31-مايو-2022
في شوارع العاصمة الجزائرية (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

في شوارع العاصمة الجزائرية (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

تجمع الطبقة السياسية في الجزائر، عن تراجع الحرّيات رغم أن الظروف التي عاشتها البلاد خلال الثلاث سنوات الأخيرة كانت تنبئ بانفتاح سياسي على خلفية الزخم الكبير لتواتر الأحداث تزامنًا مع استمرار الحراك والضغط الشعبي في الشّارع، منذ اعتلاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سدّة الحُكم.

بدا أن مجال الحريات في تقلّص مستمرّ ميدانيًا بعد حلّ ثلاثة أحزاب ناشطة في ظرف سنتين

على أرض الواقع، باشرت السّلطة في تنظيم ومراقبة هيكلة الأحزاب السياسية النّاشطة في السّاحة، وبدا أن مجال الحريات في تقلّص مستمرّ ميدانيًا بعد حلّ ثلاثة أحزاب ناشطة في ظرف سنتين، فهل هي خطوة نحو تصفية الساحة السياسية من عديد الأحزاب أم محاولة لتقليص الحرّيات؟ أم هذه الخطوة إنذار للعديد من المكوّنات السياسية في البلاد؟

برزت مساعي السّلطات لحلّ بعض الأحزاب السياسية منذ فترة، إذ اتّخذ هذا المسعى توجّهًا نحو أحزاب معارضة الراديكالية، نحو حزب التجمع الوطني الديمقراطي (الأرسيدي) والحركة الديمقراطية والاجتماعية(الأمدياس) وحزب العمال الاشتراكي والاتحاد من أجل التغيير.

ميدانيًا، استغلّت السّلطة بعض الهفوات التّقنية لدى بعض الأحزاب للإجهاز عليها، إذ تمكنت لحدّ الآن من حلّ ثلاثة أحزاب لحد الآن هي: "حزب العمال الاشتراكي" وحزب "الاتحاد من أجل الديمقراطية والحريات الذي بدأ نشاطه الفعلي منذ أزيد منذ أكثر من 33 سنة أي منذ التعددية الحزبية وإقرار فتح النشاط السياسي للممارسة العلنية للكتل السياسية وإقرار دستور 1989، فضلًا عن  "حزب جبهة الجزائريين الديمقراطيين".

وكشفت الداخلية الجزائرية مؤخّرًا، قرار بحلّ حزب العمال الاشتراكي وغلق مقراته بدعوى عدم مطابقته لقانون الأحزاب المعمول به في الساحة الجزائرية.

بينما اضطرّت أحزاب أخرى مثل "الأرسيدي" و"الامدياس" وحزب العمال (الذي ترأسه لوزية حنون) لعقد مؤتمرات جديدة بهدف تجاوز كل مشكلات تقنية تتعلق بشرعية القيادة، ومحاولة عدم الدخول في مأزق تنظيمي.

تقني أم سياسي؟

طبعًا الظّرف السياسي الذي رافق توجّه السلطة يعطي المسألة طابعًا سياسيًا أكثر منه محاولة من السلطة لتطبيق القانون بأن هناك عشرات الأحزاب التي يمكن أن تكون أولى لتطبيق القانون عليها وحبها لعدم شرعية وجودها القانوني.

وكان حزب العمال الاشتراكي، قد أعلن في آذار/مارس 2021 عن مباشرة وزارة الداخلية إجراءات ضده في القضاء الاستعجالي من أجل تجميد نشاطه وتشميع مقراته، بمبرر عدم عقده المؤتمر الوطني للحزب.

كما سبق للقضاء الإداري الجزائري قد أصدر في 21 أيلول/سيتمبر الماضي، قرارين بحل حزبين معتمدين ومنعهما من أيّ نشاط سياسي، على خلفية دعوى قضائية رفعتها وزارة الداخلية ضد الحزبين لعدم مطابقتهما لقانون الأحزاب المعمول به، وهما حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والحريات (حاز اعتماده الرسمي عام 1989)، وحزب جبهة الجزائريين الديمقراطيين.

ووجب الإشارة هنا إلى أن حزب العمال الاشتراكي، يعتبر عضوًا أساسيًا في تكتل البديل الديمقراطي، وهو تكتل يجمع عديد المكونات السياسية والحزبية والشخصيات التي انضمت للحراك الشعبي وآزرته ورفضت المسار الانتخابي لترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، كما رفض الانتخابات الرئاسية التي جرت في الـ12 كانون الأول/ديسمبر 2019.

في السياق نفسه، نذكر إقدام السلطة على حظر جمعية "تجمع- عمل- شبيبة" أو (راج) وتجميد نشاطها، إذ قرّر القضاء حلّ هذه الجمعية التي تأسّست عقب انتفاضة الخامس من تشرين الأول/أكتوبر من العام 1988، وهي من الداعمين أيضًا للحراك الشعبي في الجزائر.

مساحة الغلق

قانونيًا، تمرّ الأحزاب السياسية في الجزائر بمرحلتين للتشكّل والنّشاط العلني والفعلي، وهما حسب الأستاذ في العلوم السياسية فريد ساحلي، " تتعلق الأولى منها قبل الحصول على الاعتماد، وهي فترة تشكيل الأعضاء وتكوين الإطارات عبر الولايات، وتبدأ هذه المرحلة من تاريخ تقديم طلب الترخيص بعقد المؤتمر التأسيسي إلى غاية منح الاعتماد من الجهة المختصّة، أما فيما يتعلق بالمرحلة الثانية من مسيرة الحزب السياسي، والتي تسري بعد نيله لقرار الاعتماد وبداية ممارسة العمل السياسي.

وقال ساحلي لـ" الترا جزائر" إنه خلال المرحلة الأولى يمكن أن تثور العديد من المنازعات، والتي تتضح بشكلٍ لافتٍ في حالات رفض الترخيص بعقد المؤتمر التأسيسي، أو رفض تمديد أجل عقد المؤتمر، أو توقيف حزب قيد الاعتماد؛ أما خلال المرحلة الثانية "يمكن أن تنشأ منازعات سواء تلك المتعلقة بالطعن في القرار المتضمن توقيف حزب معتمد، وكذلك الطعن في حالة الحلّ القضائي لحزب سياسي معتمد".

وهنا وجب الإشارة إلى أن المشرِّع الجزائري –حسب المتحدّث- قد منح مجلس الدولة كجهة رسمية المخولة دون سواه بصلاحية الفصل في هذا النوع من المنازعات بصفته قاضي أول وآخر درجة".

وبالحديث على مجلس الدولة، كشفت مصادر لـ"الترا جزائر" عن ملفات عديد الأحزاب السياسية على مستوى مكتب القضاء الإداري والمجلس، التي وجهت لها وزارة الداخلية إنذارات بسبب عدم تجديد قياداتها في مؤتمرات جامعة علنية وفي توقيتها المحدّد، حسب القانون الداخلي للأحزاب، وهي خطوات تنذر بوجود اختلالات على مستوى عديد الأحزاب الناشطة التي باتت بعيدة عن النشاط العادي إلا في المناسبات الانتخابية.

ويطرح النّاشط السياسي والحقوقي عبد العالي قاسي إشكالية التّجديد القيادي للأحزاب في مقابل الذّهاب إلى الحلّ والغربلة من الواجهة السياسية، ولفت الحقوقي قاسي في تصريح لـ"الترا جزائر" إلى أن السلطة ستتجه نحو هذه الخطوة لتنظيف مساحة النّشاط السياسي، خاصّة وأن "القوانين واضحة في خطواتها، في مقابل أن هذه الأحزاب لم تستغلّ الانفتاح السياسي الحاصل في البلاد وتكريس الممارسة السياسية".

لا ينف المتحدث أيضًا وجود ثغرة بين الممارسة الديمقراطية للأحزاب في القوانين والواجهات الحزبية والواقع، لافتا إلى أن المواقف السياسية لهذه الأحزاب تجاه السلطة وخياراتها في الميدان هو ما يحدد الإبقاء عليها".

خطّ واحد

في منحى آخر، يعتقد متابعون للشأن السياسي في الجزائر، أن حلّ الأحزاب الثلاثة إضافة إلى حلّ جمعية "راج" المقرّبة من جبهة القوى الاشتراكية يُخفي مساعي غير معلنة لحلّ الأحزاب التي لا تقف مع خطّ السّلطة، أو تعلن توافقها مع قراراتها، وتزكية مخرجاتها، في نفس الوقت يعيد الحديث في الشارع الجزائري إلى مشكلات الحريات والتّضييق على الفضاءات السياسية والإعلامية أيضًا، كما أنه استهدف أحزابًا بعينها لها مواقف نقدية ضد السّلطة، وهذا يضع السّلطة نفسها محلّ تساؤل عن الغايات الأساسية من هذا التوجّه.

على المستوى الميداني، رغم تعدّد الأحزاب في الجزائر وفتح المجال السياسي للنشاط، إذ عرفت الجزائر منذ 1989 عددًا كبيرًا من الأحزاب السياسية حصلت على الاعتماد وباشرت نشاطها، غير أن الملاحظ هو فوضى في الممارسة السياسية لأسباب كثيرة أهمها المناسباتية في النشاط، وركوب موجة التغييرات الحاصلة في البلاد، وهو ما يبرز أن التعددية الحزبية لا تعني بالضرورة الديمقراطية، بل هي في نظر الكثيرين صارت تعددية مشهدية أو صورية، في غياب النّقاش السياسي في مختلف المنابر الإعلامية وفي الفضاء العامّ وتقويض حرية التعبير منذ المسيرات الشعبية منذ 22 شباط/فيفري 2019.

هل الأحزاب السياسية في الجزائر مطالبة بأن تكون جِدار ًا تتكئ عليه السّلطة في قراراتها السياسية ومواعيدها الانتخابية

ويلاحظ من خلال هذه القراءة التي أعقبت حلّ بعض الأحزاب في الجزائر، بروز أسئلة جوهرية في علاقة مع العمل السياسي في البلاد، حول جدوى الأحزاب في الجزائر، وهل هي مطالبة بأن تكون جِدار ًا تتكئ عليه السّلطة في قراراتها السياسية ومواعيدها الانتخابية، في المقابل هل تعمل هذه الأحزاب على الاستفادة من مزايا السّلطة، في جوّ تنظيمي ضبابي وفِعل سياسي راكِد؟