مما قاله الشّاعر محمود درويش:" نفعل ما يفعله السّجناءُ والعاطِلون عن العملْ نربِّي الأملْ"، إذن جميعنا يربّي الأمل، ويعيش لأجل ذلك الأمل، شعاع من خيط الحقيقة التي لا تأبى الظهور تاركة وراءها من يتشبثون بأمل فيستقوي عليهم ويصبح ابنًا يكبر بين أيديهم، فهل يكون هذا الأمل ابنًا بارًا أم يفلِت من الأيادي ليصبح عاقًا بفعل تجارب الحياة اليومية؟
ذكرى الحراك الشعبي في الجزائر وهي تطفئ شمعتها الثالثة تعيد تدوير عجلة الأسابيع التي خاض فيها الملايين في كلّ المطالب ونقاشات الشوارع
في الجزائر، الجميع يربّي الأمل؛ نصبِح ونمسِي على أمل، ننام على أمل ونستيقظ على أمل، نغفو على أمل ونستفيق على أمل، نختفي على أمل ونظهر على أمل، نغيب على أمل ونعود على أمل، نسترجع الذّكريات على أمل، ونركن للحظة على أمل، نتجوّل في محلات وشوارع ومدن الماضي على أمل ونعود أدراجنا لحقيقة وهنا والآن في الحاضر على أمل.
اقرأ/ي أيضًا: في ذكرى الحراك الشعبي.. احتجاجات عابرة أم ثورة مستمرة؟
نتأمّل في غفوة المارّة في الشارع نفسه ودهشتهم في الساحة نفسها، وفي العمارة غير المكتملة نفسها أيضًا، بعيدًا عن الأعين في مِحراب المستقبل على أمل، في أن تكون المعيشة أفضل وأجمل ولكن في قاعة انتظار الأمل.
إذن، كلّ جزائري يربّي الأمل، فالظّاهر أن ذكرى الحراك الشعبي في الجزائر وهي تطفئ شمعتها الثالثة، تعيد تدوير عجلة الأسابيع التي خاض فيها الملايين في كلّ المطالب والأفكار وجدال الشّوارع والجماعات ولغة الشّعارات واللافتات على أمل توحيد الكلمة التي لا تقبل القسمة على اثنين، تدور العجلة فيتساءل البعض عما حقّقه الحراك وما جنته الحناجر بعدما كانت تصدح عاليًا على أمل التغيير الذي جاء في علب مغلّفة بأمل ما.
لقد دفع الحراك بالآلاف ممن يربّون الأمل وأيّ أمل؟ كما جعلت المسيرات من الآلاف بل الملايين من الجزائريين يساهمون في تربية الأمل، عائلات المفقودين اتّخذت من ساحة البريد المركزي بقلب العاصمة زاوية لها، بعد أعوام على أمل افتكاك اعتراف من السلطات عن حقيقة نهاية أولادها، فقد كانت معلومة واحدة منهم لتشفي صدورهم وتقرّ أعينهم وتهدئ من روعهم فأي صنف من أصناف هذا الأمل؟
وفي ساحة الأمير عبد القادر بقلب العاصمة الجزائرية، تغنّت الحناجر على أمل التّغيير بلافتات شهداء الثورة الجزائرية التحريرية، ولازالت متمسِّكة بتربية الأمل، وفي كل ولايات الجزائر اعتقد الآلاف أن التغيير هو نهاية نحو الأمل فلم يأت الأمل.
وفي شارع الشهيدة حسيبة بن بوعلي بالعاصمة الجزائرية، رُفعت الأصوات عاليًا مطالبة بمحاسبة المسؤولين وفتح أبواب الحوار وتغيير منظومة فاسدة على أمل، ولكن أي أمل؟
في معظم الولايات خرج الجزائريون على أمل، فهم أيضًا يربون ذلك الأمل فأحيانًا يشتعل وأحيانًا أخرى يخفت، ولكن الأمل من صفاته أنه يمتدّ يخبو ويختفي عن الأنظار ولكن رائحته تعود مع أولى نسمات الوعي الجمعي.
أولًا: خضنا انتخابات متعدّدة الأهداف والألوان بين الرئاسة والبرلمان والبلديات وأهمها الوثيقة الدستورية، إذ زجّ فيها كلّ الأسماء والقناعات والمكوِّنات المجتمعية نحو محضنة الصّندوق، أليس الاختيار هو الحلّ، فاختلف من اختلف ووافق من وافق ورفض من رفض وأدار ظهره من أدار، ولكن كلهم لديهم ألف أمل وأمل، فهم أيضا ساهموا في تربية الأمل.
ثانيًا: خضنا معركة أولى وثانية وثالثة ورابعة مع أزمة صحية مفاجئة، بين كرّ وفرّ، وغلق وفتح بحثًا عن علاج في المستشفيات وأزمة الأكسيجين، واستمرار عَدّاد الإصابات والوفيات، في مقابل انحسار الدّخل الفردي وإحالة الآلاف على البطالة وغلق مصانع ومؤسسات، وجميعهم ينادون بأمل الفرج، واستمرّوا في تربية الأمل.
ثالثًا: عالجنا أزمة الحليب والمياه وتأخّر الدراسة وامتحانات الباكالوريا بقرارات انتقائية تارة واستعجالية تارة أخرى، متأخِّرة حينا ومتقدِّمة حينا آخر، بالاحتكام للعقل مرّة وإرضاء للأهواء مرات، فكلها قرارات تنتهي إلى تربية الأمل.
الظّاهر أن الحراك ربّى فينا الأمل سواء أكان العازف على نغمته حاكِمًا أو محكومًا؛ فالأول يستبق الأحداث والثّاني ينتظر التّغيير المنشود؛ أليس كلاهما ينتظران ذلك الأمل؟
الثّابت أن التّغيير لن يأت في لحظة عابرة أو بعد سنة أو بعد سنوات، التغيير ثقافة تنضج على نار هادئة تستحقّ الصبر والانتظار وتستحقّ الأمل، سيأتي جيل آخر، يؤمن بأن الأمل فرصة والانتظار نجاة.
بينما يحيي الجزائريون الذكرى الثالثة للحراك الشعبي، لازالت العائلات تنتظر حقيقة أبنائها، فهي أكثر من ربّى ويربّي الأمل لأكثر من ثلاثة عقود، وها هو الدّكتور البطال يربي الأمل في انتظار وظيفة، وها هو المسجون ينتظر الإفراج ويربّي في نفسه الأمل، وهاهم العاطلون عن العمل من مختلف الشرائح ينتظرون نقطة ضوء تبزغ في جدار ظلام فهم أيضًا يربّون الأمل بانتظارهم منحة الأمل.
الظّاهر أن الحراك ربّى فينا الأمل سواء أكان العازف على نغمته حاكِمًا أو محكومًا؛ فالأول يستبق الأحداث والثّاني ينتظر التّغيير المنشود؛ أليس كلاهما ينتظران ذلك الأمل؟
في المحطات كثيرون ينتظرون الأمل، وفي قوافل قاعة الانتظار في المستشفيات يربي المريض الأمل، وها هي امرأة تزوجت منذ سنوات طويلة تنتظر إنجاب طفل يدخل السعادة على قلبها فهي تربّي الأمل، فهل سيكون ذلك الابن المنتظر قشّة أمل وعكازها عندما تفقِد يومًا ذلك الأمل؟
اقرأ/ي أيضًا:
مسيرات شعبية في عدّة ولايات.. هل هي عودة الحراك الشعبي؟
مسيرة شعبيّة في خرّاطة.. عودة الحراك؟