08-أبريل-2019

أفشلت الشعب الفخ الذّي كان يهدف إلى خنق الحراك باختزاله في وجوه مؤهلة لخيانته (ياسين بوعزيز)

كتبتُ سابقًا أن هناك أكثر من طرف يتعلّم من تجربة الحراك، ويأتي الشّعب في مقدّمة هذه الأطراف، حيث استطاع أن يتجاوز جملة من الفخاخ التّي كانت مؤهّلة لأن تجعل حراكه يُخنق في المهد، بما يُتيح للمنظومة السّابقة -أو التّي ستصبح سابقةً قريبًا، ذلك أنّ استقالة الرّئيس لا تعني زوال بصماته ولمساته وبُيوضِه- أن تستمرّ في الفعل، تمامًا كما استطاعت فرنسا أن تستمر في مفاصل الحياة الجزائريّة بعد عام 1962، من خلال البيوض التّي تركتها في تربة الاستقلال.

استطاع الشعب الجزائري أن يتجاوز جملة من الفخاخ التي كانت مؤهلة لأن تجعل حراكه يُخنق في المهد

لقد تفطّنت قوى الحراك مبكّرًا إلى فخّ التّمثيل الذّي كان مطلبًا من الجماعة البوتفليقيّة وبعض الوجوه التّي لم تفهم الحراك من الدّاخل، فراحت تدعو إلى ذلك أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: أول جمعة بدون بوتفليقة.. وعي الحراك الشعبي بمطالبه

فأفشلت الفطنة الشّعبيّة الفخّ الذّي كان يهدف إلى خنق الحراك، باختزاله في وجوهٍ مؤهّلةٍ لأن تخون الاتجاه، تمامًا كما حدث في تجاربَ سابقةٍ، وجعلت رموزه في مهبّ الرّيح.

لقد كان رفض التّمثيل مبرّرًا، في ظلّ حكم العصابة. ذلك أنّ التّفاوض معها كان سيُعطيها شرعيّة للاستمرار. فهل بقي مبرّرًا الآن، بعد أن أصبحت المؤسّسة العسكريّة هي التّي تمثّل الجهة الدّستوريّة الوحيدة في السّلطة، بموافقة الحراك نفسِه؟

إنّ تأمّلًا بسيطًا في مسيرات الجمعة السّابعة، يُلاحظ جملةً من السّلوكيات التّي لم تكن موجودة في السّابق، من باب رفض مشروع التّمثيل، منها أنّ المتظاهرين لم يكونوا يتفاعلون مع الأفراد الذّين كانوا يحملون مكبّرات الصّوت، ويُطلقون شعاراتٍ عبرها.

لقد حدث في الجمعة السابعة عكس ما كان في معظم المسيرات. كما أنّنا لم نكن نلاحظ خلال المسيرات، أحاديثَ ونقاشاتٍ بين المتظاهرين، لكن في الجمعة السابعة لاحظنا ذلك قبل وأثناء وبعد المسيرات، بما يضعنا أمام هذا السّؤال: هل الحراك بصدد التوجّه إلى الاقتناع بإفراز ممثلّيه من داخله، في ظلّ التّطوّرات الجديدة؟

شخصيًّا لا أرى أنّ العيب في إعطاء ضوءٍ شعبي للمؤسّسة العسكريّة بالتدخّل، في هذا الظرف بالذّات، وقد بدأ تدخلها يُؤتي ثمارًا لصالح الحراك في اتجاه تفكيك أوصال العصابة، وإنما العيب في ترك المؤسّسة العسكرية تنفرد بتعيين الوجوه التّي تشرف على المرحلة الانتقاليّة بعد إزاحة الباءات الثّلاثة، إذ سيكون ذلك مقدّمةً لخروجها من مقام المرافقة إلى مقام التّوجيه، وهذا ما ينبغي أن نرفضه، حفاظًا على مدنيّة المسعى.

لا عيب في إعطاء ضوء شعبي للجيش بالتدخل، بل العيب في تركه ينفرد بتعيين الوجوه التي تشرف على المرحلة الانتقالية

من هنا، على قوى الحراك أن تخلق من داخلها وبتخطيط منها، آليةً ناجعةً لفرض نفسها طرفًا وحيدًا يعمل على فرض الوجوه، التّي ستشكّل المؤسّسات الأربع المشرفة على المرحلة الانتقاليّة: الرّئاسة والحكومة والمجلس الدّستوريّ وهيئة الانتخابات. ليكن منطقنا في التّعامل مع الجيش: رافقني، لا أن تتحكّم في مساري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحراك يرفض بقايا بوتفليقة.. هل يترقب الجيش تفويضًا شعبيًا؟!

"مغالبة" الجيش والمحيط الرئاسي.. تصفية حساب على مائدة الحراك الجزائري