16-أبريل-2019

الفنان هشام قاوة، الشهير بـ"الموسطاش" (فيسبوك)

لا تخلو مسيرات الجزائريين المتواصلة منذ قرابة شهرين، من روح الدعابة والنكتة، ومن لمسات إبداعية في الشعارات، إذ تلفت عدة لافتات الأنظار بمحتواها الساخر والمعبّر في ذات الوقت. 

جعل هشام قاوة الشهير بـ"الموسطاش"، من مطالب الحراك الشعبي مادة دسمة لصنع تصميمات مميّزة حاضرة في عدة مسيرات

بات الجزائريون يبدعون في خلق الشعارات وتصميم اللافتات، وكثيرًا ما تكون مواقع التواصل الاجتماعي منطلقًا لكل ذلك. ومن بين أبرز مصممي اللافتات والشعارات، الفنان هشام قاوة، المعروف بـ"الموسطاش".

اقرأ/ي أيضًا: المثقفون والفنانون الشباب.. روافد الحراك الشعبي في الجزائر

باتمان الموسطاش

جعل الموسطاش من مطالب الحراك الشعبي مادة دسمة لابتكار تصميمات مميّزة حاضرة في عدة مسيرات، ومن أبرزها لافتة الشخصية الخيالية الشهيرة "باتمان" وهو يصفع شقيق الرئيس السابق، وينطق شعار الحراك الشهير "تتنحاو قاع". في محاكاة لمشهد باتمان وهو يصفع "الجوكر".

اشتهر هشام قاوة قبل سنوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي كأشهر فناني مايسمى بالـ"بوب آرت" في الجزائر. هذا الصنف الفني الذي ظهر في بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، قبل أن يصل للولايات المتحدة الأمريكية، حيث اشتهر أكثر. 

وتعرف هذه الحركة الفنية باعتمادها على السخرية من الواقع باستعمال رموز الثقافة الشعبية في قالب فني جديد من ناحية التصميم. وهو ما ينتهجه هشام قاوة، الذي يحوّل عناصر الحياة اليومية، والشخصيات الشعبية، إلى تصميمات فنية، بحيث يستحضر ما يسكن المخيال الجمعي الجزائري من شخصيات فنية ورياضية وسياسية، لينسج بها رسمًا مقرونًا بحدث أو رأي، في قالب هزلي ذو فكرة مفهومة جدًا.

من الإنترنت ومقهى المادرو

ومن السهل أن تهتدي لمكان تواجد "الموسطاش" في مدينة بومرداس، فالكل سيرشدك مباشرة إلى "مقهى المادور"، حيث يقضي هشام غالبية وقته هناك، وهناك تقابلنا معه. 

هشام، هو مثل كثير من أبناء هذا الجيل، تشكّلت هويته المعرفية بمساهمة كبيرة من الفضاء الافتراضي. يقول لـ"الترا جزائر": "أنا عصامي، لم أتلق أي تكوين خاص في مجال الفنون الجميلة، مدرستي الوحيدة كانت عبر الفضاء الافتراضي، حيث تعلمت تدريجيًا تقنيات البوب آرت".

عمل فني للموسطاش بصندايق المشروبات الغازية في مقهى المادور

 وفي الفضاء الافتراضي أيضًا برزت أعمال الموسطاش، وبدأت في الانتشار: "الفضل في انتشار أعمالي يعود لمواقع التواصل الاجتماعي أولًا، ثم لمقهى المادور الذي يمتلكه أحد الأصدقاء". ووفر مقهى المادور في مدينة بومرداس، مكانًا للموسطاش، ليعرف بأعماله ويعرضها للبيع، حتى أصبح هو علمٌ على المقهى.

وردًا لجميل هذا المقهى، صار هشام يأخذ صناديق المشروبات الغازية الفارغة الموجودة في المقهى لتشكل جزءًا من ديكور عروضه في القاعات والأروقة.

الحراك الشعبي بألوان الـ"بوب آرت"

واكب "الموسطاش" الحراك الشعبي بطريقة خاصة جدًا، حيث يضع على صفحته على بفيسبوك، تصاميم جاهزة بمختلف الصيغ والدعائم، ليحمّلها متابعوه لتطبع على شكل لافتات أيام المسيرات. وهي فكرة استحسنها الكثيرون، حيث يرون في ذلك التجسيد المطلق لدور الفنان في مرافقة مطالب الشارع الذي ينتمي إليه. ويقول هشام إن شح الموارد المالية لديه، وعدم تمكنه من طبع أعماله وإيصالها للجميع، دفعه لتوفيرها مجانًا لمن يريد الحصول عليها.

يسترسل هشام في الحديث: "أنا أعيش بالفن، وليس لي مورد آخر. لكنني أردت المساهمة بشكل مباشر عبر ما أستطيع فعله في دعم الحراك الشعبي، لأنني أومن بأن الفن رديف للثورة وكلاهما يتنفس حين يحتضنه الشارع".

ولم يكن الحراك الشعبي فقط ما جعل هشام يرسم ويصمم لافتات ذات محتوى سياسي، بل هو معروف وسط الحركات الطلابية والعمالية وحتى السياسية في الجزائر، إذ رافق بأعماله مختلف تطورات البلاد في السنوات الأخيرة، خاصة السياسية منها في عهد الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة. ونادرًا ما تمر واقعة ما دون بروز عمل له يؤرخ لها بطريقة ساخرة.

وعرف "الموسطاش" باستخدام شخصية "مخلوف البومباردي" التي جسّدها الفنان القدير عثمان عريوات في فيلم "كرنفال في دشرة"، أحد أيقونات السينما والتلفزيون في الجزائر. يقول هشام: "أنا أركز على الجانب الشعبي في الشخصيات التي أستعملها، فالجزائريون يحنّون كثيرًا لبعض الشخصيات التي تركت مكانها نظيفًا رغم ابتعادها أو رحيلها". 

يستطرد: "أنا أرى تعلّق الجزائريين بعريوات وكذا الشاب حسني والرئيس الراحل محمد بوضياف وأعمر الزاهي والشيخ الهاشمي قروابي وآخرون، وأستنسخ تلك الشخصيات للحديث عن أحداث راهنة، وكأن تلك الشخصيات مازالت على قيد الحياة".

في ختام حديثه، قال هشام قاوة، الشهير بـ"الموسطاش"، عن الحراك الشعبي والهبة الكبيرة للفاعلين فيه: "لقد خرجت للشارع من أجل التظاهر عدّة مرات منذ قرابة 20 سنة، خرجت مع الأطباء والطلبة والعمال، وضد العهدة الرابعة لبوتفليقة وضد مشروع الغاز الصخري. لكن ما أعيشه الآن منقطع النظير، إنه أمر فريد ولن يتكرر، تلاحم شعبي هائل وقوة إبداعية وحضارية كانت مغيّبة تمامًا".

لا يعتبر الموسطاش أن أعماله المساهمة في الحراك، أُبدعت بانفصال عن الإبداع الذي ولّده الحراك نفسه 

لا يعتبر الموسطاش أن أعماله المساهمة في الحراك، أُبدعت بانفصال عن الإبداع الذي ولّده الحراك نفسه: "أنا أستلهم من هتافات الشباب وشعاراتهم، وأحاول أن أكون بمثابة الوجه الملوّن للحراك". 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

جداريات الغضب.. حاجز أمني يتحول منصةً لرسائل الحراك الشعبي

باعة الرايات والأعلام في مسيرات الحراك.. تجارة وسياسة