كان تعديل الدّستور الموروث عن مرحلة الرّئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة الذّي عدّله بدوره مرّتين (2008 - 2016)، واحدًا من الوعود التّي قدّمها عبد المجيد تبّون، خلال حملته الانتخابيّة التّي قامت على شعار "الجزائر الجديدة". وما أن وصل إلى سدّة الحكم؛ نهاية عام 2019، حتّى شكّل لجنة لهذا الغرض.
لم يحدث في الجزائر أن بُرمجت انتخابات في يوم عطلة وطنيّة أو دينيّة
أثارت تشكيلة اللّجنة (17 عضوًا) وبعض تصريحات رئيسها الفقيه الدّستوريّ أحمد لعرابة جدلًا شعبيًّا واسعًا في البداية، ثمّ تجدّد هذا الجدل بعد الكشف عن مسودّة التّعديل الدّستوريّ؛ بما أعطى انطباعًا للرّئيس بإمكانية رفض الشّعب له في الانتخابات أو بمقاطعتها؛ فصرّح أنّه في حالة حصول ذلك، فإنّه سيتمّ الإبقاء على الدّستور الحالي.
كثرت التّخمينات بخصوص موعد الاستفتاء على التّعديل الدّستوريّ؛ لكن لا أحد توقّع أن يكون يوم الفاتح من شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم، كما تمّ الإعلان عنه في بيان مقتضب لرئاسة الجمهوريّة، إثر استقبال الرّئيس تبّون لمحمّد شرفي رئيس الهيئة المستقلّة لمراقبة الانتخابات.
ويعود غياب هذا اليوم، عن تخمينات الجزائريّين إلى كونه يمثل عطلة مدفوعة الأجر بحكم كونه اليوم الذّي انطلقت فيه ثورة التّحرير من عام 1954؛ ولم يحدث في الجزائر أن بُرمجت انتخابات في يوم عطلة وطنيّة أو دينيّة. فهل أراد الرّئيس تبّون استغلال رمزيّة هذا اليوم التّاريخيّ؟
يقول المسرحيّ والنّاشط الثّقافيّ ماسينيسا قبايلي، إنّ أكثر العبارات تردّدًا على لسان الرّئيس عبد المجيد تبّون منذ تولّيه الرّئاسة، قبل تسعة أشهر، هي "الجزائر الجديدة"؛ "فهل تجاوز استغلال الرّموز الدّينيّة والوطنيّة؛ مثلما كان يحصل في عهد الرّئيس بوتفليقة؛ حتى نستطيع القول إنّنا دخلنا فعلًا عهدًا جديدًا؟".
يشرح محدّث "الترا جزائر" فكرته بالقول: "لقد برمج الرّئيس افتتاح المسجد الأعظم بما له من رمزيّة دينيّة يوم الفاتح من تشرين الثاني/نوفمبر القادم، وبرمج الاستفتاء على التّعديل الدّستوريّ في اليوم نفسه بما له من رمزيّة وطنيّة. وإذا لم تكن هذه القرارات متاجرةً بالانتماءين الدّينيّ والوطنيّ للجزائريّين فما تكون؟".
إنّ افتتاح المسجد الأعظم وذكرى اندلاع ثورة التّحرير؛ يقول ماسينيسا قبايلي؛ حدثان مهمّان. وكان على الرّئيس أن يمنحهما مضمونًا حضاريًّا خاصًّا بمعزل عن أيّة شحنة سياسيّة لأنّهما يعنيان جميع الجزائريّين؛ أمّا ببرمجة الاستفتاء فيهما؛ فسوف يُميَّعان ويصبحان وعاءً سياسيًّا لا وعاءً وطنيًّا وحضاريًّا".
ويختم قبايلي بالتّساؤل: "لماذا لم يبرمج السّيّد تبّون الاستفتاء على الدّستور في الذّكرى الأولى لانتخابه؟ ألم يُقدّم على أنّه يوم من الأيّام المشهودة للجزائر؟".
وبنبرة ساخرة تشير إلى الاستغلال السّياسيّ ليوم الاستفتاء على التّعديل الدّستوريّ تخيّل الإعلاميّ مهدي برّاشد مقطعًا من نشرة السّاعة الثّامنة؛ وهي النّشرة الرّئيسيّة للتّلفزة الوطنيّة ليوم الأحد الفاتح نوفمبر 2020: "ومثلما هبّ الشّعب الجزائريّ هبّة رجل واحد وحمل السّلاح في وجه المستعمر الفرنسيّ في الفاتح نوفمبر 1954، من أجل جزائر مستقلّة، هبّ الشّعب الجزائريّ عن بكرة أبيه صباح اليوم هبّة رجل واحد وتسابق إلى صناديق الاستفتاء، وقال: "نعم لدستور جديد لبناء جزائر جديدة. وأعطى صفعة جديدة لمثيري الفتنة وضرب استقرار البلاد".
وفي تدوينة سابقة للصّحفيّ نفسه نقرأ: "لا يوجد من تفسير لاختيار رئيس الجمهوريّة يوم الفاتح نوفمبر لاستفتاء الجزائريّين في مشروع تعديل الدّستور، سوى رغبته استغلال تاريخ الثّورة التّحريريّة في شحن عاطفة الجزائريّين وإقناعهم بالمشروع المقترح من خلال جعل نصّ الدّستور المقترح، بمثابة ثورة جديدة متلازمة وذكرى ثورة التّحرير، بل وتمتصّ شرعيتها ومصداقيتها منها".
أمّا الصّحفيّ إدير دحماني، فقد طالب صراحةً في تدوينة له بالفصل بين المواعيد التّاريخيّة والسّياسيّة. يقول: "الاستفتاء حول الدستور في الفاتح من نوفمبر. نطالب بفصل التّاريخ عن السّياسة".
ولم يخلُ قرار مؤسّسة الرّئاسة بتحديد عيد الثّورة موعدًا للاستفتاء على التّعديل الدّستوريّ من أنصار ثمّنوه. من ذلك ما كتبه الأستاذ الجامعيّ علاء الدّين قليل: "الشّعب الجزائريّ على موعد مهمّ في الفاتح من نوفمبر 2020، للاستفتاء على مشروع الدّستور القادم (دستور أوّل نوفمبر)، بعد قرب الانتهاء من الصّياغة النّهائيّة للوثيقة الدّستوريّة".
وكتب المهندس نور الدّين عطواط: "1 نوفمبر 1954 اندلاع الثّورة من أجل تحرير الشّعب من المستعمر. 1 نوفمبر 2020 استفتاء تعديل الدّستور من أجل تحرير الشّعب من العصابة. كونوا أهلًا لها من أجل التّحرّر من العصابة".
يبدو أنّ موعد الاستفتاء على الدّستور سوف لن يختلف عن موعد الانتخابات الرّئاسيّة السّابقة
ويبدو أنّ موعد الاستفتاء على الدّستور سوف لن يختلف عن موعد الانتخابات الرّئاسيّة السّابقة؛ من حيث انقسام الجزائريّين على مصداقيته وجدواه، بما يضع الرّئيس عبد المجيد تبّون أمام تحدّيات جديدة، في ظلّ مشاكل اجتماعيّة واقتصاديّة جعلت طاقمه الحكوميّ في حالات تخبّط باتت تثير تذمّرًا شعبيًّا مكبوتًا يُتوقّع أن يظهر إلى العلن، بعد رفع الحجر الصّحيّ نهائيًّا.