مع الشارع والشعب؟ أم ضدّه؟
كيف يُمكن للصحافي أن يفرّ بجلده من الاصطفاف والتحيّز لجهة ما؟
كلّ هذه الأسئلة طُرحت خلال نقاش حادّ بين زملاء المهنة، وسط اتهامات البعض بأن عديد المؤسّسات "رهنت القضية"، أو بالأحرى غضّت الطرف عن الحراك الشعبي، وأصبحت تغمض عينًا عن أشياء وتفتح الثانية على أشياء أخرى، تنقل صوتًا وتخفِتُ أصوات أخرى، تتعامل مع مطالب الشعب الاجتماعية والمهنية، وتُهمِل مطلب حناجر الآلاف في يومي الثلاثاء والجمعة، ليعود الشارع إلى الفاعلية السريعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. منبرٌ فتح الباب على مصراعيه، حيث تُكال الاتهامات ويرتفع منسوب التخوين، ويتّسع خِطاب الكراهية، وسط صعوبة كبرى يجدها الإعلامي في تناوله للمواضيع المطروحة بقيمة "الحيادية"، إذ ما يلبث أن يُشار إليه بالأصابع: إن لم تكن مع هؤلاء فأنت ضدّهم، حتى وإن أردت الحفاظ على إنسانيتك وسط صراعات لفظية وانحياز صارخ، تفضحه الكتابة في السوشيال ميديا.
اقرأ/ي أيضًا: الشباب الجزائري والانتخابات البلدية.. فرص مُعلقة أمام فقدان الجدوى
كيف يُمكن للصحافي أن يفرّ بجلده من الاصطفاف والتحيّز لجهة ما؟ وكيف له أن ينامُ مرتاح الضمير وسط حقائق واضحة في بلدٍ التهمته قضايا الفساد، وعرّت حناجر الملايين "الخديعة" التي استُخدِم فيها الصحافي بديكور "الكلمات والصور والتقارير الصحفية"؟
سؤالٌ أجاب عنه عديد الأكاديميين في مجال الإعلام والاتصال، ففي النهاية، خَلَصَت أغلبُ تصريحاتهم إلى أنّ الإعلامي أو ناقل المعلومات ليس بإمكانه أن يفرِض على الآخر قبول رأيه، غير أنّه بإمكانه أن يُقدِّمَ مساحة من الحريّة في التّعبير عن رأيه، دون سبّ وتعدٍ على الحقوق واتهامات باطلة بطريقة كيدية، أو بالمختصر المفيد:" إعطاء نوع من الأمان لحرّية التعبير".
هل بإمكان الإعلامي أن يُمارس مهنته بحيادية، وسط هذه المشادّات العلنية والافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصًا فيسبوك، والتي تضاعفت منذ بدء الحراك الشعبي في الجزائر في الـ 22 شبّاط/ فيفري الماضي، ويعثُرَ على منفذٍ للخروج الآمن من مخاطر تُصيب المهنة؛ أهمّها الاصطفاف وراء جهة أو وراء مرشّح للانتخابات الرئاسية، نحو تغليب منطق الرأي والرأي الآخر، وعدم الاستماع إلى صوته فقط، وتحييد الأصوات الأخرى، ففي الأخير هناك معطيات وجب في هذا الظرف التعامل معها بحذر، أو كمن يتحسّس وجود عرق في الساعد قبل وخز الحقنة.
بنظرة عميقة، يعتقد ممارسو المهنة أن الأهمّ حاليًا، ألا يتعصّب الصحفي لفكرة ما، أو يبيع قلمه لطرف من الأطراف، أو لأجل مصالح ضيّقة، فالسلامة العقلية تتطلّب في غالب الأحيان الابتعاد عن الفضاء المشحون، وأخذ مسافة تضمن الرّؤية الجيّدة، فالتجارب السابقة منذ إطلاق عهد التعددية، كشفت أن الانخراط في أحد الصفوف يُصيب بلوْثة قد تعطّل التفكير بوضوح ويجهض القيم الأخلاقية، التي يُهمِل معها صاحب القلم مسؤوليته الاجتماعية.
بإمكان الصحافي أن يختار كلماته بما يتماشى مع الوضع ولكن بطريقة أكثر إنسانية قد تكلّفه "قطع خبزته"
تساءلتُ مرّة ومرّات، كيف تنحّت عديد الأسماء المعروفة سياسيًا وإعلاميًا من الواجهة، وهي المحسوبة على النّخبة، وتوارت عن الأنظار لفترة من الزّمن؟ غير أن الردّ تزامن مع انحيازها للوطن في عيد الثورة التحريرية، إذ تخوّفت من التورُّطَ في نقدٍ أو في تقديم قراءة مغلوطة عن وضعٍ، قراءة يتمّ توظيفها سياسيًا بطريقة مقيتة، بسبب المحاذير والخطوط الحمراء التي تفرِضها بعض المؤسّسات الإعلامية، في المقابل اعترف بعضهم أنّه بإمكان الصحافي أن يختار كلماته بما يتماشى مع الوضع، ولكن بطريقة أكثر إنسانية قد تكلّفه "قطع خبزته" ودفع الثّمن غاليًا، لكنّها صورة من صور المقاومة في زمن صارت فيه مصداقية الإعلام على المحكّ وسط سرعة التكنولوجيا، وما أنتجته من قلقٌ كبير في عالمنا العربي جرّاء البحث عن نزاهة ناقل المعلومة، وُسِم هذا القلق بـ"الذّباب الالكتروني" وتنامي الأسماء الوهمية.
اقرأ/ي أيضًا:
مرشحات في الانتخابات المحلية.. أخت وزوجة بدون اسم!
تأجيل الانتخابات البلدية في تونس.. ارتداد آخر عن مسار التحول الديمقراطي