منذ بدء المسيرات والاحتجاجات في الجزائر، ارتبطت فصولها بالسّلمية في التظاهر ورفع الشعارات، كما أنها من جهة أخرى عرفت تفجر طاقات إبداعية، تجلت بأشكال مختلفة.
كتب الجزائريون رسائل قوية على حواجز الأمن المعدنية، تمهيدًا للجمعة الثامنة من عمر الحراك الشعبي
"وضعتم الحواجز الأمنية، لكننا نريدها سلمية"، هكذا كتبت السيدة مليكة بوزران على أحد الحواجز التي أقيمت في ساحة البريد المركزي بقلب العاصمة الجزائرية، لمنع تجمّعات المتظاهرين عشية يوم الجمعة الثامنة من عمر الحراك الشعبي في الجزائر.
اقرأ/ي أيضًا: تحولات الحراك الشعبي.. تصالح مع السياسة والفضاء العام
فاض الكيل
رسائل قوية كتبها المواطنون على تلك الحواجز. كتابات ستظل شاهدة على "زمن الرفض" موثقةً لحظات عدم القبول بـ"حكم الشيوخ"، كما كتبت سليمة، الطالبة في الحقوق والعلوم القانونية، والتي أبت إلا أن تقطع المسافة بين حي بوزريعة، وسط العاصمة الجزائرية، نحو ساحة البريد المركزي، مشيًا على الأقدام، على مسافة تزيد عن 10 كيلومترات، رفقة صديقتها في نفس الكلية.
قالت سليمة لـ"الترا جزائر": "أنا سعيدة في اقتسام هذه اللحظات الثّورية، إذ امتلأ كأس المرارة لدى الجزائريين، وفاض الكيل بآلامهم بعد صمت طويل، فمن منا لا يريد أن يشارك في صنع تاريخ الجمهورية الثانية"، مشددة: "نريد التغيير. سئمنا من نفس الوجوه والشيوخ الذين يحكموننا نحن كشباب".
رسالة أخرى كتبت على الحاجز بالفرنسية: "كيف تشعرون بنا وأنتم لا تعرفون للازدحام معنى؟ كيف تشعرون بنا وأنتم لا تنتظرون مدة طويلة لوصول دوركم في العلاج في مستشفى حكومي؟ ارحلوا". وواحدة أخرى عبر كاتبها عن سأمه من "اللاعدالة"، فكتب: "نريد العدالة. الجزائر غنية لكن شعبها فقير".
وغير ذلك عشرات الرسائل التي كتبت على الحاجز الأمني، من إبداعات المحتجين، تمهيدًا للجمعة الثامنة، وأول جمعة بعد تنصيب عبد القادر بن صالح رئيسًا مؤقتًا للبلاد، وهي الجمعة التي تقول تقديرات إنها ستكون الأكبر من بين جمع الحراك السابقة.
والعديد من هذه الرسائل المخطوطة على الحاجز الأمني المصنوع من الألمونيوم، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبارها كتابات إبداعية احتجاجية، تطالب بالمشروع، وتؤكد على السلمية.
حراك الطاقات الإبداعية
يقول الباحث في علم الاجتماع، يزيد هواري، لـ"الترا جزائر"، إن الحراك الشعبي "أفرز العديد من الطاقات الإبداعية الفكرية والتعبيرية لدى الشباب". يشير هواري إلى الحراك لاشعبي، باعتباره تجاوز كونه حراكًا لمطالب سياسية فقط، إلى أن بات حراكًا في العقل الجمعي: "المحتجون يفكرون عميقًا لخلق سبل مبتكرة ومبعدة في التعبير من أجل التغيير".
وأضاف هواري: "أسلوب تعامل الجزائريين مع النظام والسلطة السياسية، يخفي وراءه ثقافة جديدة تتكون لدى المواطنين من مختلف الفئات، فكلهم يركزون على السلمية في التظاهر لما يشعر به الجزائري من أهمية الأمن، ولما تركته الذاكرة الجريحة، وتراكمات مخلفات العشرية السوداء من جهة، ويطالبون بالإصلاح في شتى القطاعات من جهة أخرى، عبر مطالب العدل وفتح باب الحوار والفضاءات السياسية لنخبة جديدة وشابة".
تنوع الفعل الاحتجاجي في الجزائر، وتعددت مخارجه في قلب مسيرات الحراك الشعبي وعلى هوامشها. وإن كان المتظاهرون مدفوعين في بعض فترات الحراك بـ"أفق وردي"، بتعبير إحدى الطالبات الجامعيات، فإنه بعد تعيين بن صالح رئيسًا للبلاد، "تحولت العزائم إلى الاستمرار حتى رحيل كل رموز النظام السابق"، على قول نفس الطالبة.
تنوع الفعل الاحتجاجي في الجزائر، وتعدد مخارجه في قلب مسيرات الحراك الشعبي وعلى هوامشها
والآن، يحمل الحاجز الأمني المعدني تطلعات الجزائريين، وخططهم لما هو آتٍ في الحراك الذي لا يبدو أن ثمة نية لإخماده طوعًا، طالما أن ما باتت تسمى بـ"العصابة" في يدها مقاليد الأمر.
اقرأ/ي أيضًا:
باعة الرايات والأعلام في مسيرات الحراك.. تجارة وسياسة
بن صالح يحدد موعد الانتخابات.. والحراك يشكك في نوايا قايد صالح