22-سبتمبر-2022

في مصنع تركيب السيارات بالجزائر (تصوير: فاروق باتيش/ أ.ف.ب)

يردد وزير الصناعة الجزائري أحمد زغدار في معظم تصريحاته أن 2022 ستكون سنة صناعية بامتياز، من خلال إعادة بعث هذا القطاع الذي لم يستطع النهوض من مكانه رغم الأسس التي بني عليها في السبعينات، من خلال اهتمام الحكومة بالصناعات الثقيلة، إلا أن تلك التجربة فشلت، وفشلت بعدها برامج المبادرات الخاصة في هذا المجال، فهل تستطيع الحكومة بعد 60 سنة من المحاولات بعث صناعة حقيقية تساهم في التخلص من التبعية لتقلبات سعر برميل النفط؟

وزير الصناعة الجزائري أحمد زغدار كان يردد في معظم تصريحاته أن 2022 ستكون سنة صناعية بامتياز

ورغم المشاكل التي تعرفها مختلف فروع قطاع الصناعة في الجزائر كالسيارات والصناعات الإلكترونية وغيرهما، إلا أن الوزارة تصر على أن هذا العام سيكون صناعيا بامتياز، وذلك تماشيا مع تعهد الرئيس تبون بأن تكون 2022 سنة اقتصادية لتحقيق النمو والإقلاع الاقتصادي الحقيقي، لكن تحقيق ذلك لن يكون سهلا بالنظر إلى التأخر الذي عاشته ولا تزال تعيشه الصناعة الجزائرية.

تحدٍ قائم

جدد وزير الصناعة الأسبوع الماضي من بومرداس شرق العاصمة، تأكيده أن مصالحه تعمل على أن تكون 2022 سنة صناعية بامتياز، وهو خطاب صدر على لسانه في أكثر من مرة، ففي أيار/ ماي الماضي أكد أن القانون الجديد للاستثمار سيمكن من تحقيق هذه الغاية، كونه يهدف إلى إرساء مبدأ حرية الاستثمار والمبادرة، وتعزيز صلاحيات الشباك الموحد وتخفيض كبير لآجال معالجة ملفات الاستثمار،إضافة إلى تحفيزات لصالح الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي من شأنها خلق مناصب الشغل ونقل التكنولوجيا والخبرات.

و دعا زغدار إلى "العمل وفق مقاربة اقتصادية متكاملة قصد النهوض بالصناعة الجزائرية ببعديها العام والخاص، وتطويرها لتكون أساس التنمية الاقتصادية الحقيقية، خاصة وأن الجزائر تتوفر على قدرات مادية وبشرية تمكننا من رفع التحدي، وتساهم في خلق الثروة وامتصاص البطالة"ّ.

ويعتقد أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة عبد الصمد سعودي أن عمل وزارة الصناعة لتكون 2022 سنة اقتصادية مرتبط بالأساس بخطة الإنعاش الاقتصادي التي وضعها الرئيس تبون ليكون هذا العام اقتصاديا بامتياز، وذلك من خلال التركيز على الصناعات التحويلية وإعطائها أهمية في هذه الخطة الحكومية.

وأشار سعودي في حديثه مع "الترا جزائر" إلى أن "حرص الوزارة على أن تكون 2022 سنة صناعية يبرز في ثلاثة محاور، الأول يتعلق بتفعيل المؤسسات الكبرى، بالعمل على إعادة إطلاق المؤسسات التي كانت فخر الصناعة في السبعينات، وهي خطوة إيجابية تستحق التثمين"، مضيفا أن المحور الثاني يتمثل في  "محاولة تذليل العقار الصناعي أمام المستثمرين الحقيقيين وليس الوهميين".

وأمر الرئيس تبون في أخر اجتماع لمجلس الوزراء بضرورة إحصاء العقار الصناعي وتوجيه الاستفادة منه، لمستحقيه.

قانون جديد

أما المحور الثالث فيتمثل في قانون الاستثمار الجديد الذي له عدة مزايا، حسب سعودي، وبالخصوص أن الرئيس تبون كان قد أشار إلى أن تعديله لن يكون قبل 10 سنوات، ما يعني استقرار المنظومة التشريعية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

 وبين أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة أن قانون الاستثمار نص على نظام الشباك الوحيد  الذي سيساعد في إرساء الشفافية،والذي ينتظر أن يفعل قبل نهاية الشهر الجاري، إضافة إلى أن تفعيل لجنة طعن تكون على مستوى رئاسة الجمهورية من شانه وقف الإجراءات البيروقراطية، وإرساء عدة معالم للشفافية لتحقيق دراسة واقعية للمشاريع الاستثمارية.

وبالنسبة لوزير الصناعة، فإن الجزائر ستكون "قبلة للمستثمرين المحليين والأجانب بفضل التحفيزات المختلفة التي تضمنها قانون الاستثمار الجديد, بما فيها المرافقة المستمرة التي ستضمنها الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار".

وقال زغدار في تصريحات سابقة أن قانون الاستثمار الجديد "جاء بمبادئ حرية الاستثمار يستفيد من خلاله المستثمرون من مرافقة من قبل الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار والمجلس الوطني للاستثمار الذي تم تحديد صلاحياته الإستراتيجية من خلال القانون".

تجارب فاشلة

لا تستطيع الإجراءات التي حملها قانون الاستثمار الجديد التغطية على حقيقة واقعة، وهي فشل مختلف السياسات الصناعية التي اعتمدتها البلاد سابقًا، وذلك بالنظر إلى الممارسات غير المجدية للأفراد  المعنيين بهذا القطاع والفساد الذي احتكموا له لتسيير قطاع هو عصب تطوير اقتصاد البلاد، لذلك فإن الأمر في الجزائر لا يتعلق بالدرجة الأولى بفعالية القوانين أو قصورها، رغم أهمية التشريعات في تسهيل الاستثمار الصناعي وخلق محيط يوفر مرونة في جلب رأس المال الخاص والأجنبي.

وما يؤكد حجم الفساد الذي نخر قطاع الصناعة، هو ما شهدته المحاكم من إدانات بالجملة بالجملة لمسؤلين سامين في وزارة الصناعة، وفي مقدمتهم رؤساء حكومة ووزراء سابقون كعبد السلام بوشوارب ويوسف يوسفي وجميلة تمازيرت الذين صدرت في حقهم أحكام بالسجن.

وتسبب هذا الفساد المتراكم في تراجع أداء قطاع الصناعة بالجزائر رغم القاعدة المتينة التي بنيت عليها هذه الصناعات في السبعينات، فسياسة إضعاف المؤسسات العمومية التي اعتمدها الوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى عبر قانون الخوصصة الذي طبق في التسعينات وبيعت بموجبه المؤسسات العمومية بالدينار الرمزي، وقضت هذه الإجراءات على أهم الشركات العاملة في قطاع الصناعة، وما بقي منها لازال معظمه يترنح كمركب الحجار، ولم تسلم من تبعات هذه السياسة إلا مؤسسات قليلة.

بقعة ضوء

لكن رغم هذه التجارب الفاشلة، إلا أنه لا يمكن رسم صورة سوداء على قطاع الصناعة بالكامل، فالجزائر استطاعت أن يكون لها ايم اليوم في الصناعة الطاقوية والبتروكيماوية، وتخط اليوم طريقها في مجال الحديد والصلب بالتعاون مع شركاء أجانب كتركيا وقطر، إضافة إلى أن الصناعات الإلكترونية والغذائية ورغم الانتقادات التي توجه لها إلا أنها تظلّ تحقق نتائج إيجابية في هذا المجال.

ورغم بقاء سيطرة الحكومة على القطاع الصناعي، خاصة تلك المرتبطة بالمجالات الإستراتيجية، إلا أن القطاع الخاص يساهم اليوم في الإنتاج الوطني بحوالي 40 بالمائة، وهو رقم مرشح للارتفاع في حال مالتزمت الحكومة بتنفيذ وعودها، وتطبيق ما جاء في قانون الاستثمار الجديد.

من المؤكّد اليوم أن إنجاح قطاع الصناعة لا يعد تحديا وزاريا فقط، إنما هو رهان للسلطات العليا في البلاد بكاملها، بدءًا بالرئيس تبون الذي وعد بأن تكون هذه السنة اقتصادية بامتياز، لذلك حرص على رفع العراقيل عن المشروعات الاستثمارية، وهو ما سمح بإعادة إطلاق ما يقارب ألف مشروع استثماري كان معلقًا، علما أن الهدف المحدد هو رفع مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الخام  إلى 15 بالمائة في السنوات القادمة، وفق ما ذكر تقرير لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.

ولتحقيق هذا الهدف، يرى الأستاذ عبد الصمد سعودي  أن على الحكومة التركيز على شعب معينة، كالصناعات البتروكيماية التي ساهمت في السداسي الاول من العام الحالي بقرابة ملياري دولار خارج المحروقات، ثم الصناعات الكبرى مثل الحديد والمناجم والفوسفات والصناعات التحويلية الغذائية.

هناك توجهٌ للحكومة إلى دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة اقتداءً بالنموذج الإيطالي 

وإضافة إلى هذه القطاعات الكبرى في المجال الصناعي، تعمل الحكومة أيضًا على تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، من خلال دعم المؤسسات الشبابية والناشئة اقتداء بالنموذج الإيطالي الذي يقول الرئيس تبون إنه الأقرب للاقتصاد الجزائري، وهو الهدف الذي لن يتحقق إلا بمعالجة أزمة الصناعة في الجزائر من خلال نظرة كلية للاقتصاد تعالج فيه السياسات المورثة عن تجارب سابقة فاشلة، وتستطيع التخلص من بيروقراطية الإداري الجزائري، الذي يعمل في الغالب على كبح أي مبادرة خاصة دون مراعاة الجوانب الاقتصادية لهذه المبادرات.