17-يناير-2023
(الصورة: Getty)

إيمانويل ماكرون، عبد المجيد تبون (الصورة: أ.ف.ب/Getty)

تعمل الجزائر وفرنسا على تعزيز علاقاتهما الدبلوماسية والاقتصادية مع حلول السنة الجديدة، بعد  أن عاشت عدة هزات العام الماضي، ستترجم بزيارة مرتقبة للرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس في الأشهر القادمة، لذلك يتوجب على الطرفين إيجاد حلول مناسبة لتفكيك الملفات العالقة، على رأسهم ملف الذاكرة وجرائم الاستعمار.

التحق جوزي غونزاليس بالمجال السياسي في سبعينيات القرن الماضي من باب الجبهة الوطنية وزعيمها التاريخي جون ماري لوبان

في مقابل ذلك، يرى متابعون أن أساليب الضغط والمساومة بين البلدين لا تنفك أن تعود إلى الواجهة من جديد، ويرتقب هؤلاء تصريحات قد تصدر عن النائب عن قائمة التجمع الوطني اليميني المتطرف جوزي غونزاليس، الذي انضم مؤخرًا إلى قائمة نواب رئاسة لجنة الصداقة البرلمانية الجزائرية الفرنسية، والذي ينكر ارتكاب بلاده جرائم خلال فترة احتلالها الجزائر.

وما يزيد من مخاوف تأثير وجود هذا النائب ضمن المجموعة البرلمانية للصداقة بين البلدين، هو التصريحات التي تصدر بين الفينة والأخرى، من قبل مسؤولين وسياسيين فرنسيين سابقين وحاليين قد تعيد التوتر للعلاقات الحساسة التي تجمع بين البلدين، والتي يصعب التكهن بمستقبلها رغم التطور والهدوء الذي ميزها في الأشهر القليلة الماضية.

الأقدام السوداء

لم يتوقع أحد من النواب الجزائريين لدى تنصيب المجموعة البرلمانية للصداقة الجزائرية الفرنسية في 27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي أن يكون ضمنها أحدًا من الأقدام السوداء الذين مايزالون يحنون لـفكرة "الجزائر فرنسية"، وهو جوزي غونزاليس المولود في 28 نيسان/أفريل 1942 بمدينة وهران غرب الجزائر، لذلك كان انضمامه إلى اليمن المتطرف في فرنسا ليس بالأمر المفاجئ أو غير المتوقع.

التحق جوزي غونزاليس بالمجال السياسي في سبعينيات القرن الماضي من باب الجبهة الوطنية وزعيمها التاريخي جون ماري لوبان، وواصل هذا الخطاب المتشدد، وبالخصوص لما يتعلق الأمر بالجزائر مع نجلته مارين لوبان التي جعلته اليوم يلقب بعميد البرلمانيين الفرنسيين لانتخابه في الانتخابات التشريعية الماضية عن حزب التجمع الوطني اليميني.

ولم يظهر جوزي بعد تعيينه عضوًا في المجموعة البرلمانية للصداقة الجزائرية  الفرنسية نية للتراجع عن مواقفه السابقة، حيث قال في تغريدة على تويتر "لي الشرف الكبير أن أعلن عن تعييني نائبًا لرئيس مجموعة الصداقة الجزائرية الفرنسية من قبل مكتب الجمعية الوطنية، إن هذا التعيين هو رمز لاهتمامي الخاص للعلاقات الجزائرية الفرنسية”.

وقال نائب رئيس المجموعة البرلمانية للصداقة الجزائرية الفرنسية بالمجلس الشعبي الوطني توفيق خديم لـ"الترا جزائر" إنه من الواضح بأن غونزاليس متمسك بمواقفه الاستعمارية السابقة، ولا ينوي تغييرها، لكن الأيام القادمة هي الكفيلة بإظهار إلى أي مدى سيذهب بموقفه من منبر المنصب البرلماني الذي تولاه.

وكان غونزاليس قد خصص الجزء  الأكبر من كلمته لدى ترؤسه للجلسة الأولى للجمعية الوطنية الفرنسية نهاية حزيران/جوان 2022، باعتباره أكبر الأعضاء سنًا في البرلمان الجديد بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة في فرنسا. للحديث عن حنينه للجزائر التي ولد فيها، وإبراز ما يزعم أنه "ظلم طال الأقدام السوداء ".

ولما سألته الصحافة حول ما جاء في كلمته حول موقفه من استقلال الجزائر،  أجاب: "تعالوا إلى الجزائر، إلى الجبل، وسنجد الكثير من الجزائريين يسألون متى ستعود فرنسا؟"، ولما سئل عن جرائم فرنسا في الجزائر، أجاب بالقول "أنا لست هنا للحكم فيما إن ارتكبت المنظمة السرية جرائم أم لا، لا أظنّ أن فرنسا اقترفت جرائم ضد الإنسانيّة".

اليمن المتطرف في البرلمان

يتخوف متابعون للشأن الجزائري الفرنسي من تأثير وجود النائب المتطرف ضمن المجموعة البرلمانية للصداقة بين البلدين، بالنظر لتصريحاته المستفزة إلى أبعد الحدود، على حد تعبيرهم.

في هذا السياق، يوضّح البرلماني الجزائري توفيق خديم أنه من المفروض أن تكون لجان الصداقة البرلمانية عامل مساعدة لتقريب وجهات النظر باستعمال الدبلوماسية البرلمانية، لتجاوز نقاط الخلاف التي قد يصعب حلها عبر الدبلوماسية السياسية، الأمر الذي يجعل عضوية غونزاليس في لجنة الصداقة الجزائرية الفرنسية تصب خارج إطار الأهداف التي بنيت حين تم تنصيب مجموعة الصداقة.

وأضاف خديم أن نجاح مجموعة الصداقة البرلمانية يبقى مرهونًا بمدى جدية باقي أعضائها من البرلمان الفرنسي في العمل على تعزيز العلاقات بين البلدين دون القفز على ملف الذاكرة، مشيرًا في هذا الإطار أن اللقاءات التي جمعتهم بأعضاء في البرلمان الجزائري كانت فرصة للاستماع لآراء نواب في البرلمان الفرنسي تحدثوا عن ضرورة العمل من أجل تطوير العلاقات بين البلدين، وبالخصوص النواب ذوو الأصول الجزائرية، إلا أن تحركات هؤلاء حتى وإن كانت غير متطرفة وترفض توجهات التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان، فإنها تبقى في الأخير مرهونة أيضا بآراء الأحزاب التي يتبعون إليها، مثل حزب الرئيس إمانويل ماكرون الذي وإن أدان الاستعمار لكنه يرفض الاعتراف بجرائمه.

علاقات حساسة

بالنسبة لنائب المجموعة البرلمانية للصداقة الجزائرية الفرنسية توفيق خديم، فإن العلاقات الجزائرية الفرنسية تظل على الدوام تمشي على خيط رفيع، ومن الصعب التكهن بها، بالنظر إلى تعقيدها والعوامل التي تتحكم فيها، في ظل الحسابات التي تبني فرنسا فيها علاقاتها مع الجزائر.

وأضاف أن باريس التي فقدت في السنوات الأخيرة الكثير من نفوذها في القارة الأفريقية والساحل تعمل اليوم على استعادتها، هذه الاستعادة التي تختلف الآراء حول طريقتها في فرنسا بين من يرى ضرورة تعزيز العلاقات مع الجزائر، وبين طرف يرى أن تكون باللجوء إلى منطق الاستفزاز الذي اعتمده على سبيل المثال مؤخرا السفير الفرنسي السابق بالجزائر غزافييه دريانكور عبر مقال صدر في صحيفة "لوفيغارو".

واعتبر خديم تصريحات دريانكور منتظرة من دبلوماسي فرنسي خسر كل الامتيازات التي استفاد منها هو وبلاده في عهد النظام السابق، وتثبت هذه التصريحات أن الطبقة السياسية الفرنسية لم تتخلص من نظرتها الاستعمارية للجزائر، لذلك تبقى العلاقات بين البلدين هشة ومعرضة للعودة إلى سابق عهدها، على حد تعبيره.

برلماني جزائري: باريس فقدت في السنوات الأخيرة الكثير من نفوذها في القارة الأفريقية والساحل تعمل اليوم على استعادتها

الاتفاق الذي جاء عقب زيارة ماكرون الأخيرة للجزائر الصيف الماضي، يبقى مرتبطًا بقدرته على تهيئة الأوضاع لقيام علاقات مبنية على الندية التي يطالب بها الطرف الجزائري بعيدًا عن  منطق الوصاية الذي مايزال بعض السياسيين الفرنسيين يرافعون من أجله، فضلًا على الاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي، وهي الخطوة التي يبدو أنها لن تكون بما أن الرجل الأول في الإليزيه نفسه يرفض حتى القيام بهذه الخطوة.