فَجر يوم جمعة، وعند صلاة الصبح كان مسجد الشيخ بن حداد الواقع ببلدية القبة ممتلئًا بالمصلين، وعند الركعة الثانية وقبيل السجود يرفع إمام المسجد دعاء القنوت، خَصة إمام المسجد الدعاء لأهل غزة وفلسطين، داعيًا الله لحمايتهم من العدوان الإسرائيلي، راجيًا أن يربط على قلوبهم ويتقبل شهداءهم وينزل عليهم السكينة ويفرج عن كربهم ويلطف بعباده، مبتهلًا لله أن ينصر أهل غزة على عدوهم ويسدد رميهم ويهزم أعداءهم، ورفع بعدها المصلون أصواتهم وأكفهم بصوت واحد "آمين".
أمام حالة العجز والإفلاس يتداول الجزائريون وخيار مقاطعة بضائع وسلع الشركات التي تؤييد الكيان الصهيوني
بعد أن فرغ المصلّون من فريضتهم، كان حديث بعضهم عن دعاء القنوت لأهل غزة، وأنهم لم يتعودوا استحضاره في المساجد في سابق الأيام، ما عدا في شهر رمضان الكريم في صلاة التراويح، ولكن بعد عدوان الاحتلال الصهيوني، يضيف ممن تحدّثت إليهم "الترا جزائر"، استمرت أغلب المساجد في اعتماد دعاء القنوت، والتضرع بالرحمة لأهالي غزة والفلسطينيين، بل وأصبح دعاء القنوت يتلى في الصلوات الخمس، نصرة لأهالي غزة ضد أعدائهم.
في هذا السياق، عجلت التطوّرات المأساوية الحاصلة في قطاع غزة نشاط الحلقات الدينية والنداوت الفكرية بأغلب مساجد الجزائر، هدفها إحياء القضية الفلسطينية في وجدان الشباب الجزائري وضمير المجتمع، وتناولت غالبية الدروس والندوات أبعاد الصراع العربي مع الكيان الصهيوني، سواءً الأبعاد الدينية والعقائدية والتاريخية، كما عالج بعض المختصّين وتدارس غايات العدوان الإسرائيلي ومخاطر التهجير القسري لسكّان قطاع غزة والأهداف جيو إقليمية-والحرب الدينية والعقائدية.
أعيش في غزة
إلى هنا، يقول رشيد والذي يدير محلًا للحلاقة، إنه يتابع ما يحصل في قطاع غزة طوال اليوم، وأنه لا يتوقّف عن تتبع الأحداث والأخبار وما يحدث من عدوان وحشي في حقّ الفلسطينيين، مضيفًا أن مشاهدة قناة الجزيرة مستمرة طيلة دوام فترة العمل إلى غاية البيت.
وأفاد أن حتى الزبائن يقفون متسمرين أمام جهاز التلفزيون لمتابعة الأخبار المباشرة من قطاع غزة بل "لا حديث يدور بين الزبائن إلا عن القمع الوحشي الذي يمارسه العدوان الإسرائيلي وازدواجية المعايير وموقف الغرب الداعم للصهاينة".
يعترف محدث "التر جزائر" أنه لم يكن مهتمًا، سابقًا، بالسياسة ولا بالأحداث الجارية في فلسطين إلا نزرًا قليلًا، ولكن ومنذ بداية العدوان على قطاع غزة أصبحت قضيتي الأولى.ويتساءل رشيد، في هذا السياق، عن طرق وأساليب دعم أهالي غزة وكيفية إيصال المساعدات إلى سكان القطاع.
أصبحت أحفظ شوارع وأماكن في غزة
وفي حديث مع الطالبة آمال التي تدرس السنة الثانية تخصص إعلام واتصال، تقول إن العدوان الوحشي على سكان قطاع غزّة عجل من اهتمامها الإعلامي والإنساني بالقضية الفلسطينية.
مضيفة أنها باتت مُهوسة بتتبع الأخبار وتطور الأحداث في قطاع غزة، وأمست تُدرك جغرافيا قطاع غزة وأسماء الشوارع والأمكنة بشكل دقيق.
تقول: "جباليًا، بيت لاهيا، دير البلح، مستشفى المعمداني، شارع يافاـ منطقة الزرقاء، مستشفى الشفاء هي أسماء وأماكن أنغمس وجدانيًا وروحيًا كل يوم وسط الدمار التي لحقت بنايتها وتشرد أهليها وأتعاطف مع ساكني تلك المناطق رغم البعد الجغرافي".
وأفادت الطالبة آمال أنها تعيش ما يشبه الحداد رفقة عائلتها إثر المجازر التي أصابت أهلي قطاع غزة، على حدّ تعبيرها.
وفي ظلّ العجز العربي عن مساندة ودعم أهلي غزة صار الحزن غضبًا بداخلي يبحث عن أي شكل من أشكال المقاومة وأضعف الإيمان تشارك وتقاسم مجازر الصهاينة على منصات التواصل الاجتماعي وصناعة هاشتاك باللغة الإنجليزية، حسب أقول المتحدثة.
روح الروح تبقى إلى الأبد
يجلس نبيل في كافيتريا وفي ملامحه آسى وحُرقة، وهو يتصفح مقطع فيديو مؤثر يظهر فيه جد فلسطيني يحتضن جثمان حفيدته ريم، التي قتلت بعد غارة إسرائيلية استهدفت منزلهم في غزة.
يقول نبيل، وهو عامل يومي في عقد الأربعينيات، إن مشهد فيديو أبو ضياء وهو حامل حفيدته ريم لن ينساه ما عاش الدهر.
وأضاف أنه يحفظ كل كلمة ومفردة جاءت على لسان الجد الفلسطيني أبو ضياء، وتابع أنه يشاهد الفيديو في اليوم كذا مرة دون ملل ولا ضجر.
وزاد أن الفيديو أحيا بداخله الشعور الديني والانتمائي للقضية الفلسطينية و"بحكم مستواه التعليمي المتوسط لم يكن يبدي أي اهتمام بالشأن الدولي والسياسي ماعدا البحث عن الرزق اليومي".
وأشار أن ما يجري في قطاع غزة وما جرى لأبو ضياء شكل صدمة له، وأن في العالم غير البعيد عنا فيه أناس أكثر معاناة منا وآلامًا.
عَجلت التطوّرات المأساوية الحاصلة في قطاع غزة نشاط الحلقات الدينية والنداوت الفكرية بأغلب مساجد الجزائر
رغم قلة المظاهرات الشعبية الداعمة للفلسطينيين في الجزائر لأسباب أمنية حسب متتبعين، غير أنه على المستوى السلوك الاجتماعي نجد أن يوميات المواطن مرتبطة روحيًا ووجدانيًا وفكريًا بالقضية الفلسطينية، فالكل يتحدث عن أخبار قطاع غزة، والكل غاضب على حالة السكون والجمود الذي يعيشه العالم العربي والإسلامي تجاه الإبادة الجماعية في حق سكان قطاع غزة، وأمام حالة العجز والإفلاس يتداول الجزائريون أن الدعاء وخيار مقاطعة بضائع وسلع الشركات التي تؤييد الكيان الصهيوني ضرورة وواجب، فضلًا عن التضامن وإرسال مساعدات مع الهيئات الرسمية، الكل ذلك يشكّل صور من المقاومة رفقة أهلينا في قطاع غزة.