15-فبراير-2023
علي فارس

عون الحماية علي فارس حظي باستقبال خاص لدى وصلوه لأرض الوطن (الصورة: فيسبوك)

"كان يتشبّث بي، متّكئا على صدر والدته المتوفاة، نظرته البريئة وسط ركام منزل عائلته، جعلتني أعقد العزم ألّا أخرج إلا وهو معي، ينجو معي أو أموت معه"، هكذا وصف، علي فارس، عون الحماية المدنية الذي أنقذ طفلًا تركيًا من تحت الأنقاض، واجتاح فيديو عملية الإنقاذ مواقع التواصل الاجتماعي.

عون الحماية المدنية علي فارس: بكيت بعد إخراج الطفل من تحت الردوم لأن الموقف إنساني ولا يُقاوم

كانت الدموع تحاول أن تسبق كلمات فارس وهو يروي كيف تمكّن من إخراج الفتى ومنحه "عمرًا جديدًا"، بعد أن فقد عائلته في الزلزال المدمّر الذي ضرب مدينة أديمان التركية.

يقول فارس: "كنّا نقوم بعملية الإنقاذ، والبحث عن الجثث أو الأحياء تحت الأنقاض، فسمعت صوتًا قادمًا من تحت الردوم؛ كان عمر الطفل لا يتعدى أربعة سنوات، في مكان كان أشبه بالمغارة، لم يستطع أحد الدخول إلى هناك، فمدخل المغارة كان ضيّقا للغاية".

يُواصل فارس سرد مغامرته "عندما وصلت للمكان، وقفت على صورة مؤثرة، طفل صغير يبكي أمام جثة أمه، كان عالقًا لا يستطيع التحرك، أعاقه جدار منهار وخزانة سقطت أمامه، كان عليّ التصرف بسرعة وحذر، فأي حركة زائدة قد تكلّفتي حياتي وحياة الطفل".

حين أمسك فارس بيد الطفل الصغير، ناوله مصلًا، ويقول إنه "كان يشرب المصل بلهفة، لقد جائع وعطش"، وبدأ "بطل ملائكة الأرض" يزيح ما يُعيق خروج الطفل، ليردف: "كلّما أوجعه شيء ما يمسك بوجهي، لقد كنت أرى فيه صورة ولدي."

هنا يكمل بكلمات متقطّعة وهو يصف المشهد المؤثر، قلته له: "لا تخف يا بابا ستخرج معي أو أموت معك".

ليضيف: "كنت أخاطبه وكأنني والده، كنت أريد أن أشعره بالأمان، فأنا أعلم أن لا أحد تبقّى له، مات الجميع، والدته كانت جثة هامدة أمامه، وسقف المنزل كان قريبًا منا، كان من الممكن أن ينهار في أية لحظة".

يمضي فارس وعلامات التأثر بادية على وجهه "كان موقفًا صعبًا، أتمنى ألّا أعيشه مرّة ثانية، حين خرجت من المبنى والطفل حيّ بين يدي شعرت وأنّها لحظة ميلادي من جديد، لقد غلبتني دموع الفرحة في تلك اللحظة، لقد كانت لحظة إنسانية لا يمكن وصفها".

يشرح المتحدث ذلك الموقف، فيقول: "عشت لحظات صعبة في حياتي المهنية، أنقذت أشخاصًا من قبل، في نفس المدينة أنقذت امرأتين، لكن ما عشته مع ذلك الفتي لا يُقاوم، حتى بعد إخراجي له، أردته أن يبقى معي، لقد كان وجهه بريئًا مُنيرًا، لا تكفي الكلمات لوصف ما عشته".

لقد منحت صعوبة المسلك المؤدي لمكان وجود الطفل وعائلته، وكذا وجه الطفل الباكي لحظة إنسانية ومهنية لن ينساها فارس، الذي أوضح أنه وجد جثة والدة الطفل في حالة تدّل أنّ الوفاة كانت منذ يومين أو ثلاثة.

وعن مهمة الحماية المدنية في مدينة أديامان التركية قال فارس إن البعثة الجزائرية كانت تعمل ليل نهار، مؤكدًا: "لم نكن ننام ولا نستريح، كنّا نعاني من بعض الضغط، وواجهنا صعوبات في التواصل باللغة التركية رغم مساعدة بعض السوريين الذين كانوا يجيدونها".

وختم فارس كلامه موجهًا نصيحة لمن استقبلوه في قاعدة بوفاريك، بالبليدة، "عليكم الافتخار بأنكم جزائريين، لقد أظهرنا للعالم شهامتنا ورجولتنا".

ووصل الفوج الثاني من بعثة الحماية إلى أرض الوطن بعد إنهاء مهام الإنقاذ في الأراضي التركية، حيث أرسلت الجزائر إلى هناك فريقًا متكونًا من 89 عونًا من مختلف الرتب بينهم أطباء وممرضون.