20-فبراير-2023
عبد المجيد تبون، إيمانويل ماكرون (الصورة: أ.ف.ب)

عبد المجيد تبون، إيمانويل ماكرون (الصورة: أ.ف.ب)

لا يزال مسلسل العلاقات الجزائرية الفرنسية يكشف في كل مرة عن فصل جديد من الخلافات والصقيع؛ فالتقارب بين الطرفين بعد توقيع اتفاق الجزائر شهر أوت/ آب 2022، لم يدم طويلًا لتعود الأمور ودون سابق إنذار إلى النقطة صفر في شهر شباط/فيفري الجاري.

يُجمع مراقبون على أن تحسن الوضع وتطبيع العلاقات بشكل ٍأحسن بين الجزائر وفرنسا لن يكون في القريب العاجل

لم تمض 160 يومًا هذه المرة، حتى طفت حالة التشنج إلى السطح مجددًا، حيث أن حادثة ترحيل الناشطة أميرة بوراوي من تونس إلى فرنسا، هدمت ما بنته زيارة ماكرون إلى الجزائر لمدة ثلاثة أيام، لتعقب ذلك توقّعات بإلغاء زيارة الرئيس تبون إلى باريس المنتظرة شهر أيار/ماي المقبل.

وسط كل هذه الأحداث، يُرتقب أن تشهد الشراكة الاقتصادية الجزائرية الفرنسية "فرملة" خلال الأسابيع المقبلة؛ فلا حصرية في السوق ولا صفقات جديدة إضافة إلى تنبؤات بتوجه الجزائر إلى تقليص غير معلن للاستيراد من فرنسا، وميولات ضمنية لشركاء آخرين في الاتحاد الأوروبي أكثر وفاءً وأشد التزامًا بتعهداتهم، يتقدمهم الإيطاليون، حيث لا يختلف اثنان على أن الودّ السياسي والمصلحة الاقتصادية وجهان لعملة واحدة، ولا يُمكن الفصل بينهما مهما حدث.

إلى هنا، يُجمع مراقبون على أن تحسن الوضع وتطبيع العلاقات بشكل ٍأحسن بين الجزائر وفرنسا لن يكون في القريب العاجل، وحتى وإن تحقق، فالأمر سيفرض التزام الطرف الفرنسي بشروط صارمة، أهمّها القبول بأن تكون هذه العلاقات مبنية على "مبدأ الندية والاحترام المتبادل بين الطرفين وعدم التدخل في خصوصيات الآخر"، ملثما يتكرر في خطابات الرئيس السابقة.

كرونولوجيا الأحداث

في هذا السياق، يقول المحلل السياسي إدريس عطية في تصريح لـ "الترا جزائر" إنه منذ الاستقلال سنة 1962، مرت العلاقات الجزائرية الفرنسية بمراحل مد وجزر، عرفت خلالها الدولتان فترات تقارب ودفءًا وأوقات أخرى باردة، لكن هذه العلاقات شهدت خلال 60 سنة الماضية تشنجًا كبيرًا، على حد تعبيره.

وكان أول صدام دبلوماسي، منذ اعتلاء رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون كرسي المرادية شهر ديسمبر/ كانون الأول 2019، عند دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ضرورة فتح حوار شامل في الجزائر، الأمر الذي ردّ عليه تبون حينها بالقول إن "ماكرون رئيس فرنسا وليس الجزائر وحدوده تنتهي هناك".

وبدأت العلاقات بعد ذلك تشهد برودًا بين الطرفين، إلا أن لقاء الرئيسين ببرلين على هامش ندوة خاصة حول ليبيا شهر جانفي/ كانون الثاني 2020 أذاب الجليد بينهما، تلتها اتصالات هاتفية بين الطرفين لتلطيف الأجواء خاصة بعد ما لمس الرئيس تبون رغبة ماكرون في تحسين العلاقات.

لكن هذه الاتصالات الودية، يقول إدريس عطية، لم تمنع فرنسا من ارتكاب هفوات جديدة، ففي شهر أيار/ماي 2021، تم استدعاء السفير الفرنسي فرانسوا غوييت احتجاجًا على بث تلفزيون عمومي فرنسي لشريط مسيء للشعب الجزائري والمؤسّسات الوطنية، وبعدها شكّك ماكرون مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2021 في وجود أمة جزائرية خلال لقائه مجموعة من الطلبة من الأصول الأفريقية، وقبلها في أواخر سبتمبر/ أيلول 2021، استدعت الجزائر السفير الفرنسي فرانسوا غوييت احتجاجًا على قرار تقليص منح التأشيرة للجزائريين.

ويضيف المتحدث: "واصلت فرنسا سلوكها العدواني عبر تصريحات مثيرة للجدل، تبعث الشك حول رغبة باريس في فتح صفحة جديدة"، وأردف قائلًا: "استمرت هذه التحرّشات، لتصل إلى محاولة تهريب مواطنة جزائرية إلى الخارج وهي إشارة خطيرة، مفادها أن فرنسا تحمي (عملاءها) في كل ربوع العالم".

ويأتي ذلك، في وقت تبحث الجزائر عن فتح ملف الذاكرة مع فرنسا بنوع من الجدية والشفافية، إلا أن الفرنسيين يسعون بكل الطرق لغلق هذا الملف، مقابل إبداء بعض الود ترجمته الاتصالات التي جمعت كل من الرئيس تبون ونظيره ماكرون وكذلك زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر شهر أوت/ آب 2022، والتي اختتمت بتوقيع اتفاق الجزائر.

وكانت الأزمة الفرنسية الجزائر، قد انطلقت في تشرين الأول/أكتوبر 2021 بسبب تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وصف فيها النظام الجزائري بالعسكري وشكك في وجود أمة جزائرية قبل وصول الاستعمار الفرنسي.

على إثر هذه التصريحات، سحبت الجزائر سفيرها بباريس، وحظرت الطائرات الفرنسية العسكرية من التحليق على الأراضي الجزائرية نحو مالي، وانقطعت الاتصالات بين البلدين لعدة أشهر، وفي ردها، وصفت الرئاسة الجزائرية، خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالتدخّل غير المقبول في الشؤون الداخلية للبلاد، حيث وصفت الخارجية الجزائرية في ردها على ماكرون، تصريحات الرئيس الفرنسي باللمسؤولة ومحاولة التدخل في شؤون البلاد.

وأنهت زيارة ماكرون إلى الجزائر في أواخر شهر آب/أوت الماضي، الأزمة الدبلوماسية مع الجزائر، حيث نتج عن الزيارة توقيع اتفاقيات اقتصادية واستراتيجة، أعلقبها وافد الإيليزيه، بتصريحات مفادها تدعو إلى عدم التقيد بالماضي وبناءمستقبل مشترك بين البلدين.

نقاط ظل 

من جهته، يتحدث المحلل السياسي علي ربيج عن ستة نقاط ظل تلغم العلاقات الجزائرية الفرنسية، يتقدّمها صوت الجزائر ومواقفها المسموعة منذ انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون، وهو الأمر الذي يزعج فرنساويجعلها مهددة بفقدان البوصلة بالمنطقة، حيث لن تكون صاحبة كلمة الفصل مستقبلًا في أمور تعني الجزائريين، وهو الامتياز غير المبرر الذي كانت تحظى به سابقًا.

كما أن أحد الألغام التي تثير مخاوف قصر الإليزيه بباريس، هي المقاربة الجديدة التي تبنتها الجزائر بإقرارها سياسة تنويع الشركاء الاقتصاديين، ما بات يقلق فرنسا، ويجعل مصالحها بالمنطقة مهدّدة، بعدما كانت الشريك التجاري الأوّل للجزائر وصاحب الحصرية في الصفقات المربحة.

ويؤكد ربيج في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن قرار الجزائر باستخلاف اللغة الفرنسية بالإنجليزية، وتوسيع التواجد التركي في الجزائر هما نقطتان تثيران غضب بعض التيارات في فرنسا، إذ أن هؤلاء لم يستطيعوا الخروج إلى اليوم من عباءة المستعمر الذي يملك الحصرية والأولوية في كل ما هو جزائري.

ويأتي ذلك في وقت تستغل باريس الخلافات الراهنة مع الجزائر، يضيف المحلل السياسي، لتفادي فتح ملفات حساسة مثل الذاكرة والاعتذار وتجريم الاستعمار، وهي النقاط التي ترفض السلطات الفرنسية منح تنازلات بشأنها، أو تحمل مسؤولية ماضيها الاستعماري.

وبشأن زيارة الرئيس تبون إلى فرنسا شهر ماي/ أيار المقبل، فترتبط هذه الأخيرة يؤكّد ربيج، بما ستقدمه فرنسا من شروحات وتبريرات حول حادثة ترحيل الجزائرية أميرة بوراي، إذ لا يمكن الجزم بأن هذه الزيارة ملغاة بشكل نهائي، إلا أن الأمور تبقى بحاجة إلى توضيحات من الطرف الفرنسي.

شروط العودة

ويؤكد عضو المرصد الوطني للمجتمع المدني، المكلف بالجالية الجزائرية بالخارج باديس خنيسة، في إفادة لـ "الترا جزائر"، أن عودة العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى سابق عهدها، أي إلى ما قبل حادثة بوراوي، مرهون بالدرجة الأولى بسعي الجانب الفرنسي إلى تصحيح أخطائه والتزامه باحترام السيادة الجزائرية، والابتعاد عن الانتهاكات.

ويقول خنيسة إن الرئيس الفرنسي إيمانوال ماكرون يدرك تمامًا فضاعة وخطورة التجاوزات المرتكبة مؤخرا من الطرف الفرنسي، وملزم اليوم بإعطاء توجه شفاف وبناءً لخدمة ما اتفقت عليه الدولتان تجاريًا واقتصاديًا وحتى من حيث الصفقات، مضيفًا: "نحن نعلم أن للجزائر وفرنسا تاريخ مشترك ومستقبل واحد، حيث أن الجالية الجزائرية هناك التي تفوق خمسة ملايين شخص تظلّ همزة وصل بين الطرفين، تضاف إلى الفرص التجارية والاقتصادية الكبرى المتاحة للجزائريين والفرنسيين".

عضو المرصد الوطني للمجتمع المدني: عودة العلاقات الجزائرية الفرنسية مرهون بسعي الجانب الفرنسي إلى تصحيح أخطائه والتزامه باحترام السيادة الجزائرية

ويشدد خنيسة على أن الطرف الفرنسي ملزم بالمسارعة إلى تصحيح أخطائه، لحماية العلاقات بين الدولتين وتفادي هذه الانتهاكات التي تمس بالسيادة والأعراف والمبادئ في العلاقات الدولية.ويختم خنيسة حديثه أن"على ماكرون تسيير بيته بطريقة صحيحة وأسس سليمة بعيدًا عن التدخل في كل ما هو جزائري".