25-نوفمبر-2021

في ساحة جامعة هواري بومدين بالعاصمة (توماس تروتشل/Getty)

في الطريق نحو مواصلة الدّراسات العليا في العاصمة الجزائرية لم يكن الشاب إلياس حمية يملك أية فكرة عن الاتحادات الطلابية التي تنشط في الجامعة، بل كانت بالنسبة له أنه سيواصل مسيرة التعلم والدراسة في تخصّص الحقوق والعلوم الإدارية، لكن نظرته كانت "قاصرة"، بحسب ما صرّح به لـ "الترا جزائر"، لأن مفاجآت كبيرة، حسبه، كانت بانتظاره في الكلية التي كان يدرس بها بمنطقة سعيد حمدين بالعاصمة.

شهدت الجزائر الولادة الأولى لتنظيم طلابي أطلق عليه "جمعية الطلاّب المسلمين لشَمال أفريقيا"، في العام 1919

بينما يتحدث إلياس (23 سنة) عن رغبته في أن يصبح محاميًا، عبّر عن أمانيه في اكتشاف الجامعة وتخصيص وقت لممارسة النشاطات الثقافية والرياضية داخل الحرم، والانخراط بنوادي الجامعة من خلال الاتحادات الطلابية، لكن الأمر كان أكبر منه، إذ يقول "الانخراط معناها النّشاط الأسبوعي والانصراف إلى ممارسة السياسة"، يضحك ويردد قائلًا:" نعم ممارسة سياسة النقابات الطلابية التي تواجه قرارات الجامعة وكأنها في صراع".

ما قاله إلياس على هامش تظاهرة ثقافية بجامعة الجزائر 1، قدّم  لفْتَة بَسِيطة عن النّقابات الطلابية التي تنشط منذ سنوات طويلة في الحرم الجامعي، عبر تنظيمات طلابية لديها مكاتب على مستوى مختلف جامعات الجزائر وعن فائدتها وجدواها ودورها في أوساط الجامعة طيلة السنوات الماضية.

من جامعة الحُقوق يتساءل الطّلبة الجُدد عن حقوقهم فور ولوجهم أبواب الجامعات والكليات، وخلف جدران قاعات الدروس والمحاضرات، أسئلة تتبادر إلى الذهن لدى كل طالب حديث العهد بالتعليم العالي.

ولعلّ من الأمور الأهمّ التي يطرحها هؤلاء الطلبة الجدد وعودهم طرية لم تخبر بعد ذلك الصراع الثنائي بين الجامعة كمؤسسة رسمية إدارية تابعة لوزارة التعليم العالي والطلبة، وهو نفسه الصراع بين الإدارة في أي مؤسسة عمومية أو خاصة وعمالها.

هذا الطرح العامّ يؤكّده أي شخص يدخل الجامعة، فالإدارة والطالب وجهان لعملة واحدة، لكن رغم التصاقهما الدّائم والأبدي والحتمي، إلا أنّهما كثيرًا ما يتنافران، حسب ما أكده العضو في الاتحاد الطلابي الحرّ عن جامعة قسنطينة شرق الجزائر وليد بوحراتي لـ" الترا جزائر"، لافتًا إلى أن وجود هذه التنظيمات هو لهيكلة الطلبة والدفاع عن حقوقهم، علاوة على تنظيم النشاطات التعليمية والثقافية والترفيهية ليستفيد منها الطلبة، بعيدًا عن الدروس التي تبقى نمطًا يستجيب لمنظومة بيداغوجية تعليمية يشرف عليها جسم التعليم العالي.

تراكمية الظروف

أزيد من قرن من الوجود، هو تاريخ الحركة الطلابية في الجزائر، إذ كان العشرات منهم في فترة الاحتلال الفرنسي (1830-1962)، منخرطين ضمن تجمّعات طلابية حسب إفادة أستاذ التاريخ فريد سعيداني، موضحًا أن الطلبة الجزائريين كانوا ينشطون تحت مظلة "الاتحاد الوطني للتجمعات الطلابية"، بمختلف مشاربها السياسية وخلفياتها الأيديولوجية.

غير أنّ مطالِب الجزائريين منذ الحرب العالمية الثانية، كانت منحصرة في حق التّعليم للجزائريين، بمختلف مستوياتهم الاجتماعية، إذ كانت أغلب الفئات الجزائرية تحت خطّ الفقر، كما قال الأستاذ سعيداني، مشيرًا إلى أن هذا "العامل التّنظيمي كان حَلَقة وَصل بين السّلطات الاستعمارية الفرنسية والأهالي الجزائريين، كما كان يطلق على الجزائريين فترة الاستعمار".

كما أوضح أن تداعيات الحرب العالمية الثّانية، رفعت من مستوى وعي الطلبة الجزائريين، إذ رفعوا وقتها شِعار الحرية والتحرّر، على حدّ قوله.

خلال فترة الاستعمار

تاريخيًا، شهدت الجزائر الولادة الأولى لتنظيم طلابي أطلق عليه "جمعية الطلاّب المسلمين لشَمال أفريقيا"، في العام 1919، ثم توجّت النضالات بتنظيم طلابي آخر ينشط في فرنسا "جمعية الطلاب المسلمين لشمال أفريقيا بفرنسا" في سنة 1927، غير أن الأوضاع في الجزائر وتعاظم عنف المستعمر الفرنسي سارعت بظهور أفكار التحرّر بين جموع الطلبة الجزائرية وارتفاع أصواتهم بمطالب الحرية.

في العام 1953، شهدت الجزائر ولادة حركة طلابية قبل الثورة التحريرية بسنة واحدة (1954-1962)، حملت اسم: "الاتحاد الوطني للطلبة المسلمين الجزائريين" استهدفت جمع شتات الطلبة الجزائريين في كل أنحاء البلاد والعالم أيضًا، وحملت شِعار الاستقلال.

المتتبّع للحركة الطلابية الجزائرية، يلاحظ انخراط الطلبة كجناح مهم في النضال ومطالب باستقلال الجزائر، كما تحدّث أستاذ تاريخ الجزائر الحديث، عمار قلعي لـ "الترا جزائر" إذ انسجمت بعد الاستقلال في العام 1962 في "المشروع السياسي للسلطة آنذاك ومباشرة بناء الدولة التي كانت منهارة وضعيفة"، على حد تعبيره.

وأضاف المتحدّث في هذا المضمار، أن تنظيم "الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين"، كان له باع طويل في الإسهام في رفع الغبن عن الجزائريين خلال الفترة الأولى ما بعد الاستقلال، لافتًا إلى أنه الجناح الأساسي لحزب جبهة التحرير الوطني، إذ أشرف - حسب ما ذكره المتحدث-على "لجان التطوع على مستوى القرى والدواوير"، تحت إشراف من الحزب الوحيد في الجزائر آنذاك.

واجهات متعدّدة

زوبعة الأحداث التي شهدتها الجزائر في نهاية سنوات الثمانينيات، أو ما عرف بأحداث 5 تشرين الأول/ أكتوبر 1988، أتت برياح التغيير في البلاد، وألقت بظلالها على الواجهات السياسية وأفرزت مكوّنات إيديولوجية مختلفة المشارب.

أوّل ملامح التغيير هو الفارق بين الأحادية التوجّه والخطاب والتعددية الحزبية في الجزائر ببروز ألوان مختلفة من التشكيلات الحزبية، ما انعكس أيضًا على التنظيمات الطلابية، التي زج بها في صراع سياسي ما بين الثوى المحافظة الممثلة بحزب جبة التحرير الوطني والإسلاميين الممثّلة في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ " (المنحلة) والعلمانيين الممثّلة هي الأخرى في "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية". 

لعلّ الشّيء الملفِت للانتِباه في تلك المرحلة، أن التّقسيمات كانت متوازية بين الأحزاب والتنظيمات الطلابية، إذ قال الباحث في الحركات النقابية أستاذ علم الاجتماع ياسين بوحالة لـ"الترا جزائر" أن تلك النقابات الطلابية كانت تابعة تنظيما للأحزاب الناشطة في بداية التسعينيات.

وشرح بوحالة قائلًا إن الكيانات الطلابية كانت واجهة الأحزاب في الجامعات وتمكنت من استقطاب للطلبة من مختلف خلفياتهم، فأحزاب التيار المحافظ جذبت لها طلبة تحت مسمّى "الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين"، بينما استقطب التيار الإسلامية الطلبة في عديد الجامعات الكبرى في الجزائر تحت مسمى: "الاتحاد الطلابي الحرّ" وأيضًا "الرابطة الوطنية للطلبة الجزائريين"، أما التيار العلماني فاستقطب الطلبة تحت مسمى: "لجان طلبة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية".

بعيدًا عن التّأطير الجامعي والخلفية السياسية لتلك التّنظيمات، إلا أن تلك التشكيلات أسهمت كثيرًا في تكوين وتدريب الكوادر الجزائرية في شتى المجالات، حسب الأستاذ بوحالة، مشيرًا إلى أنها أسهمت كثيرًا في رفع مستوى الطالب الجزائري رغم السلبيات التي نراها ممثلة في استقطاب السلطة عليها، ومحاولات السيطرة عليها، بل توجيهها خدمة لمصالحها في فترات التسعينات ونهاية الألفية السابقة، حسب قوله.

ويضيف في هذا الصدد، أن تلك التنظيمات تأثرت كثيرًا بالسياسة، وباتت جناحًا من أجنحة التشكيلات السياسة وابتعدت شيئًا فشيئًا عن أسباب نشأتها الأولى، وضيعت بوصلة الدفاع عن حقوق الطلبة والإسهام في العملية التعليمية وتطوير الطالب الجامعي.

لا يختلف اثنان في كون الحركة الطلابية الجزائرية، قعاشت فترة ذهبية بتأثرها بالواقع السياسي والأهداف التي حققتها الجامعة خلال سنوات السبعينات والثمانينات، غير أنها، عرفت فترة عصيبة مع العشرية السوداء وسنوات الدم والدموع التي عبرت على الجزائريين، وتأثرت بتلك التغييرات وهبوط حادّ في مستوى نشاطها الميداني.

أجندة سياسية

منذ سنة 2000، واعتلاء الرئيس الأسبق الراحل عبد العزيز بوتفليقة سدة الحكم، شهدت هذه التنظيمات "محاولات كثيرة للتّدجين والإغراءات المادية والوظيفية أيضًا"، كما قال عبد السلام شرقي أستاذ العلوم السياسية الباحث في دور التنظيمات النقابية في الجامعات الجزائرية، إذ وُضعت حسب إفادته لـ "الترا جزائر" كأداة من أدوات السلطة والأحزاب بمختلف توجهاتها وواجهة سياسية في المواسم والمواعيد الانتخابية، وتحريكها في وقت الضرورة، حسب تعبيره.

يرى متابعون لشؤون الجامعة الجزائرية أنّ فعالية التنظيمات الطلابية مازال خافِتًا وخفيًا في آن واحد، لكن على عكس ذلك، يرى الناشط الطلابي والعضو في تنظيم "الحركة الوطنية للطلبة الجزائريين" بجامعة (البليدة 02) وليد حساين أن التنظيمات الطلابية أخذت المِشعل من أجيال متعاقبة عليها، غير أنها لازالت برأيه "تمثّل الدّور الريادي في الجامعة باعتبارها جسر عبور يربط الطالب بالإدارة الجامعية ودفاعها عن حقوق الطلبة".

المخرجات التعليمية

إن التدقيق في مسار الواجهة الطلابية النقابية في الجزائر، يلاحظ أنها خاضت معارك هامشية تتعلق بتحسين المستوى الاجتماعي للطالب على مستوى الأحياء الجامعية (السكن الجامعي)، ونسيت مع مرور الزمن الحاجة للتعليم الجيد وتعزيز ظروف التحصيل الأكاديمي.

ورغم أبعاد معركة العامل الاجتماعي الذي لا يمكنه أن يتحقق دون تحسين المستوى التعليمي، إلا أن كثيرون يتحدثون عن "إهدار للجهود والوقت خلال انخراطهم في التنظيمات الطلابية"، كما قال عبد الله فليسي لـ "الترا جزائر"، إذ انخرط في بداية سنة 2001 في اتحاد طلابي، وخاض إضرابات لتحسين الوضع الاجتماعي للطالب، وقضى وقته بعيدًا عن المحاضرات والمكتبة، بل أن الوقت المهدور في الإضرابات كان أكثر من وقته في التحصيل العلمي، على حدّ قوله.

لا يجافي الحقيقة بأن التنظيمات الطلابية تعلم الكثير للطلبة من التضحيات والنّشاط الميداني، كما قال فليسي وهو متخصص في الإلكترونيات، غير أنه في المقابل طرح عدة ملاحظات أهمها أن الاتحادات الطلابية هي شكل من أشكال النقابات التي وجدت لتدافع عن حقوق الطلبة، غير أن هؤلاء "قتلوا الوقت والجهد في هوامش الدفاع عن الحقوق بشكل صراعات وذلك عبارة عن وهم حسب ما قال؛ مهملين بذلك أهم شيء يتعلق بالطالب وهو "تحسين نوعية التعليم"، في وقت ركزوا فيه على ظروف التعلّم".

ويذهب المنخرطون في الشّأن الجامعي الذين تحدثت إليهم "الترا جزائر" إلى القول إنّ الثّابت في الجامعة الجزائرية حاليًا أن الصراع بين الإدارة في الجامعة والطالب هو صراع وهمي، إذ برزت فئة من الطلب النقابيين المسؤولين" القريبين من الإدارة، بإمكانهم غلق الجامعة عن الأساتذة بسبب الإضراب وعدم تمكين الأساتذة من الولوج للحرم الجامعي، وتستمع لهم الإدارة بل وتذعن لمطالبهم، بهدف تهدئة الوضع داخل الحرم الجامعي.

باتت الاتّحادات الطلابية قريبة من دوائر الإدارة للانتفاع من وراءها واستغلالها في العديد من المناسبات

باتت الاتّحادات الطلابية قريبة من دوائر الإدارة للانتفاع من وراءها واستغلالها في العديد من المناسبات، ما أدى إلى إهمال تحسين المستوى وانحدار النّضال النقابي –الطلابي وهو ما أبعدت الطلبة المنتمين لها عن أهدافهم التعليمية والتكوينية.