03-يونيو-2022
(صورة أرشيفية/دان كيتوود/Getyy)

(صورة أرشيفية/دان كيتوود/Getyy)

يربط كثير من المسؤولين الجزائريين في مجال التعليم العالي،خلال حديثهم عن مستجدات القطاع بالأرقام والرّسومات البيانية،والأغلِفة المالية التي صُرِفت خلال سّنوات مضت في عهدتاتهم الإدارية، فهل الأرقام والإجراءات الإدارية والإرساليات القطاعية يمكنها تبرير المستويات الدراسية في الجامعة الجزائري، وهل يمكن أن نتحدّث اليوم عن مُخرجات علمية وأكاديمية بإمكانها أن ترفع من المؤسّسات الاقتصادية وتوفّر الخبرة للعمل الميداني؟ 

التعليم العالي بات مجرّد أرقام سواءً تعلّق بالطلبة المنتسبين للكليات والجامعات أو عدد المؤتمرات والندوات التي نظِّمت من قِبل المخابر البحثية

جُملة الأرقام في قطاع التعليم العالي، وسلسلة الترقيات الخاصّة على مستوى الكادر البيداغوجي من أساتذة، لم تستطع سدّ الثّغرات التي حصدتها الجامعة خلال السنوات الماضية خصوصًا منذ الأزمة الأمنية، حسب الأستاذة كريمة معراف، من جامعة العلوم والتكنولوجيا بباب الزوار بالعاصمة،  مضيفة أن "المخرجات الجامعية قليلًا ما تُستخدم في المشاريع الخارجية، إذ هي بالنسبة للطلبة "تسوية وضعية أكاديمية، وبالنسبة للأساتذة هي خطة طريق بيداغوجية وجب استيفاؤها".

وفي توصيفها للحالة العِلمية الجامعية، قالت الأستاذة معراف المتخصّصة في الهندسة إن الهياكل الجامعية بما فيها الكوادر التعليمية،" عنوان للعيش في حَلقة مغلقة تسير بطريقة حلزونية تارة وبخطوات السُّلحفاة تارة أخرى، خصوصًا فيما تعلق بالمخابر العلمية التي باتت اليوم مغلقة على نفسها بعيدة عن تحقيق المشاريع الحقيقية".

مما لاشكّ فيه، بحسب بومعراف، أن أيّة إدارة جامعية تمتلك من الأرقام والإحصائيات ما يمكنها من رفع رصيدها الإداري أمام الوزارة الوصية، غير أنها في الوقت نفسه لا يمكنها أن تدفع إلى الواجهة المنجزات العلمية التي يؤطرها الأساتذة من وراء إشرافهم على بحوث علمية من أطروحات دكتوراه ورسائل الماجسيتر والماستر ومذكرات التخرج في صفّ الليسانس، على حدّ تعبيرها.

تستدرك محدثة "الترا جزائر" أن هذا لا يعني أن المخرجات الجامعية يشوبها النقص العلمي، فالكمال في البحوث غير متوفّر حتى في أرقى الجامعات العالمية، غير أن الباحثين والأساتذة أنفسهم يتحرّجون من قول:" ننجز بحوثًا نقرأها نحن وتبقى في الرفوف، وهذا في حدّ ذاته مؤلمّ".

ما جدوى البحث إذن؟ سؤال ترد عليه عديد الكوادر، بالقول أن البحث العلمي يستثمر في رصيد التوصيات والتقارير التي ترفع لعديد أجهزة الوزارة وإدارات القطاعات وكلّ تخصّص وجب أن يحمل عمل الباحثين على محمل الجدّ.

في هذا المضمار قال أستاذ علم النفس عبد الكريم غديري في حديث إلى "الترا جزائر"، إن أغلب البحوث هي عبارة عن كومة من الورق مصفّفة أحسن تصفيف ومعبأة في الرفوف، تنتهي صلاحيتها يوم مناقشة الطالب الباحث عن طرحه الأكاديمي وإعطائه تقدير يجيز تسليمه الشهادة العليا.

وعبر لغديري في هذا الإطار عن امتنانه أن تستعمل هذه الرسائل العلمية لتوصيات في الوزارات وتتعامل معها في حلّ العديد من المشكلات العالقة في الجزائر، خصوصًا أمام التغيرات الحاصلة في المجتمع.

الهياكِل والمنجز

في هذا السياق، يرى منتسبون إلى قطاع التعليم العالي والجامعات والمراكز البحثية، أن هذا القطاع بات مجرّد أرقام سواءً تعلّق بالطلبة المنتسبين لمختلف الكليات والجامعات، والمؤسّسات الجديدة والتخصّصات التي فتحت هنا وهناك، وعدد المؤتمرات والندوات التي نظِّمت من قِبل المخابر البحثية، وعدد المجلات المُحكَّمة وقيمة الميزانية التي "صرفتها" الوزارة في التكوين والأجور.

هناك فرق شاسع بين صرف الموارد المالية واستثمارها، فالأولى تعني إنفاقًا ينتهي بـــ"هدر قيم مضافة"، أمّا الثّانية فتعني استغلال الأموال في تشكيل الكادر البشري وتكوينه وتدريبه ورسكلته إن تطلّب الأمر ذلك وهو ما يسمّى برأس المال البشري المثمِر أو المنتِج، إذ يمكن بعد ذلك الاعتماد عليه في إدارة المؤسّسات وبناء الدّولة الجزائرية.

وبدو أن الأستاذ عمار بوحوش، البروفيسور في العلوم السياسية بجامعة الجزائر، قد تمكّن من تشريح دقيق لوضعية الجامعات الجزائرية بعد نصف قرن من تجربته الشخصية في التدريس سواء في الجزائر أو خارجها، بأن "الحكومة تستثمر بقوة في بناء الهياكل التعليمية لكنها لا تبالي بالتحضير والاستثمار في الموارد البشرية".

هذا غيض من فيض، يضيف بوحوش،  فالعِلم في رأيه "بات محاطًا بشبكة من الأرقام في غالبية مداخلات المسؤولين على مستوى عديد الأقسام والكليات، فالإنجازات تحسب بالإحصائيات وليس بالمنجزات ومُخرجات المؤتمرات وتقييم البحوث العلمية التي تزخر بها المكتبات الجامعية سواء في مستوى الماجسيتر(الماستر) والدكتوراه".

ثمن الدّراسة

لا يختلف كثيرون عما ذهب إليه البروفيسور بوحوش، إذ باتت الجامعة الجزائرية تبحث عن اعتراف بحصد الأرقام والمراتب، بينما يرى كثرون من الأساتذة أن قيمة العلم باتت في الحضيض، هنا، يعلّق طالب الدكتوراه سنة ثالثة في علوم الإعلام الآلي، إلياس بوخطة من جامعة بومرداس قائلًا: "أن تدرس في الجزائر معناه أن تدفع الثمن ولا تبحث عن النهاية".

باتت الجامعة الجزائرية تبحث عن اعتراف بحصد الأرقام والمراتب

القيمة اليوم هي أن تدرس وتتبع الشغف ولا يهم استغلال البحوث بعد نيل الشهادة، هي عبارة ألمت بالكثيرين ممن فقدوا أمل التوظيف أو تلقي جزاء تعب السنوات، في المقابل اختار البعض وجهتهم خارج البلد، خصوصًا وأنّ مغريات العلم في العديد من الجامعات العالمية أكبر وما تقدمه بعض المخابر من متابعة وتعلم دوري يسيل لعاب طالبي العِلم.