29-يونيو-2022

(تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

رغم إعلان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال افتتاحه ندوة الإنعاش الصناعي يوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2021، أن سنة 2022 ستكون "سنة اقتصادية بامتياز"، وستشهد التطبيق الفعلي لبرنامج الإنعاش الاقتصادي، إلا أن هذه التصريحات ارتطمت بتأخّر صدور القوانين وثقل تطبيق الإجراءات ميدانيًا، فانقضت ستة أشهر من السنة دون أن تتحدد ملامح "العام الاقتصادي".

تشهد مشاريع تركيب واستيراد السيارات تأخرًا كبيرًا بات يثير الشكوك

وبقيت خطط التنمية الاقتصادية في الجزائر طيلة النصف الأول من سنة 2022 رهينة سبعة نصوص تشريعية ودفاتر شروط، لا تزال حبيسة أدراج وزارات المالية والتجارة والصناعة والطاقات المتجددة.

ويخضع قانون الاستثمار المثير للجدل، اليوم للمناقشة على مستوى مجلس الأمة، كما لا يزال قانوني الصفقات العمومية والشراكة بين القطاعين العام والخاص، محلّ استشارة لدى مؤسّسات الدولة رغم جاهزيتهما للعرض مطلع السنة، وضرورة الشروع في تطبيق المواد التي سيأتيان بها بشكل استعجالي.

ولم يخرج دفتر شروط مشروع "سولار" لإنتاج 1000 ميغاواط من الكهرباء عبر الطاقة الشمسية عن هذا السياق، حيث لا يزال هذا الأخير  ينتظر استكمال خطوة إيداع العروض بعد انتهاء مرحلة سحب دفتر الشروط للشركات المهتمة.

الشيء نفسه، بالنسبة لمشروع الوكالة الوطنية للعقار الصناعي الذي لا يزال في مرحلة الإعداد من طرف وزارة الصناعة ويرتقب عرضه قريبا على رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الوزراء، ومشروع قانون المالية التكميلي الذي يفترض أن يتدارك الهفوات المسجلة في مشروع قانون المالية لسنة 2022، حيث لم يعرض هذا الأخير على مجلس الوزراء إلى اليوم، رغم أن كافة التسريبات تؤكد أنه جاهز، وكذا مشروع قانون القرض والنقد.

في نهاية الأمر، تشهد مشاريع تركيب واستيراد السيارات تأخرًا كبيرًا بات يثير الشكوك، ورغم أن وسائل النقل تكتسي أهمية كبرى في الاستثمار، إلا أن المشروع لا يزال عالقًا منذ سنتين في مرحلة إعادة صياغة دفاتر الشروط.

خطط متفائلة بقيت حبيسة الأدراج

ويرى رئيس لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني بخوش الصديق في تصريح لـ "الترا جزائر" أن كل دول العالم عرفت تراجعًا في النمو الاقتصادي، جراء الأزمة الصحية لفيروس كورونا التي انجر عنها  تراجع النشاط التجاري والصناعي والفلاحي، نتيجة إجراءات الحجر الصحي طيلة سنتين من الزمن.

ويؤكد بخوش، أن الأمر لم يكن مختلفًا بالنسبة للجزائر، التي يبقى بيد السلطات اليوم،  تدارك الخطط الاقتصادية المتأخرة، بعد الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط والغاز، لتحقيق خطوة معتبرة في مخطط الانعاش الاقتصادي.

ويضيف رئيس لجنة المالية، أن جلّ المشاريع المتعطلة، ترتبط بتأخر صدور الإطار القانوني المنظم لها، كما أن إجراء تعديل على القوانين يستغرق وقتا طويلا، بسبب التراكمات السابقة، في حين أن كل قانون محل إعداد، يتداخل مع القوانين الأخرى.من جهته يؤكد الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي في تصريح لـ"الترا جزائر" أن تدارك التأخر المسجل، يفرض تغيير منطق عمل الأجهزة والوزارات المكلفة بإعداد هذه القوانين، وضرب مثالًا بقانون الاستثمار الذي شهد قراءات متكررة، ولم يصدر في نسخته النهائية إلى اليوم بعد قرابة ثلاث سنوات من الشروع في إعداده، حيث يتواجد حاليًا على طاولة مجلس الأمة.

وذهب الخبير أبعد من ذلك مصرحًا: "منظومة تحضير القوانين في الجزائر ليست بالفعالية ولا المستوى المطلوب، إذا استمر الوضع بنفس وتيرة النشاط الحالية، سنشهد تأخرًا إضافيًا، فليس من المنطقي استغراق سنوات في مجرد تحضير نص قانوني".

وحمل المتحدث الإدارة جزءًا كبيرًا من المسؤولية في تعطل المشاريع بسبب البيروقراطية، داعيًا إلى تقريب وجهات النظر بين القطاعات الوزارية، والإسراع في الإفراج عن النصوص التطبيقية العالقة، وبرمجة تورايخ محددة لانجاز المشاريع.

30 بالمائة من البرامج الاقتصادية تجسدت

وبالنسبة للمخططات الاقتصادية التي شهدت قفزة نوعية من حيث الأداء والنتائج، وفق كاوبي  فترتبط أساسًا بإعادة النظر في ملف التحويلات الاجتماعية الذي شهد أوّل خطوة عبر استدعاء المعنيين بالدراسة التي ستمس الأسر والمواد المدرجة في قائمة الدعم، والتي يرتقب أن يتبعها إصلاحات مهمة.

إضافة إلى إعادة بعث بعض المشاريع المعطلة بالولايات والتي قاربت 1000 مشروع مما سمح بخلق أزيد من 50 ألف منصب شغل.

وقيم المتحدث أداء الحكومة للخطط المرسومة من قبل الرئيس، بتنفيذ فقط 30 بالمائة مما برمج إلى غاية شهر حزيران/جوان الحالي.

وختم المتحدث قوله: "الحقيقة لا توجد إنجازات فعلية على أرض الواقع، وتلك التي يتم الترويج لها ليست بالزخم الكبير  المثار حولها، فالمطلوب اليوم هو الإسراع في وتيرة الإصلاحات".

ويؤكّد مراقبون أن العديد من المشاريع في قطاع المناجم عرفت تقدما بارزا، خلال النصف الأول من سنة 2022 على غرار تلك المرتبطة بالفوسفات والحديد بالشرق الجزائري، ومنجم غار جبيلات، اللذان شهدا تقدمًا ملحوظًا وخطوات متسارعة ويرتقب استكمال أشغالهما قبل نهاية السنة.

أما الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي، فيؤكد في تصريح لـ"الترا جزائر" أنه من بين الملفات التي رأت النور، في النصف الأول من السنة الجارية هو إحصاء شامل لقدرات ووضعية المؤسسات العمومية عبر الوقوف على 81 مؤسسة بين متوقفة ومتعثرة، أعطى الرئيس تبون تعليمات بإعادة تشخيص وضعيتها، وأيضا منحة البطالة التي تحمل ظاهريا طابعا اجتماعيا، إلا أن جانبها الخفي، يكشف عن مزايا اقتصادية، لإنعاش وضعية الأسر الجزائرية وبالتالي، تحريك عمليات البيع والشراء داخل الوطن وإنعاش نشاطات التجار.

كما يؤكّد الحيدوسي، أن مجرد الشروع في إعداد ومناقشة قوانين الاستثمار والقرض والنقد، تعد خطوة هامة تنتظر الاستكمال قبل نفاذ ما بقي من أشهر في سنة 2022.

الاستدراك.. صعب لكن ممكن

وبالرغم من التعطل المسجل في الاستثمار، إلا أن تدارك الوضع يبقى متاحًاوممكنًا، شريطة تجاوز العقبات الإدارية والبيروقراطية، للتمكن من تحقيق هدف السنة الاقتصادية بامتياز، في ستة أشهر فقط _ أي قبل 31 كانون الأول/ ديسمبر 2022 _ .

وفي سياق الحلول المتاحة، يؤكد رئيس المركز العربي الإفريقي للاستثمار  والتطوير أمين بوطالبي في إفادة لـ"الترا جزائر" أن ستة أشهر الأولى من العام، كانت إدارية بامتياز بهدف التركيز على إصدار القوانين.

ويعتبر أن الأشهر الستة المتبقية، ستعرف انطلاقة اقتصادية فعلية، تبرز بشكل جلي شهر أيلول/سبتمبر المقبل، حيث سيواصل الرئيس عبد المجيد تبون خلال هذه الصائفة، خرجاته الدولية التي تعد أحد أهدافها، تحريك الدبلوماسية الاقتصادية، وستكون الوجهة المقبلة للرئيس روسيا والصين، اللتان يمثلان دفعًا قويًا للاقتصاد الجزائري.

ويعتبر المتحدث أنه "رغم تأخّر قانون الاستثمار وتعطله لثلاث سنوات، إلا أن هذا النص يفترض أن يكون متكاملًا وبعيد الأمد وصالحًا للسنوات المقبلة وثابتا ومحفزا وجذابا"، مرجعا التأخر المسجل في الأشهر الماضية، إلى البيروقراطية الإدارية التي تعرقل الاستثمار.

ويؤكد بوطالبي أن الحل هو تسريع عملية إصدار القوانين والنصوص التطبيقية، والتوجه الفوري نحو التنفيذ مباشرة كي تتجسد المشاريع على أرض الواقع، ولا تبقى مجرد "حبر على ورق".

انشغال رئيس الجمهورية بملفات سياسية وإصلاحات مؤسساتية أرجأ الاصلاحات الاقتصادية

وفي الأخير، ورغم تركيز الرئيس تبون عند انتخابه شهر كانون الأول/ ديسمبر 2019 على تحريك عجلة الاقتصاد، لكن انشغاله بملفات سياسية وإصلاحات مؤسساتية، وانتخابات برلمانية ومحلية وتعديل الدستور،  أرجأ الاصلاحات الاقتصادية إلى النصف الثاني من عهدته الرئاسية.