01-أكتوبر-2022

في ساحة جامعة هواري بومدين بالعاصمة (توماس تروتشل/GETTY)

صدر عن منشورات "دار كوكو" كتاب جماعي بتنسيق بين الدكتورة في العلوم السياسية لويزة دريس آيت حمدوش، والباحثة في علم الاجتماع والكاتبة فاطمة أوصديق، رفقة الدكتورة خولة طالب الابراهيمي، عنوان الكتاب "نهاية قداسة الجامعة.. تراجع الاخلاقيات وانفجار العنف".

بعض القراءات توصلت إلى أن الجامعة أصبحت أداة سياسية تهدف إلى تطويع الأفراد وفرض القواعد

يتضمن الكتاب مجموعة من المقالات والدراسات حول ظاهرة العنف وسط الحياة الجامعية، في محاولة لتحديد الأسباب وفهم مصادر العنف وانعكاساته السلبية على المجتمع الأكاديمي والمعرفي.

اشتمل الكتاب على عدد من البحوث والمقاربات لعديد من الباحثين والأساتذة لدراسة ومناقشة ظاهرة العنف، والاعتداء على الأساتذة، والسلوكيات العنيفة التي باتت تربط العلاقة بين الفاعلين في الوسط الجامعي من إدارة وأساتذة وطلبة.

في السياق، ثَضمن التأليف عدة بحوث باللغة العربية والفرنسية في محاولة لشرح وتفسير كيف تحولت الجامعة من مركز استقطاب معرفي وأخلاقي، منتجة للقيم والأفكار الطلائعية، وصانعة للنخبة إلى بؤرة الانحراف والتوحش، واستخدام القوة والخشونة، كمعيار سلوكي يُحدد العلاقة بين الطالب والأستاذ والإدارة.

نهاية قداسة الجامعة

الجامعة ضحية ومذنبة

في السياق الموضوع، يُسلط الكتاب الضوء على أسباب اخفاق المجتمع الأكاديمي والتعليم العالي ودوافع انحراف الجامعة، وتًستنتج بعض المقالات أن الجامعة هي ضحية ومذنبة في نفس الوقت، بافتقادها للأخلاقيات وسوء التسيير وغياب الحريات الأكاديمية والنقابية.

وفي ظل هشاشة الحياة الديمقراطية يبقى مردود الجامعة هشًاوسط العلاقة الاستبدادية التي تطبع مختلف الفئات المجتمعية والطبقية.

الجامعة أداة سياسية

ومن بين نتائج الدراسة التي توصلت إليه بعض القراءات، أن الجامعة أصبحت تحت الرقابة الاجتماعية والسياسية، وباتت أداة سياسية تهدف إلى تطويع الأفراد، وفرض القواعد وفق تصور القائمين على تطوير الجامعة.

ووفق ما جاء في بعض المقالات، فإن الجامعة ضحية إصلاحات شكلية، تقررت خارج أسوار الجامعة، إضافة إلى عدم إشراك الفاعلين الأساسين من باحثين وأساتذة، ويَستخلص من بعض الدراسات أن الإصلاحات السطحية تَعمل على الحفاظ على مصالح الأقليات، والقوى الاجتماعية خارج الجامعة، والتي تغذي العلاقات الزبائنية والعشائرية والجهوية، الأمر الذي انعكس عن وجود علاقات تصادم تَقُوم على التعسف والاستبداد، بدل تهيئة علاقات مهنية تكاملية تَصب لصالح التعليم العالي.

غياب القيمة الثقافية

من جهته، أشار بعض مؤلفي الكتاب إلى مسؤولية الجامعة كمؤسسة وأكاديميين وباحثين، في تكريس حالة الركود وفشل الرسالة الجامعية، ومن بين تلك الإخفاقات انعدام وغياب العلاقة بين القيمة التعليمية والقيمة الثقافية، إذ يعاني كثير من الفاعلين في الحقل الجامعي من النقص في المهرات البيداغوجية، والتي تَحُول دون تمكنهم من تحكم في آليات التواصل والتلقين المعرفي، والانسداد التام في التفكير التربوي والعلمي الموضوعي.

العنف الرمزي

 في السياق ذاته، كشفت بعض المقالات الى احتضان الجامعة للعنف الرمزي والمعنوي، عبر استبدال الكفاءة العلمية بالولاءات الجهوية والسياسية، وسيطرة المحسوبية بدل الجهد، وغياب العدالة والافلات من العقاب.

 وتلفت بعض المقالات الانتباه إلى خضوع الجامعة اليوم إلى الهيمنة السياسية، والتي أفضت إلى خلق بيئة من الفوضى والعنف، وعدم التحكم في الانحرافات، في ظلّ وجود حماية خارج أسوار الجامعة.

غياب القواعد

ومن بين المقالات التي تُشخص ظاهرة العنف في الجامعة، دراسة قدمها سعيد لوصيف، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3، إذ عاين سعيد لوصيف أن العنف في الجامعة بدأ في السنوات الأخيرة يأخذ مساحة كبرى في الحياة اليومية الجامعية، وبات العنف الألية الوحيدة في إدارة الشؤون البيداغوجية والمهنية.

وبحسب الكاتب فإن غياب القواعد أو ما يصطلح عليه "الأنوميا"، التي تعني غياب القواعد والمعايير أو القانون، والتي تتجلى في حالة التفكك التنظيمي والاجتماعي لمؤسسات المجتمع ، وانهيار المعايير والقيم الاجتماعية.

وقال الباحث أن مصطلح أنوميا غالبًا ما يقارن بمصطلح "اللانظام" " désordre"، من بين صوره يلُاحظ غياب القانون، الذي يعني  النظام والهيكلة والتنظيم ونسق المعايير، وهذا الغياب يحل مكانه آليا سلوكيات وممارسات من النسق الاجتماعي التقليدي، التي ترتكز على العلاقات الشخصية والعشائرية والجهوية، والتي تصنع الاطار غير رسمي، وعليه يُشكل مؤشرات العنف الرمزي الموجه ضد قيمة المعرفة والإنسان وأداة التسلط والقهر.

نهاية قداسة الجامعة

السياسة التحشيد

في سياق متصل، يُشدد أستاذ العلاقات الدولية، أن سياسة التحشيد وجمهرة الجامعة، جعلت من الصعب إدارة وتسيير حاجيات الطلبة وتوفير مرافق التكوين والبحث.

وأضاف أن غياب المشروع المؤسساتي للجامعة، الذي فرضه النظام السياسي من تفكيك مؤسسي للجامعة، واختزالها في بعدها الهيكلي والإداري هي بداية العنف الرمزي تجاه الجامعة والعلم والمعرفة.

واختتم سعيد لوصيف أن العنف الرمزي والسلوكيات العنيفة قي الجامعة الجزائرية هو نتيجة اختلال التوازن المؤسساتي بين البنيات الاجتماعية لصالح الاقتصاد الريعي ورموزه.

يحاول كتاب "نهاية قداسة الجامعة" تقديم رؤية علمية ومعرفية حول أسباب تفشي ظاهرة العنف

وخلص أن الثقافة الريعية والنسق الاجتماعي التقليدي تنتج عنه لا محالة سلوكيات عنيفة وعنف رمزي مؤسساتي، يحاول الكتاب تقديم رؤية علمية ومعرفية حول أسباب تفشي ظاهرة العنف وأخطارها على المنظومة التعليمية حاضرًا ومستقبلًا، ويقترح الكتاب جملة من تصورات وآليات في محاولة لمعالجة واستئصال ظاهرة العنف.