07-مارس-2024
رئاسيات

انتخابات رئاسية في الجزائر( الصورة: ألو بلادي)

يُثار في الجزائر نقاش حول واقع الممارسة السياسية، خاصّة بعد انتظار الطبقة السياسية لفتح المجال لحريّة التعبير، من خلال عقد الندوات والانفتاح على الرأي والرأي الآخر عبر المنابر السياسية والإعلامية، وسط قلق الفاعلين السياسيين في اتجاه دعوة السلطة إلى فتح المجال في إطار إعادة الديناميكية السياسية والاجتماعية للبلاد.

دعت الأحزاب السياسية من مختلف التيارات إلى رفع التضييق على العمل الحزبي قبل أشهر من الاستحقاقات الرئاسية

ودعت الأحزاب السياسية من مختلف التيارات إلى رفع التضييق على العمل الحزبي خصوصًا والجزائر على بعد أشهر من الاستحقاقات الرئاسية، إذ تطالب بضرورة تقديم تصوراتها في انتخاب الرئيس وكذا الدفع بمشاركة المواطن في هذا النقاش.

وسبق للأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، أن كشفت في تصريح صحفي عقب لقائها مع الرئيس عبد المجيد تبون، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بأنها "طالبته بفتح حوار سياسي عبر وسائل الإعلام الحكومي (العمومي) والإعلام الخاص، بغية مناقشة مختلف القضايا الوطنية والدولية التي تهم الجزائريين.

وعبرت حنون في هذا الصدد عن ضرورة هذا النقاش الذي سيعيد للممارسة السياسية مفعولها، مع تحسين المناخ السياسي وتعزيز مجال الحرّيات العامة.

أصوات أخرى نادت إلى تعزيز مجال الحرّيات العامة في البلاد، بما يعيد دوران عجلة الفعل السياسي، إذ أكد رئيس حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني شريف، على أهمية إشراك الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها ومشاربها في القضايا الوطنية.

ومن جانبها، تراهن حركة البناء الوطني، وهي عضو في الحزام الحكومي، والتي تدعم سياسات الرئيس عبد المجيد تبون، على المزيد من الحوار وفتح النقاش السياسي، إذ تحدث رئيس الحركة عبد القادر بن قرينة، عن طرح يعزز الانتقال نحو الجزائر الجديد، بواسطة "توحيد الجهود بين رئيس الجمهورية وأهم القوى الموجودة في الساحة الوطنية التي تسعى لحماية وديمومة الاستقرار في المؤسسات".

غالبية القوى السياسية، تشكو من مشكلة الإغلاق السياسي، وعدم وجود نقاش سياسي، إذ شدد السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، على أن التسيير الأحادي من دون استشارة ومن دون أدنى نقاش لشؤون الأمة "قد يؤدي إلى تهميش قطاعات واسعة من المجتمع وفقدانها الثقة".

ويرى "الأفافاس"–حسب أوشيش- أن "استعادة الحياة السياسية، النقابية، الجمعوية والاجتماعية هو شرط لتمتين رابط الثقة بين الشعب ومؤسسات الجمهورية.

خطاب واحد وواجهات متعددة

تبقى التجربة الجزائرية السياسية الحالية جديرة بالطرح، خصوصًا وأن الأحزاب السياسية التي تسعى إلى التقدم بمشاريع في خضم اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، تعترف بأن المجال لا يتسع للنقاش ولا تقديم رؤية مستقبلية ومشروع مجتمع.

وفي هذا الإطار، يعتبر القيادي في حزب "جيل جديد" حبيب براهمية بـأن 2024 هي "سنة سياسية وتنافسية بامتياز"، لكنها في مقابل ذلك تعرف انحسارًا كبيرًا في النشاطات السياسية وتراجعًا في الفعل السياسي والتعاطي السياسي والإعلامي مع القضايا التي تهم المجتمع من خلال الواجهات الإعلامية.

لكن السؤال الذي يُطرح بإلحاح: هل اللعبة السياسية في الجزائر مغلقة فعليًا؟ أم أن الأحزاب السياسية هي التي أغلقت على نفسها؟

يؤكد براهمية في إفادة لـ"الترا جزائر" على ضرورة فتح المجال واسعًا للأحزاب السياسية خاصة في المنابر الإعلامية التي سيطرت عليها " الفكرة الواحدة" والتوجه الواحد" رغم تعدد الخطابات.

وفي هذا المجال بالتحديد، فإن النمط السائد حاليًا يتيح المجال لمظاهر شكلية من الممارسة السياسية الديمقراطية مع الاحتفاظ في الجوهر بالطابع الأحادي، وضرورة تعزيز وجهة نظر السلطة فقط.

لكن، وبالعودة إلى الميدان نكتشف أن العملية السياسية هي نتاج فواعل متعددة، لذلك لا يمكن توجيه سهام مسؤولية "غلق المجال السياسي" للمنظومة السياسية الحالية، ولكن للأحزاب نفسها، ولعدم قابلية المجتمع من فهم هذه الديناميكية التي لا تحدث بين سنة وأخرى، واستيعابه أيضا أن الفعل السياسي تراكمي والممارسة السياسية صناعة وليست وليدة لحظة تاريخية.

تراكم الممارسة: الفجوة

أشار مهتمون  بالشأن العام في الجزائر، إلى أن صورة الأحزاب والممارسة السياسية في الجزائر أصابتها "حالة من الاهتزاز" لدى الشارع الجزائري، إذ يؤكدون على أن هناك فجوة بين القمة والقاعدة اتسعت رقعتها، أي ثغرة بين السلطة والمكونات السياسية من أحزاب سياسية والمواطنين من مختلف الفئات, وفي سؤال حول هذه الفجوة، وما المقصود بها، يفيد الناشط السياسي في حزب جبهة التحرير الوطني سمير بلحاج إلى أن الممارسة السياسية في الجزائر باتت "تتبنى خطاب الهجوم على الآخر"، والحديث عن الغلق السياسي ليس من شأنه أن يكون حديثا ينطلي على الفاعل السياسي في الجزائر لأنه "حجّة هلامية وواهية" لا تترجمها الأفعال في الميدان.

وشرح بلحاج ذلك بقوله لـ" الترا جزائر"، إن الميدان يحتاج إلى تقديم مشاريع سياسية ومواقف من الأحزاب في ظل الحياة السياسية المتحركة سواء داخليا أو خارجيا.

وأشار إلى أنه لا يمكن الحديث عن الغلق، لأن مساحة الفعل السياسي مسموحة ومضمونة قانونًا، فللأحزاب دورٌ فعلي في الميدان وليس في "الخطابات السياسية فقط"، فيمكن لهذه الأحزاب الممثلة في المجالس المحلية (البلديات والولايات) والنيابية (الغرفة السفلى للبرلمان) أن تقدم مشاريع عبر المنابر المتاحة، فالبدء في الفعل يفتح آفاق المجال خصوصًا إن كان له علاقة بتحسين حياة المواطنين، والاحتكاك بانشغالاتهم اليومية، وإيجاد حلول لمشاكلهم، وليس فقط انتظار استحقاق سياسي انتخابي.

ثمار الإصلاحات

الحديث عن العمل السياسي في الجزائر، يقود دومًا إلى تاريخ التعددية السياسية في الجزائر، التي يزيد عمرها عن 33 سنة، إذ باتت اليوم في نظر البعض "شكلية" أكثر من وقت مضى.

والمعطى الأهم، هو أن الديناميكية التي قادت إلى التغيير في طبيعة نظام الحكم أي من نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية، لم تغيّر كثيرا من آلياته وأدواته، لأن "رواسبه ظلت مهيمنة على النظام في شكله الجديد، وهو ما يعني في شكله الذي جاء بعد تعديل الدستور في 2020.

ومن خلال هذه القراءة، وجب الإشارة إلى ما يسمى بـ"الديمقراطية الشكلية" أو" ديمقراطية الواجهة"، كما يقول أستاذ العلوم السياسية عبد الله عماري لـ" الترا جزائر"، إن النظام في شكله الجديد يبقى يعزز آليات الديمقراطية في إدارة وتسيير شؤون الحكم والمجتمع عامة.

وبالعودة للحديث عن العملية السياسية التي تترجمها النخب السياسية برمّتها بأنها "شكلية"، وجب التنويه بوجود بنية مؤسساتية شبيهة بتلك المعتمدة في الأنظمة الديمقراطية، ويضيف الأستاذ عماري أن اعتماد الدستور الجديد من شأنه أن يؤثر لاحقا على تطور الأحداث في البلاد، والشروع في الإصلاحات السياسية والاقتصادية في آن واحد.

الملاحظ أن الإصلاحات التي أعقبت حراك 22 شباط/ فبراير 2019، جرت في فترة زمنية قصيرة، وهو ما جعل البعض يتحدث عن أن الحكومة الجزائرية حققت خلالها ما لم يتم تحقيقه في العقدين الماضيين، وانتظار ثمار هذه الإصلاحات يحتاج إلى وقت وعمل والمشاركة في الفعل وليس في ردّ الفعل فقط.

واجهة

على خلاف ذلك، يشير فاعلون سياسيون إلى أن الرهان الحالي للسلطة السياسية هو السيطرة على قواعد اللعبة السياسية، بعد السيطرة على دواليب الحكم في الحكومة والبرلمان.

المعطى الأهم حاليًا أن المنظومة السياسية في البلاد، وفي مرحلة ما بعد الحراك الشعبي، حاولت أن تظهر بمظهر الطرف المحايد في عملية البناء الديمقراطي والتعامل مع جميع الأحزاب بالمسطرة نفسها وعلى مستوى واحد، غير أنه مع مرور الوقت كانت تراهن في الوقت نفسه على أجهزة جديدة في شكل المجتمع المدني والمجلس الأعلى للشباب، والانفتاح أكثر على الإطارات الشابة، وتدخل قوي لعدة قوى اجتماعية تم تهميشها أو تم تدجينها قبل هذه الفترة، فضلًا عن مكافحة الفساد الذي استشرى في السنوات الماضية، ولعبت فيه بعض المكونات السياسية دورا أفقدها ثقة المواطن.

إمكانية فتح المجال السياسي والتجديد الفعلي يتم عبر آليات ديمقراطية نزيهة

وهكذا فإن إمكانية فتح المجال السياسي والتجديد الفعلي يتم عبر آليات ديمقراطية نزيهة،  فهل تقديم بدائل سياسية وأدوات جديدة بعيدًا عن فواعل سياسية معروفة كانت تزين المشهد السياسي قبل 2019، عوامل مهمة لفتح المجال السياسي؟