12-يونيو-2021

ساحة موريس أودان بالعاصمة (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

في مقابلة صحافية مع قناة "الجزيرة"، ذكر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن 13 مليون جزائري أنقذوا البلاد من تمديد العهدة الرئاسية الرابعة لفائدة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، منوهًا بدور الحراك الشعبي "الأصيل"، في قطع الطريق أمام الترشح لعهدة رئاسية خامسة، اعتراف برقم مهم جدًا في السياسة والقراءة الإعلامية الكمية لعدد من الجزائريين الذي خرجوا للشارع رفضًا لبقاء بوتفليقة في سدّة الحكم، وتمدّد وتوسّع العصابة التي نهبت البلاد وأخذت المليارات على حدّ تعبير نزيل قصر المرادية بالعاصمة الجزائرية.

السلطة تعترف بالحراك الذي أطاح بالرئيس السابق وليس الحراك الذي يتواصل اليوم

الملفِت أن الرّئيس تبّون منذ ترشّحه للانتخابات الرئاسية، كمترشح حرّ، وخلال تصريحاته عقب فوزه بكرسي الرئاسة، وخلال لقاءاته الصحفية مع مختلف الفعاليات الإعلامية الجزائرية، لم يتوان عن ذِكر الحراك الشعبي "بخير"، محاولة منه لتسويق خطاب سياسي مبني على استقطاب فعاليات الحراك ومكوناته، رابِطًا هذا الحدث الثّوري بـ "الأصيل"، وهو ما يعني اعتراف السلطة بالحراك الذي أطاح بالرئيس السابق وليس الحراك الذي يتواصل اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: الرئيس تبون يدعو إلى اللاتزام بإجراءات الوقاية في عيد الفطر

الأرقام والسياسة

بين السياسي والإعلامي، جدلية متداخلة ومتشابكة حينًا، ومعقّدة أحيانًا أخرى، لذا فإنّ الملفِت للنّظر أن الرئيس تبون ذكر رقمًا، كثيرًا ما تحاشى الإعلام ذِكره، في نظرة أحادية التّفكير، وأحادية الاتّجاه، ونقصد هنا الإعلام التقليدي ما بين (التلفزيون الحكومي والخاص)، في المقابل كانت الصفحات الفيسبوكية سواءً تابعة لأشخاص من المشاركين في الحراك من أساتذة، وكوادر قانونية وحقوقية وإعلامية، وسياسية، أو لإعلاميين لم تسعهم مؤسّساتهم في إبداء موقفهم الفعلي داخل تلك المؤسّسات، فكانت الشبكة العنكبوتية الملاذ الوحيد، في مثل هكذا بيئة سياسية متحرِّكة، فكان الحديث عن الملايين الذين خرجوا للشوارع في الحراك الشعبي، وظلّوا يشاركون في تلك المسيرات، باختلاف الموقف حيالها.

وإضافة إلى ذلك، الشّيء الذي يستدعي النظر أيضًا من وراء تصريحات تبون، أنه شدد على أن "الحراك أنقذ الدولة من الذّوبان"، وأنه "بفضل وعي الشعب تجاوزت الجزائر مرحلة الخطر"، عبارات صنعت من الحراك بطل، والشعب البطل، وأن على المنظومة السياسية الحاكمة أن تتعامل مع الحراكيين، على أنه نَفس ثوري يستحقّ التثمين، نفس قاد   والانخراط في مكونات سياسية تطالب بالتغيير.

لكن لا بدّ من التوقف عند "مرحلة الخطر" فهل التغيير حصل فعليًا؟ أم بعبارة أخرى يأت على عجل، أم أنّ التغيير الذي يتطلب حسب مختلف الحساسيات والآراء وخبراء السياسة والاقتصادي يبنى على أسس قوامها حرية التعبير، وإرخاء الحبل للحرية التعبير كمتنفس يوحي بأنّ فترة التخندق السياسي والإعلامي والنّظرة الواحدة"، قد ولت، وأن الواجهة السياسية التي سيطرت على البلد لفترة عقدين من منظومة بوتفليقة، وجب تفكيكها على مهل.   

رسائل الحراك

خلال 117 أسبوعًا من الحراك الشعبي، كانت وسائل الإعلام الجزائرية (التلفزيونات العمومية والخاصة) ومختلف المنصّات الإخبارية المكتوبة والرّقمية، تتورّع من ذكر الأرقام المتعلقة بالمسيرات والمظاهرات عبر مختلف الولايات، إذ اكتفت شبكات التواصل الاجتماعي بذلك، وهو ما يثار في كل جمعة من المسيرات الشعبية.

حقيقة لا مفرّ منها أن الإعلام الجزائري عمومًا، سادت بين قنواته على اختلاف مشاربها الفكرية والمالية، مراوحته بين شدّ الشارع الذي فَرض نفسه بإلحاح على ما تبثه القنوات وتنشره الصحف، وبين جذب السلطة التي توجه رسائل واضحة أحيانًا قليلة ومتوارية الفكرة أحيانا كثيرة، في رسائل لا يمكن أن تفي الغرض في التقليل من حجم الفعل السياسي في الفضاء العام، كما قال أستاذ العلوم السياسية عبد الكريم عوابدية لـ"الترا جزائر" معتبرا أنه في تقديره البحثي حيال اتجاهات الاعلام فترة الحراك الشعبي، وعلى مدار سنتين فإنه "بين المليونية، والآلاف والمئات والعشرات من الجزائريين، ممن خرجوا للتظاهر، إحصائيات تُظهِر بَوْن شاسع، في تحسّس مدى تأثير الاحتجاجات، بين "الملايين وبعض العشرات"، تزييف لحقيقة مفادها أنّ الجزائريين يريدون التغيير لكن ليس بنفس المنظور وبنفس الطريقة والوسيلة، على حدّ تعبيره.

كما لفت الباحث عوابدية أن مساحة تقزيم أفردتها البعض من وسائل الإعلام التي اكتفت بـ"العشرات" من الجزائريين خرجوا للمسيرات، تفيد أنّ السلطة لا تريد قراءة الواقع الحقيقي، على اختلاف أطروحاته، مشددًا على أن الرقم في حدّ ذاته علامة دالة على أنّ الحدث الثوري لازال يلقي بظلاله إلى يومنا هذا، حتى وإن تعاملت السلطة مع المسيرات بالقمع والتضييق والمنع، كما هو حاصِل مؤخرًا.

في الشقّ الإعلامي دائمًا، لا يمكن إفلات تحولات شهدتها التغطية الإعلامية لهذا الحدث المهم، كل يوم الجمعة دومًا، حتى وإن تباينت الشّعارات المرفوعة، واختلفت توجهات المتظاهرين ودواعيهم وخلفياتهم، إذ تشير بعض التصريحات رصدتها "الترا جزائر"، إلى أنّ المواقف اختلفت حتّى بين المؤسّسات الإعلامية التي غطّت بعض المسيرات، وأخرى شاحت بعدساتها عن التغطية الإعلامية للمسيرات، أو تغطية مُركّزة على البعض من الشعارات، ومُتجاهلة البعض الآخر.

بناءً على ما تقدم، يمكن القول إن مواقف الإعلام الجزائري، تنقسم إلى نوعين، أو صنفين؛ صنف يلتزم الحياد والترقّب تارة واللامبالاة والتّغافل تارة أخرى، وتمثل هذا الاعلام العمومي من تلفزيون بقنواته المتعددة، والإذاعة الوطنية، وواكبته القنوات الخاصّة.

بينما كان تجاوب الإعلام الممثل في القنوات الخاصّة، مع النَّفَس الثوري في الشارع، تدريجيًا، أو بالأحرى تصاعديا، بمِنوال بطيء يتأهب للتغيرات الحاصلة في الشارع الجزائري، لكنه بنظرة أحادية ومن زاوية واحدة ووحيدة.

تعتقد الأستاذة الباحثة سعاد بن عميرة، أن الإعلام يعيش حالة ترقُّب لوُضُوح الرُؤية في المشهد السياسي العامّ، حتى لا يكون موقِفه مضطربًا أو مُناقِضًا لما يأتي من تغيّرات في مسار الحراك الاحتجاجي.

وقالت الأستاذة بن عميرة في حديثها لـ "الترا جزائر" أن الملاحظ من زاوية أخرى، للمشهد عمومًا أن التّفاعل مع الأحداث عبر منصات التواصل الاجتماعي، كانت متنفّسًا للكثيرين من الإعلاميين ممن تمنعهم المؤسّسات الصحافية من التعبير عن آراءهم بموضوعية، وهو ما أصبح يعوض القطاع الإعلامي التقليدي، بتفاعل مع الحدث الجزائري متنامي ويضارع الأحداث وتطوّرها.

في النهاية، فإنّ الإعلام "البديل" رغم كلّ سلبياته، تمكّن من صنع "رأي الجماهير، على اختلاف الفئات العمرية والخلفيات الفكرية، وتوجهاتهم، وهو ما سيحدث تأثير في أي مواعيد سياسية كبرى، تشهدها الجزائر".

لا أحد ينكر دور الحراك الشعبي، في إخراج الكثير من "الإرث الثقيل المتراكم من منظومة حكم الرئيس بوتفليقة، غير أن اتضح أن الأزمة والاحتجاجات"، غير كافية لتحقيق أهداف التغيير أو الانتقال من مرحلة إلى أخرى، إذ قَدَّر أستاذ علم الاجتماعي السياسي نور الدين بكيس أزيد من 10 آلاف احتجاج سنويًا تشهده الجزائر، و"لم يحدث التغيير على الأقل في الجانب الاقتصادي"، على حدّ تعبيره.

وتجاوز الأستاذ بكيس إلى الحديث عن تنامي الحراك الاجتماعي الاقتصادي، لكنه " دون عنوان ماعدا البحث عن تحسين الظروف المعيشية والوضع الخاص دون الاكتراث لخطورة السياق"، متسائلا:" هل فكر المحتجون في انعكاسات ذلك على مسار التدافع السياسي الذي استثمر فيه المحتجون سنوات لحدّ الآن من الاحتجاج؟

كما ذهب المتحدث إلى إمكانية توظيف هذه الاحتجاجات المطلبية الاجتماعية والمهنية في خانة الحراك المستنزف للتدافع السياسي خاصة أمام حكومة منتهية سياسيا و وظيفيا".

ولكل تغيير مسارات وجب أن يسلكها، إذ طرح الأستاذ بكيس خيارين إثنين لمسار التغيير وهما: أولًا اعتماد تدافع سياسي نخضعه للمتطلبات التنظيمية والوظيفية بعيدا عن الانكفاء في صورة كتلة تذمر واعتراض، أما الثاني، فهو بديل عن عسر التدافع السياسي، بعث حراك مطلبي بعنوان سوسيو-اقتصادي كآلية للبناء له دور في التغيير.

يبدو جيدًا أن التغيير لن يكون وصفة سحرية يقدمها أي طرف من الأطراف المشاركة في الحراك الشعبي

يبدو جيدًا أن التغيير لن يكون وصفة سحرية يقدمها أي طرف من الأطراف المشاركة في الحراك الشعبي، ولا السلطة السياسية، خصوصًا وأننا أمام حقيقة وواقع اجتماعي يفرض الكثير من القرارات، وسيعيد عجلة المطلبية الاجتماعية والاقتصادية للواجهة، إذ أنّ الجزائريون استوعبوا الدرس جيًدا، في علاقة بظروف المعيشة وضرورة استجابة السلطة لها، أمام تآكل المقدرات المالية للخزينة العمومية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الرئاسة تنفي الشائعات وتؤكد تحسّن صحّة تبون

حزب العمال: ظهور الرئيس تبون غير مطمئن