11-مارس-2024
(باتريك باز/أ.ف.ب/GETTY)

(باتريك باز/أ.ف.ب/Getty)

تطرح بعض الأحزاب السياسية في الجزائر، نقاشًا محتشمًا حول الانتخابات الرئاسية المنتظر تنظيمها قبل نهاية العام الحالي، إلا أن هذه القوى السياسية تأخّرت عن تقديم مرشحيها، أو البحث عن طموحاتها السياسية في المرحلة القادمة وتقديم رؤيتها في التنمية.

الأستاذة سهيلة منداس لـ "الترا جزائر": أغلب الأحزاب السياسية عرفت عزلة عن الشارع لأسباب كثيرة، أهمها فقدانها التمثيل في الميدان

من هذا المنطلق، تُطرح عدّة الاستفهامات، هل التأخّر في الإعلان عن المشاركة في الاستحقاق الانتخابي من عدمه مرتبط بالوضع السياسي، وحالة الفتور التي تعرفها البلاد، في ظلّ شكوى الأحزاب من التضييق السياسي؟ أم أنّ مكونات المجال السياسي مازالت تدفع ثمن الحراك الشعبي ونقمة الشارع عليها؟

إلى هنا، يسجّل خروج عدة أحزاب توسم بـ "أحزاب الموالاة" إلى العلن، وتوجّهها نحو مساندة سياسات الحكومة ومشروع الرئيس عبد المجيد تبون، ما يعني ضمنيًا مساندتها له في استمراره في الحكم إذا تأكّد فعليًا خوض الرئيس الحالي السباق الرئاسي مجددًا نحو استكمال الولاية الثانية على رأس السلطة.

مشروع وعمل الميدان

لكن، تُقدِّر بعض الحساسيات السياسية في البلاد، أنه من الواضح جدًا أن المنافسة الانتخابية المقبلة، لن تستعرض نماذج لمرشحين سواءً مستقلّين من الشخصيات الوطنية أو سليلة أحزاب سياسية، إلا شكلًا.

وفي هذا الإطار، يثير مهتمون بالشأن السياسي، مسألة هشاشة فاعلية الأحزاب السياسية، وهو ما يعني أن المشروع الانتخابي للعديد من الأحزاب سيكون أمام مخلب الشارع أولًا، والناخبين ثانيًا، والأوضاع السياسية عمومًا ثالثًا.

هنا، تعتبر أستاذة العلوم السياسية والباحثة في القانون الدستوري، سهيلة منداس بأن عديد الأحزاب السياسية ظلّت معزولة عن الشارع قبل الحراك الشعبي، وحتى بعده، خصوصًا وأن قياس مدى تفاعل الشارع مع الانتخابات تم اختباره في الفترة ما بعد الحراك الشعبي واستحقاقات الرئاسيات والدستور ثم الانتخابات التشريعية وأخيرًا المحلية.

وقالت الأستاذة منداس إن أغلب الأحزاب السياسية عرفت عزلة عن الشارع لأسباب كثيرة، أهمها فقدانها التمثيل في الميدان، وعدم مراعاتها لمتغيرات المجتمع الجزائري ومتطلباته، فضلًا عن مرور الجزائر بمرحلة ما قبل وما بعد الحراك التي كانت "ترمومتر" حقيقي للفاعلين السياسيين.

كما أشارت إلى أن التجربة الجزائرية مع الانتخابات خلال فترة التعددية الحزبية أي منذ إقرار دستور 1989، ظلّت تراوح بين مترشحين كوجوه حزبية لا تملك قاعدة شعبية، حتى وإن كانت قد تمكنت من الظفر بمقاعد في البرلمان وفي المجالس المحلية، فيما غلت الكفة لمرشح السلطة.

وهنا بالذات يطرح البعض أن الترشيحات في الانتخابات الرئاسية، بقيت طوال العهدات الماضية عبارة عن "ديكور انتخابي" دائما الغلبة فيها لمرشح السلطة، مثلما جرت العادة قبل الحراك الشعبي، وهو ما كان يطلق عليه آنذاك بأحصنة الانتخابات وأرانب المنافسة.

ولكن بعد الحراك الشعبي، فرض الشارع منطقه بأنه عاقب الحكومة بعدم التوجه لمراكز الاقتراع، وهو عقاب له ما يبرره بسبب الضغط الكبير الذي عاشته الجزائر خلال العهدة الأخيرة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وهو ما يفيد أن العهدة الأولى للرئيس عبد المجيد تبون ما هي إلا "بداية لبناء مشروع وجب استكماله".

الاستمرارية

في هذا السياق، فإن الجو العام السائد في الساحة السياسية يتجه نحو " الاستمرارية" أي فوز الرئيس عبد المجيد تبون بعهدة ثانية، فعدم حسم الأحزاب السياسية من خيار مرشحيها للانتخابات الرئاسية، مرتبطٌ بالوضع السياسي في البلاد والإقليمي أيضًا، إذ يلاحظ أنها تفتح مناقشة هذه الاستحقاقات في إطار نقاشات ضيقة أو في دواليب مؤسساتها الداخلية، فيما ترفض بعضها الدخول في المعترك الانتخابي ودعمها غير المباشر لسياسات الرئيس عبد المجيد تبون.

كحالة أولى، أعلنت القاضية السابقة ورئيسة حزب "الاتحاد من أجل التغيير والترقّي"، زبيدة عسول ترشحها رسميًا لخوض الانتخابات الرئاسية، إذ عولت بعض الأصوات أن خطوتها هذه ستفتح المجال لتوجه العديد من الأحزاب والشخصيات الوطنية إلى حسم موقفها من الترشح أو البدء في مناقشة الموضوع المهم في السنة الحالية.

ويفيد الناشط السياسي كريم بوشمال بأن الترشيحات إن تم تقديمها فهي "علامة صحية"، لأنها تعمل على التعبئة الشعبية لفائدة المرشحين، خصوصا وأن الواقع العام في البلاد، يحتاج إلى الدعم الكبير المتعلق بتحفيز ومن الناحية التقنية، فإن المرشحين مطالبون بحسب القانون بجمع 60 ألف توقيع من مجموع الهيئة الناخبة، أو توقيع 600 منتخب من المجالس المنتخبة، وهذا يعتبر في حدّ ذاته امتحانًا عسيرًا لمختلف مكونات المجتمع السياسي في البلاد.

تهيئة الظروف السياسية

من ناحية أخرى، يفسر بعض المهتمين بالشأن السياسي في البلاد أن هذه الانتخابات محكومة بضوابط تتعلق أساسا بالوضع الاجتماعي والاقتصادي والإقليمي والدولي الذي يسيطر على المشهد.

وفي هذا السياق، يقول الباحث في العلوم السياسية، عبد العالي بوزار من جامعة الجزائر، إن الانتخابات الرئاسية لها خصوصيتها التنظيمية أولًا، فترشيح الأحزاب أو الأشخاص لهذا المنصب يحتاج استراتيجية حزبية في تقديم المنافس إلى الواجهة.

وهنا تحدث الأستاذ بوزار، عن مدى استعداد الأحزاب في حد ذاتها للموعد الانتخابي، لافتًا إلى أن الأحزاب في البلاد كثيرًا ما تتحرك بشكل حيوي وأوسع، عندما يتعلق الأمر بمنافسة على مقاعد المجلس الشعبي الوطني، أو المجالس المحلية، التي تملك فيها قاعدة شعبية، وتستطيع أن تنتظم، بما يضمن لها مقاعد في البلديات أو على مستوى الغرفة الثانية للبرلمان.

وعليه فإن الحديث عن مرشح منصب الرئاسة يبقى – حسب محدث " الترا جزائر"- مرتبطًا أساسًا بمدى استعداد الحزب، أيًا كان توجهه- في تقديم فارسه والرهان على أنه بإمكانه الدخول في المنافسة الانتخابية، خصوصًا إذا علمنا أنه سيواجه مرشحين آخرين من أحزاب أو شخصيات وطنية أو شخصيات من المجتمع في انتظار إعلان الرئيس عبد المجيد تبون ترشحه لعهدة ثانية.

فرصة إعادة الهيكلة والتنظيم

تنظيميا دائما، تشتكي بعض الأحزاب والناشطين السياسيين من التضييق على حرية التعبير والإعلام، إذ يرى بعض الناشطون أن "تقديم أي مرشح للانتخابات الرئاسية، ليس مهم الآن".

يقول الناشط وليد دواجي لـ" الترا جزائر"، بأن الفرصة الحالية هي مواتية لمناقشة مدى فاعلية هذه الأحزاب السياسية في الساحة أولًا وعلاقتها بالقاعدة الشعبية، واستعادة قوتها ووزنها في الساحة ثانيًا.

الجو العام السائد في الساحة السياسية يتجه نحو " الاستمرارية" أي فوز الرئيس عبد المجيد تبون بعهدة ثانية

ويضيف في هذا المضمار، بأن الاستحقاقات الرئاسية هي خطوة سياسية، تليها استحقاقات أخرى تستحق العمل على مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي أكبر، يحتاج إلى بيئة سياسية تسمح بذلك.