05-أغسطس-2022
سياسيون جزائريون في ندوة البديل الديمقراطي (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

سياسيون جزائريون في ندوة البديل الديمقراطي (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

تعاني أغلب الأحزاب السياسية الجزائرية شحًا في الموارد المالية، زادها تجميد السلطات صبّ المساعدات المقررة في قانون الموازنة العامة للقوى الممثلة في المؤسسات الوطنية المنتخبة بمن فيها قوى الموالاة منذ سنة 2019.

يعتبر سياسيون جزائريون وقف تمويل الأحزاب التي تمتلك ممثلين في البرلمان انتهاكًا للقانون 

عاشت هذه الأحزاب في العامين الأخيرين ثلاثة مواعيد انتخابية (رئاسية، برلمانية ومحلية واستفتاء عام) مرهقة ماليًا، حسب إفادة أحمد صادوق رئيس المجموعة النيابية لحركة مجتمع السلم المعارضة بالمجس الشعبي الوطني (65 مقعدًا) في حديث إلى "الترا جزائر".

وقال صادوق إن "الأحزاب تعيش حالة ضيق مالي بعد مشاركتها في مواعيد انتخابية ومساهمتها بتبرعات في مكافحة جائحة كورونا التي عصف بالبلاد وخلفت آلاف الضحايا وفقدان مئات مناصب الشغل".

يعتبر البرلماني أن وقف تمويل الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان "انتهاكًا للقانون "، مستندًا على البند الرابع من المادة 52 من قانون الاحزاب 12-04 الذي ينص على أن الدولة مصدر من مصادر تمويل الأحزاب زيادة عن الهبات والاشتراكات. 

إلى هنا، يوضح المتحدث "أقرت المادة 65 من الأمر 08-02 المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2008 حقوقًا مالية للأحزاب حيث تقضي بـ " منح مساعدة مالية للأحزاب مقدرة بـ 400 ألف دينار جزائري عن كل عضو في البرلمان والمعمول بها منذ 1997، تضاف إلى هذا المبلغ مائة ألف دينار جزائري عن كل مقعد للنساء اللاتي انخرطن ضمن سياسة تعزيز حضور النساء في المجالس المنتخبة".

واعتبر ان استمرار تجميد الدعم المالية ينتهك اسمي قوانين الدولة (الدستور)في قسمه المتعلق بحقوق المعارضة، فالبند الثاني من المادة 116 من الدستور الجزائري "تلزم السلطات بتمويل المعارضة النيابية بسحب عدد المقاعد التي تحوز عليها". إذ تنص على حق المعارضة البرلمانية في "الاستفادة من الإعانات المالية بحسب نسبة التمثيل في البرلمان"، وتابع البرلماني تمويل الاحزاب حق دستوري وليس مزية من أحد وهو ملزم للحكومة وليس اختياريًا".

  2019  منعرج حاسم

توقفت الحكومة عن صب الساهمات المالية في حسابات الأحزاب في منتصف عام 2019 فيم كانت البلاد تعيش حمى التغيير السياسي، وبحسب التفسيرات التي أعطيت لممثلي الأحزاب السياسية في حينه لتبرير وقف التمويل العمومي وجود "حالة فراغ في هرم عديد الاحزاب من قوى الموالاة والمعارضة بما فيها حزب جبهة التحرير الوطني (الاغلبية البرلمانية) إذ أودع أمينه العام محمد جميعي الحبس على ذمة التحقيق في أيلول/سبتمبر 2019، وسبقته للسجن السيدة لويزة حنون الامينة العامة لحزب العمال اليساري في 5  أيار/ماي من العام ذاته. فيم كانت جبهة القوى الإشتراكية المعارضة تشهد صراعًا حول زعامة الحزب منذ تنحي مؤسسه الراحل حسين آيت أحمد الذي توفي في ديسمبر/كانون الاول 2015.

لكن تزامن قرار تعليق الدعم المالي مع اشتداد ضغط الشارع لإسقاط النظام، أعطى انطباعًا محاولة من السلطات لخنق المعارضة التي كانت توظف جزء من أموال الدعم لتمويل نشاطاتها لإسقاط نظام الحكم في الفترة الذهبية للحراك الشعبي، وخصوصًا في تمويل تنقل وحقوق مبيت مناضليها بالجزائر العاصمة وطبع المناشير واللافتات.

وباءت المحاولات التي بذلت تجاه الحكومة لأجل استئناف التمويل بالفشل، وقال أحمد صادوق رئيس كتلة حركة مجتمع السلم المعروفة اختصارًا بـ "حمس"، إنه "في تشرين الأول/نوفمبر الماضي (2021) رفع رؤساء المجموعات البرلمانية في المجلس الشعبي الوطني طلبًا شفهيُا للوزير الأول وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن، وأبلغنا بأنه سيعالج القضية، وأعدنا في لقاء لاحق تذكيره بموعده لكن لم يتحقق شيء".

وفي السياق ذاته أفاد لخضر بن خلاف رئيس مجلس شورى جبهة العدالة والتنمية (مقعدين في البرلمان) في تصريح  لـ"الترا جزائر"، أن الملف كان في طريقه للتسوية قبل نهاية الدورة البرلمانية 2018-2019 لكن التغييرات التي تمت-على مستوى وزارة المالية ورحيل مدير الموازنة المكلف بصرف الأموال المخصصة للأحزاب أغلق القوس لغاية اليوم.

  شكوى إلى الرئيس

أمام استمرار إغلاق "صنبور المال" من قبل السلطة لم تجد أحزاب سياسية خيارًا سوى مخاطبة اعلى سلطة في البلد ممثلة في الرئيس عبد المجيد تبون خلال المشاورات التي جمعته به ممثلين عنها شهري أيار/ماي وحزيران/جوان الماضين.

وقال لخضر بن خلاف "تحدثنا بصفة عرضية مع الرئيس عن قضية شح التمويل العمومي للأحزاب السياسية، ضمن مقترحاتنا لإعادة الاعتبار للعمل السياسي في الجزائر والتي تتطلب فسح المجال للأحزاب وتمكينها من وساءل العمل، وأبدى حينها رئيس الجمهورية استعداده لمعالجة الوضع ونحن نترقب الخطوات العملية لذلك". واستدرك النائب أنه بالنظر إلى محدودية تمثيلنا في البرلمان (مقعدان فقط) نحن لا نحصل على أموال ضخمة وهذا الرصيد مع الديون المترتبة على الحكومة عن الأعوام 2019، 2020 و2021 توفر لنا ما نسدد به حقوق كراء المقر الوطني".

تقلص النشاط السياسي

وفي هذا السياق، أشار مسؤول في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، فضل عدم الكشف عن هويته، إلى أن الأزمة المالية فرضت على مؤسساته تقليص نشاطاتها للحد الأدنى فيظل شح التبرعات والاشتراكات.

واضطر حزب جبهة التحرير الوطني في الأعوام الاخيرة إلى وقف إصدار لسان حاله جريدة المجاهد الأسبوعي لكنه يعد أقل تضررًا من الأزمة بفعل خطة قديمة تقوم على الاستفادة من فوائد الودائع المالية في تمويل نشاطه حيث لا زال الحزب ينظم ندواته في مقرات فخمة (قصر المؤتمرات بغرب العاصمة).

قيود السلطة

وأدت القيود الإضافية التي فرضتها السلطات في الأعوام الأخيرة ضد ما يصطلح عليهم أصحاب الشكارة (أكياس المال) وهم رجال الأعمال وكبار التجار المتهمون بتوظيف أموالهم للحصول على نفوذ في الأحزاب وشراء مقاعد في المجالس المنتحبة في تقلص حجم تدفق الأموال على الأحزاب من "الباترونا".

وحرص المشرع الجزائري على إخضاع تمويل الأحزاب للمراقبة المشددة في إنفاقها اليومي وخلال الحملات الانتخابية، إذ تم تسقيف حجم التبرعات والموازنة المخصصة للمرشحين وإنشاء لجنة على مستوى سلطة الانتخابات مختصة في مراقبة تمويل الحملة الانتخابية مشكلة من قضاة، إلى جانب المراقبة التي تتولاها مصالح وزارة الداخلية.

قانون الأحزاب أوجب على التشكيلات السياسية تقديم حصيلة سنوية لحساباته ونفقاته 

حيث أوجب قانون الأحزاب على التشكيلات السياسية المعتمدة مسك محاسبة بالقید المزدوج، وجرد ممتلكاته المنقولة والعقاریة، وتقدیم حصیلة سنویة عن حساباته للإدارة المختصة. شریطة أن یتزود بحساب واحد یفتتح لدى مؤسسة مصرفیة أو مالیة وطنیة في مقره الرئیسي أوفي فروعه الكائنة في الإقلیم الوطني، تحت طائلة العقوبة لمن ينتهك قيود شفافية التمويل والتسيير،وفي السنوات الماضية أيضًا، صدرت أحكام بالسجن على عدة كوادر في مديرية الحملة الانتخابية للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة بالحبس وغرامات مالية تنفيذًا لأحكام قوانين الاحزاب والانتخابات ومكافحة الفساد.