اتفقت معظم تحليلات وكالات الأنباء العالمية والصحف الدولية، في تقديمها للانتخابات الرئاسية في الجزائر على أن الاقتراع محسوم لصالح الرئيس المترشح عبد المجيد تبون، مع تسليط الضوء على ما تواجهه البلاد من تحديات كبيرة سواء على مستوى الحريات الديمقراطية أو الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
الإعلام الأجنبي يتناول مواضيع الحريات في الجزائر والسياسات المتوقعة في العهدة الثانية
وبعنوان "الرئيس الجزائري يخوض انتخابات الرئاسة اليوم دون منافسة تذكر"، قالت وكالة الأنباء العالمية "رويترز"، إن "تبون المدعوم من الجيش يدخل الانتخابات اليوم السبت وهو شبه متأكد من الفوز بولاية جديدة مدتها خمس سنوات في انتخابات لا يواجه فيها منافسة تذكر، وذلك بعد استخدام عائدات الغاز لتعزيز الدعم الاجتماعي السخي".
معارضة شكلية
وقالت إن "تبون يواجه اثنين من المرشحين أحدهما إسلامي معتدل، والآخر من المعارضة العلمانية، لكن أيا منهما لا يعارض بجدية المؤسسة العسكرية التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها هي التي تسير الأمور منذ الستينيات".
ويعني فوز تبون، وفق رويترز، أن "الجزائر ستظل تحافظ على الأرجح على سياسات تهدف إلى تعزيز صادرات البلاد من الطاقة وتنفيذ إصلاحات محدودة مؤيدة للأعمال التجارية مع الحفاظ على الدعم السخي وإحكام السيطرة على المعارضة الداخلية".
ومع ذلك، تقول الوكالة إن الكثير من الجزائريين، سيتابعون "العملية الانتخابية لمعرفة ما إذا كانت نسبة المشاركة ستتجاوز 40 بالمئة المسجلة في انتخابات عام 2019، والتي عُقدت وسط احتجاجات “الحراك” الجماعي التي أجبرت سلف تبون عبد العزيز بوتفليقة على التنحي عن السلطة".
ونقلت رويترز عن مواطنة جزائرية تدعى نعيمة بلقاسم تقيم بالأخضرية شرق الجزائر العاصمة، أنها "كانت واحدة من حوالي مليوني جزائري استفادوا من إعانة البطالة البالغة 15 ألف دينار (113 دولارا) شهريا التي قدمها تبون، وإنها تنوي التصويت في الانتخابات". وأضافت “ليس مبلغا ضخما، لكنه لا يزال جيدا. فهو يغطي نفقات هاتفي وأشياء أخرى”.
لكن هذه الآنسة الحاصلة على دبلوم من كلية إدارة الأعمال في الجزائر، تقول إنها تبحث عن عمل ولكن “لا يوجد شيء حتى الآن”، في إشارة من الوكالة إلى نسبة البطالة المرتفعة وسط الشباب.
حديث المؤامرات
من جانبها، قالت وكالة الأنباء الفرنسية الأكثر متابعة للشأن الجزائري، إن الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبون يعتبر الأوفر حظا للفوز بولاية ثانية.
وأبرزت أن الرهان الأكبر بالنسبة لتبون هو نسبة المشاركة، حيث "لم ينس أنه انتخب في العام 2019 بنسبة مشاركة ضعيفة، ويريد أن يكون رئيسا طبيعيا وليس منتخبا بشكل سيئ"، وفق ما يؤكد مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف الجزائري حسني عبيدي.
وكانت الانتخابات التي حملته إلى كرسي الرئاسة قبل خمسة أعوام شهدت عزوفا قياسيا بلغ 60 بالمئة، حيث كانت تظاهرات "الحراك" العارمة المطالبة بالديموقراطية لا تزال في أوجها. وحصل فيها على 58 بالمئة من الأصوات.
ورغم حملات المشاركة التي قادها مساندو تبون، إلا أن مجريات الحملة الانتخابية، وفق الوكالة، لم تحظ سوى باهتمام ضئيل، خصوصا أنها جرت على غير العادة في عز الصيف في ظل حر شديد.
ورصدت "أ ف ب"، الجانب الخاص بالحريات في البلاد، حيث يقول حسني عبيدي في تصريحه إن حصيلة تبون تعاني "خصوصا في الديمقراطية".
ومن جهتها أعربت منظمة العفو الدولية غير الحكومية في بيان في الثاني من أيلول/سبتمبر عن قلقها من الوضع.
وقالت في تقرير: "شهدت الجزائر في السنوات الأخيرة تدهورا مطردا لوضع حقوق الإنسان. ومن المثير للقلق أن الوضع لا يزال قاتما مع اقتراب موعد الانتخابات". وكانت تحدثت في شباط/فيفري عن "قمع مروع للمعارضة السياسية".
تكاليف المعيشة
وبنبرة نقدية لاذعة، قالت صحيفة لوموند الفرنسية، تحت عنوان “تبون يمتدح حصيلته في بلد مقموع”، إن "الرئيس الجزائري بعد ركوب موجة احتجاجات الحراك أثناء انتخابه، تراجعَ خطوة إلى الوراء، وخنق كل معارضة"، معتبرة أنه ترشح من جديد للرئاسيات دون أن يشكك في إعادة انتخابه.
وأبرز الصحيفة أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رسمَ، خلال حملته الانتخابية، صورة دولة على شفا الهاوية، ضحية مؤامرات مختلفة، أنقذها منها.
وأشارت لوموند إلى أنه "خلف الصورة المثالية التي رسمها عبد المجيد تبون، يعاني الجزائريون من ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبات في الوصول إلى الخدمات الأساسية".
واستشهدت الصحيفة بما عانته ولاية تيارت الذي شهدت حسبها نقصاً خطيراً في المياه قاد إلى أعمال شغب، في شهر حزيران/جوان.
وختمت بأن عدد الشباب الجزائري الذين يخاطرون بالهجرة غير النظامية إلى إسبانيا في تزايد، فقد رصدت حسبها وكالة فرونتكس الأوروبية 2698 مهاجراً جزائرياً في النصف الأول من سنة 2024.
رهانات نزاهة الاقتراع
وفي تحليل لها حول الرئاسيات، قالت وكالة الأنباء التركية، إن هناك رهانات كثيرة من وراء الرئاسيات، بغض النظر عن الفائز بها، معتبرة أن هذه الرهانات "تشمل الصورة النهائية للعملية الانتخابية وتأثيرها على المستوى الدولي".
وذكرت الوكالة أن جميع الأطراف المشاركين في العملية الانتخابية، يشيرون إلى أهمية عاملين رئيسيين هما المشاركة القوية للناخبين، ونزاهة الاقتراع، باعتبارهما محددين أساسيين لنجاح الانتخابات.
ونقلت عن المحلل السياسي الجزائري عبد الحكيم بوغرارة أن مسألة النزاهة تم تجاوزها منذ استحداث سلطة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات بعيدا عن تدخل الإدارة.
وأوضح بوغرارة، في حديثه للأناضول، أنه لاحظ غياب الحديث عن التزوير أو التلاعب بالنتائج من قبل المرشحين أوشيش وحساني شريف خلال حملتيهما الانتخابيتين، وهو ما يعزز الثقة بتجاوز هذا الهاجس، خاصة أن كليهما ينتمي إلى أحزاب معارضة.
وفي مقاربته، شدد بوغرارة على أهمية نسبة المشاركة في الانتخابات لأنها تمنح الشرعية للرئيس المنتخب، خاصة في المحافل الدولية.
وأشار إلى أن الدستور الجزائري ينص صراحة على أن "الشعب الجزائري هو مصدر كل السلطات"، وكلما كانت نسبة المشاركة مرتفعة ازدادت شرعية قرارات الرئيس والدولة الجزائرية على الساحة الدولية.
وانتهى المحلل إلى أن نجاح تنظيم الانتخابات الرئاسية سيساهم في تجنيب البلاد حملات التشكيك والانتقادات من المنظمات الدولية، خاصة أن الجزائر تسعى لتعزيز مكانتها في محيطها المتوسطي والعربي والإفريقي.