09-يوليو-2023
توقيف جزائريين من طرف جنود الاستعمار الفرنسي (الصورة: Getty)

توقيف جزائريين من طرف جنود الاستعمار الفرنسي (الصورة: Getty)

يفرض الجانبان الجزائري والفرنسي سرّية شديدة على أعمال اللجنة المشتركة للتاريخ والذاكرة، الساعية لاقتراح آلياتٍ للمساعدة في تطبيع العلاقات بين البلدين، في ظلّ وجود مناكفات حول المرحلة الاستعمارية.

قد يشكل الجلوس وجهًا لوجه في هذه الفترة الحساسة بيانًا على جدية البلدين في البحث عن سبل تحقيق مصالحة تاريخية

أبقى الطرفان على اجتماع فريق العمل المنعقد بالعاصمة الفرنسية بباريس في النصف الأول من شهر حزيران/جوان بعيدًا عن مسمع ومرأى وسائل الإعلام والرأي العام في البلدين.

يأتي هذا الإجراء، سعيًا من طرف حكومتي البلدين لحماية 10 خبراء يشكلون اللجنة (خمسة من كل جانب)، من كل أشكال الضغط، خصوصًا من الجانب الجزائري إذ يصعب على السلطات تسويق إجراء مفاوضات مع الفرنسيين حول مسائل الذاكرة، في مرحلة نزلت فيه العلاقات السياسية إلى الحضيض بإلغاء زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى فرنسا وذهابه بدلًا من ذلك الى العاصمة الروسية موسكو.

لكن رغم غياب الشفافية على سير أعمال اللجنة، قد يشكل الجلوس وجهًا لوجه في هذه الفترة الحساسة بيانًا على جدية البلدين في البحث عن سبل تحقيق مصالحة تاريخية، رغم عملية تجييش سياسي وإعلامي من الجانبين ضد بعضهما، تتولاها بالوكالة وسائل إعلام وقوى سياسية على ضفتي المتوسط، ضمن محاولات لتصريف أزمات داخلية وتوجيه أصابع الاتهام للآخر.

بعض الأمل

في هذا المنحى، علّق رئيس للجنة الصداقة البرلمانية الجزائر- فرنسا، محمد بوعبد الله (نجل ضابط في جيش التحرير)، آمالًا كبيرة على أشغال اللجنة المشتركة، وأوضح أن هذه اللجنة "مؤهّلة لمعالجة جميع القضايا المتعلقة بالفترة الاستعمارية والمقاومة الشعبية وحرب الاستقلال، مضيفًا في تصريح لـ الترا جزائر"، أنه ينتظر من أشغال اللجنة إنجاز معاينة موضوعية للحقبة الاستعمارية وآثارها على الشعب الجزائري الذي رفض وقاوم هذا الاستعمار من الأمير عبد القادر إلى العربي بن مهيدي.

وتابع بوعبد الله: "الإقرار والاعتراف بكل ما حدث خلال الفترة الاستعمارية من شأنه أن يساعد على رفع اللُبس وتمهيد الطريق أمام علاقات تتسم بالاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة لشعبينا اللذين تربطهما علاقات عديدة، لعل أبرزها وجود جالية جزائرية كبيرة تعيش في فرنسا".

تفكيك ألغام

من جهته، لفت المؤرخ الجزائري مصطفى نويصر في تصريح لـ "الترا جزائر"، إلى تعقد مهمة فريق الخبراء الذين يضم عددًا من زملائه بجامعة الجزائر"نظرًا لحجم التحديات المطروحة وطبيعة الملفات قيد البحث كملف استرجاع الارشيف والمحفوظات الجزائرية في فرنسا أو ملف النفايات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية خلال الفترة الاستعمارية والسنوات الأولى للاستقلال وملف مفقودي الحرب من الجانبين (الغالبية الساحقة من الجزائريين والمجازر الاستعمارية ومنها المحارق، وقضية تسليم جماجم المقاومين الجزائريين المحفوظة في متحف الإنسان بباريس.

يضاف إلى كل الذي سبق، ملفات مطروحة على الجانب الفرنسي ومنها السماح لقدماء القوات المساعدة؛ وهي ميليشيات عملية للاستعمار والأقدام السوداء، للعودة إلى الجزائر أو دفن ذويهم بها.

في هذا السياق، قال أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الجزائر: "كل هذا الملفات شديدة التعقيد، صعبة وحسّاسة تضاف إليها التوترات السياسية والضغوط المسلطة على الخبراء. وشرح قائلًا كل ملف لوحده صعب، وليس من السهل الخوض فيها معًا أو على حدة".

من جهته، أفاد الدكتور علي ربيج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، إلى أن الفرنسيين الذين طرحوا فكرة مصالحة الذاكرات وإنشاء لجان لهذا الغرض لا يسهّلون تحقيق تقدم في عمل لجنة الخبراء التي عوضت لجنة 2020، الملفات المتعلقة بالذاكرة الوطنية واسترجاع الأرشيف الوطني التي ترأسّها المؤرّخ بنجامين سطورا عن الجانب الفرنسي وعبد المجيد شيخي مدير الأرشيف عن الجانب الجزائري.

وقال ربيج في حديث إلى "الترا جزائر"، إنه من خلال تتبع عمل اللجنة الجديدة، "لا يتوانى الفرنسيون في توجيه رسائل غير محفزة للمضي إلى الأمام".

وأضاف المتحدث: "عملية تأخير تعيين أعضاء الوفد الفرنسي لغاية أواخر كانون الأوّل/جانفي (الجزائر عينت ممثليها قبل شهرين من ذلك التاريخ)، وعملية الشدّ والجذب واستمرار خطاب الكراهية والنظرة الفوقية والاستقواء باليمين المتطرف من الجانب الفرنسي (المطالب باسترجاع الجزائر)، لا يساعد البتّة في المضي قُدمًا في عمل اللجنة بل يشوش على عملها".

في هذا السياق، لا تبدو الخطوات والتنازلات "الشكلية" التي أقدمت عليها السلطات الفرنسية في العام 2021 بإعادة 24 جمجمة لمقاومين جزائريين، والإقرار بالذنب في قضية اغتيال محامي جبهة التحرير الوطني علي بومنجل في سنة1957، والمناضل اليساري موريس أودان المؤيد لنضال الجزائريين، كافية لقطاع كبير من الجزائريين الذين ينتظرون إقرارًا رسميًا فرنسيًا بالذنب وتعويض فئة من الضحايا.

مشاكل فرنسية -فرنسية

في أيار/ماي الماضي فجّر رئيس الوفد الفرنسي بنجامين سطورا "قنبلة" غياب وسائل دعم من الحكومة الفرنسية، ولم تفوّت المعارضة اليسارية الفرصة لمضايقة الحكومة، حيث وجهت البرلمانية الفرانكو- جزائرية صوفيا شكيرو سؤالًا كتابيًا في 26 حزيران/جوان الماضي (منشور على الموقع الرسمي للجمعية الوطنية الفرنسية)، أبدت فيه استغرابها من افتقاد فريق الخبراء الفرنسي للإمكانات المادية للقيام بمهمّتهم رغم أهمية العمل الموكل إليهم وهو تطوير العلاقات الجزائرية الفرنسية.

ونبهت البرلمانية المنتمية لحزب "فرنسا الأبية" في سؤالها الموجه إلى الوزيرة الأولى إليزابيت بورن، إلى أن فريق العمل بقيادة المؤرخ بنجامين سطورا، لا يتمتع بأيّة مزايا مادية، وأن رئيس الفوج أنجز تقريرًا في العام 2021 من أمواله الخاصة.

إلى هنا، دعت البرلمانية في رسالتها الوزيرة الأولى بوضع ميزانية خاصّة تحت تصرف فريق الخبراء للقيام بأعمالهم، مشككة في الوقت نفسه في إمكانية إنجاز تقرير حول تقدّم أشغال فريق المؤرخين قبل آب/أوت مثلما أراد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

وكان فريقا العمل تقابلا عبر تقنية التحاضر عن بعد لساعتين من الزمن في نيسان/أفريل الماضي، وخُصّص ذلك اللقاء لتقديم أعضاء الوفدين وتسطير خطة عمل، وفق ما أعلنه رئيس الجانب الفرنسي في فريق العمل المؤرخ بنجامين سطورا في تصريحات له في أيار/ماي الماضي لإذاعة فرنسا الدولية.

الدكتور علي ربيج: الفرنسيون الذين طرحوا فكرة مصالحة الذاكرات وإنشاء لجان لهذا الغرض لا يسهّلون تحقيق تقدم في عمل لجنة الخبراء

ويتشكل فريق العمل من الجانب الفرنسي من فلورنس هودويتز، مديرة متحف الحضارات الأوروبية وحوض المتوسط، وجاك فريمو، أستاذ جامعي، وجان جاك جوردي وترامور كيمنور، إضافة إلى سطورا عن الجانب الفرنسي، ومن الجانب الجزائري محمد لحسن زغيدي مدير متحف المجاهد سابقًا، المؤريخين: محمد القورصو، جمال يحياوي، عبد العزيز فيلالي، وإيدير حاشي.