02-نوفمبر-2023
عبد المجيد تبون، إيمانويل ماكرون (الصورة: أ.ف.ب)

عبد المجيد تبون، إيمانويل ماكرون (الصورة: أ.ف.ب)

تلقى الرئيس عبد المجيد تبون، مؤخرًا، رسالة من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون يدعوه فيها لزيارة باريس، في إشارة جديدة على خمود التوتر الذي ميّز العلاقات بين البلدين الصيف الماضي، بالنظر إلى أن هذا الرسالة تُضاف لسلسلة لقاءات جمعت بين مسؤولي البلدين، وهو ما قد ينعش إمكانية قيام تبون بزيارة الدولة المؤجلة إلى باريس منذ الصيف الماضي.

المحلل السياسي نبيل كحلوش لـ"الترا جزائر": من المصلحة الإستراتيجية للبلدين إعادة صياغة العلاقات الثنائية بما يتوافق والمصالح الوطنية لكل طرف

وتمرُّ العلاقات الجزائرية الفرنسية، التي ظلت على الدوام في مستوى صعود ونزول، بأصعب أحوالها في السنوات الأخيرة، بسبب عدم معالجة ملف الماضي الاستعماري الفرنسي في الجزائر جرّاء رفض باريس الاعتراف والاعتذار عن جرائمها البشعة في مستعمرتها السابقة، وكذا بسبب مطالبة الجزائر بعلاقات ندية تتجاوز النظرة الفوقية التي اعتاد الإليزيه النظر بها إلى القارة الأفريقية.

رسالة ماكرون

قبل أيام، استقبل الرئيس تبون السفير الفرنسي الجديد ستيفان روماتي  بقصر المرادية للمرة الثانية من تعيينه هنا في الجزائر، والذي نقل لها رسالة من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفق ما ذكرت الرئاسة الجزائرية على موقعها الرسمي دون أن تذكر تفاصيل هذه الرسالة.

لكن إذاعة " أوروبا 1" الفرنسية أشارت إلى أن الرسالة التي تسلمها تبون تتعلق بـ"دعوة رسمية موجهة إليه من أجل زيارة فرنسا."

وكان الرئيس تبون قد استقبل ستيفان روماتي في أيلول/سبتمبر الماضي خلال تقديم أوراق اعتماده، ليخلف السفير السابق فرانسوا غوييت الذي لم تكن عهدته ناجحة في الجزائر، حيث غادر البلاد دون أن يحظى بمراسم استقبال الوداع الذي يدخل ضمن البروتوكول الرئاسي الذي تخصّ به الجزائر السفراء عند انتهاء مهامهم بها.

وقال روماتي للصحافة إنه سلّم "رسالة شخصية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرئيس تبون"، معتبرا أنه استهل مهمته في الجزائر "بأجندة إيجابية". وأعرب السفير الفرنسي عن “تحمسه الشديد” لهذه المهمة في بلد وصفه “بالمضياف جدًا والقريب من فرنسا".

وأضاف: "لقد أعلمت الرئيس تبون بالموقف الذي تتبناه فرنسا في علاقتها مع الجزائر، لأن الأمر  يخص علاقة ذات كثافة متميزة تجعل فرنسا والجزائر مع بعضهما البعض بحكم التاريخ والجغرافيا”.

واعتبر السفير الفرنسي أن المستقبل يفرض على البلدين العمل المشترك أيضًا، وهو العمل الذي يواجه عدة صعاب في السنوات الأخيرة، بداية من فشل السفراء الفرنسيين في حد ذاتهم بمهامهم في الجزائر وفي تهدئة العلاقات بين البلدين.

لكن يظهر من تصريح السفير أن باريس تريد طي الخلاف الحالي مع الجزائر، ودفع التعاون بين الجانبين إلى مستوى أفضل.

اجتماعات..

ولا يعدُّ استقبال الرئيس تبون للسفير الفرنسي اللقاء العلني الوحيد في العلاقات بين الطرفين، فقد استقبله رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل الأسبوع الماضي.

وفي أيلول/سبتمبر الماضي أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية أن الوزير أحمد عطاف التقى نظيرته الفرنسية كاترين كولونا على هامش مشاركته في أشغال الشق الوزاري للدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبحث الوزيران واقع العلاقات الثنائية التي تجمع الجزائر وفرنسا، وتبادل وجهات النظر حول أبرز المواضيع المدرجة على جدول أعمال الجمعية العامة ومجلس الأمن.

وتم التطرق في هذا اللقاء بصفة خاصة إلى تدهور الأوضاع في منطقة الساحل وإلى الجهود التي تبذلها الجزائر لبلورة وتفعيل حلول سلمية للأزمات التي تهدد الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، لا سيما في كل من النيجر ومالي وليبيا، إلى جانب المقاربة التنموية التي تسعى الجزائر لترقيتها وحشد الدعم اللازم لها ضمن توجه يضمن معالجة مستدامة للتحديات المتزايدة التي تواجهها دول وشعوب هذا الفضاء الجغرافي.

وتختلف وجهات الجزائر وفرنسا، بشأن الوضع في الساحل، في مقدمتها النيجر التي ترفض الجزائر أن يكون حل الأزمة الحالية سلميا، فيما لم تتردد باريس في الإعلان عن دعمها لأي تدخل عسكري لإعادة السلطة للرئيس السابق محمد بازوم، على عكس الجزائر التي تنادي بالعودة للوضع الدستوري الذي يختاره النيجريون أنفسهم، أي ليس بالضرورة عودة بازوم للسلطة.

ويعدُّ هذا اللقاء أول اجتماع رسمي في هذا المستوى يتم الإعلان عنه، ففي 6 أيلول/سبتمبر الجاري، لم يتم الإعلان من الطرفين عن زيارة المبعوث الفرنسي الخاص المكلف بالساحل كريستوف بيجو إلى الجزائر، حيث تم الاكتفاء بما صرحه المسؤول الفرنسي لعدد من الصحفيين، حيث أشار إلى إجراء لقاءات مع مسؤولين في الخارجية الجزائرية حول آخر التطورات في نيامي.

وإذا كان ملف النيجر يشكل أولوية للبلدين في الوقت الحالي بالنظر لانعكاساته المباشرة بينهما، إلا أن البلدين يسعيان لتجاوز الخلافات التي حدثت بينهما في الفترة الماضية، حيث ترأّس الأمين العام لوزارة الخارجية والجالية الجزائرية بالخارج لوناس مقرمان  قبل أيام بباريس، أشغال الدورة العاشرة للمشاورات السياسية الجزائرية الفرنسية، مناصفة مع نظيرته الفرنسية آن ماري ديكوت، الأمينة العامة لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية.

وحسب بيان للخارجية الجزائرية، فقد سمحت هذه الدورة للطرفين بإجراء تقييم مرحلي استعدادًا للاستحقاقات الثنائية المرتقبة، مع التركيز على الملفات ذات الأولوية في مجال التعاون الثنائي.

ولم يشر بيان الخارجية لطبيعة الاستحقاقات الثنائية المقبلة، لكن من المؤكد أن زيارة تبون إلى فرنسا تدخل ضمن هذه الأجندات، إضافة إلى  اجتماع الدورة السادسة للجنة الحكومية المشتركة الجزائرية الفرنسية رفيعة المستوى التي ستلتئم هذه المرة في باريس، بما أن الدورة الخامسة عقدت في أكتوبر تشرين الأول الماضي بالجزائر، والتي يترأسها رئيسا حكومتا البلدين.

وفي الاقتصاد، أعلنت شركة سوناطراك النفطية الجزائرية الحكومية عن توقيع عقد مع توتال إينرجيه الفرنسية عقدًا بصيغة هندسة - إمداد -بناء متعلقا بتمديد شبكة التجميع TFT II، وذلك  لربط وتشغيل 11 بئرا جديدة بمركز المعالجة المتواجد على مستوى حقل الغاز تي أف تي الواقع بحوض إليزي على بعد حوالي 400 كلم جنوب شرق حاسي مسعود، جنوبي شرق البلاد، بقيمة مالية تصل إلى 8 مليارات دينار جزائري.

وليست هذه الصفقة الأولى لتوتال في الجزائر في الفترة الماضية، فقد وقعت في يوليو تموز الماضي عقدًا مع سوناطراك، لتطوير حقلين غازيين جنوب شرقي البلاد، بقيمة إجمالية 739 مليون دولار.

وقال المحلل السياسي نبيل كحلوش لـ"الترا جزائر" إن "استئناف الاجتماعات يأتي في سياق إقليمي وآخر دولي جديد،  فإقليميا شهدت دول الساحل أزمة معقدة تتمثل في انقلاب النيجر وهذا ما جعل من فرنسا تلوح بالتدخل العسكري رفقة أتباعها من دول الإكواس، فالجزائر بحكم مجاورتها للنيجر بحدود تناهز 950 كلم فإنها مضطرة للتعامل مع الوضع مع مختلف الشركاء الإقليميين".

وأضاف كحلوش أن "الدولتين هما الأكبر في إقليمهما ومتقابلتين من حيث ضفتي المتوسط ولذلك فمن مصلحتهما الإستراتيجية إعادة صياغة العلاقات الثنائية بما يتوافق والسلوك العقلاني والمصالح الوطنية لكل طرف".

خلافات

وتحاول هذه الاجتماعات تجاوز الخلافات الكبيرة بين البلدين التي أصبحت في الفترة الأخيرة تظهر علنا، وأبرزها تأجيل زيارة الرئيس تبون التي كانت مقررة في يونيو حزيران الماضي، بالنظر إلى عدم رضا الطرف الجزائري على أجندة الزيارة، وطريقة تنفيذها.

وقال تبون في مقابلة تلفزيونية مع الصحافة المحلية إن زيارته إلى باريس ما تزال قائمة، مضيفًا: "ننتظر برنامج الزيارة إلى فرنسا من قبل الرئاسة الفرنسية".

وبيّن تبون أن الزيارة لها متطلباتها وليست زيارة سياحية، مؤكدًا أن "زيارته للخارج تكون بهدف تحقيق نتائج وهو ما حدث في زياراته إلى كل من إيطاليا، الصين، روسيا وحتى البرتغال".

وانتقدت الأوساط الفرنسية في حزيران/جوان تفضيل تبون زيارة روسيا والصين بدل باريس، وبالخصوص من أحزاب اليمين التي تنتقد في كل مرة أي تقارب يريده الرئيس إيمانويل ماكرون مع الجزائر.

وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا ردا على سؤال في منتصف يونيو لتلفزيون "إل سي آي" عن زيارة تبون إلى باريس "نحن نعمل على مواعيد"، لكنها "ليست ثابتة".

وسبق لتقارير إعلامية أن رجحت أن يكون الخريف الحالي الموعد الجديد للزيارة المرتقبة للرئيس تبون إلى باريس، إلا أن كثرة الملفات الشائكة بين البلدين تجعل أي تنبؤ بموعد الزيارة  غير قابل للتصديق الكلي، فقد شكل الخلاف الأخير بين البلدين حول النيجر تبادلا في الاتهامات، إذ أكدت الجزائر أنها تلقت طلبا فرنسيا للسماح لطائراتها بعبور الاجواء الجزائرية للقيام بتدخل عسكري في النيجر، إلا أن باريس نفت أن تكون قد طلبت ذلك.

ويمتد هذا الخلاف حتى للجانب الاقتصادي، فرغم ارتفاع صادرات الجزائر من الغاز إلى فرنسا هذا العام بنسبة 92.1%، وهو ما يمثل قرابة نصف ما اشترته فرنسا من الغاز من الخارج، إلا أن بعض القطاعات ما تزال تشهد توترا بين الجانبين، وفي مقدمتها قطاع الصناعة.

وقال وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني الجزائري علي عون إن العلامات الفرنسية للسيارات الفرنسية  عليها الانتظار للعودة للاشتغال في الجزائر، وذلك بالرغم من وجود مصنع لشركة رينو في مدينة وهران غربي الجزائر.

وكان عون قد انتقد أيضا محاولة  اللوبي الفرنسي السيطرة على سوق الدواء في الجزائر، وذلك بالسعي لاحتكار مخدر أسنان فرنسي لهذا القطاع في البلاد، إضافة إلى أنه توعّد بمراجعة برنامج استيراد أنسولين شركة "سانوفي" إذا لم يلتزم المخبر الفرنسي الشهير على المدى المتوسط بإنتاج دواء مرضى السكري في الجزائر.

وإضافة إلى هذه المشاكل، يظل ملف الذاكرة الأبرز في عدم تطوير العلاقات بين البلدين، خاصة ما تعلق باعتذار فرنسا عن جرائمها في الجزائر واعتذارها عنها، إضافة إلى ملف الأرشيف والتجارب النووية الفرنسية بالجزائر وجماجم المقاومين الجزائريين الموجودة في متاحف فرنسية.

ويرى خبير الدراسات الإستراتيجية نبيل كحلوش أن تجاوز الخلافات بين الطرفين يتطلب استجابة باريس لانشغالات الطرف الجزائري الذي يطالب "بعدة نقاط ،أهمها الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وتسهيل تأشيرة التنقل للجزائريين وتفادي التصعيد الأمني في دول الجوار، وبالأخص في الساحل وغيرها من النقاط التي ترى الجزائر محوريتها في العلاقات البينية".

وبالنسبة للطرف الجزائري، فإن ما يُعيق زيارة تبون إلى باريس هو وجود جناح في صناعة القرار الفرنسي يرفض إقامة علاقة ندية بين البلدين، ويحن لماضٍ تجاوزه الزمن، لذلك يستعمل كل الطرق لمنع أي تعزيز لعلاقات البلدين، وذلك بتسخير أحزاب ووسائل إعلام لانتقاد الجزائر.

وإذا كانت الظروف الدولية والإقليمية تشير إلى ضرورة تعزيز الشراكة بين الجزائر وفرنسا في عالم يتغير ويتحول في كل دقيقة، فإن تحقيق ذلك يبقى مرتبطا بالدرجة الأولى باستعداد باريس لمصارحة نفسها بماضيها المخزي في الجزائر ونيتها في إقامة تعاون استراتيجي مبني على مبدأ رابح – رابح، لأن الوضع في جنوب المتوسط يتغير ولها في منطقة الساحل الأفريقي خير عبرة.