اضطرت الثلاثينية سهيلة للخضوع لعملية جراحية على مستوى الأنف قبل سنتين في عيادة خاصة بالعاصمة الجزائر، رغم الوضع المادي المتواضع لأسرتها، وذلك بالنظر إلى أن إجراء هذه العملية في مستشفى عمومي لم يكن واضحا جراء الوعود الكثيرة التي تلقتها دون تحديد موعد، في حالة تتكرر مع كثير من المواطنين الذين يفضلون اللجوء للتداوي في مستشفيات خاصة التي بدأت تتضاعف بشكل لافت في السنوات الأخيرة رغم اتهامها أحيانا بتغليبها الهدف المادي على الجانب العلاجي.
حسب المدير المركزي بوزارة الصحة، إلياس رحال، فإن الجزائر عرفت فتح 60 مفتشا خاصا في السنوات الأربع الأخيرة، ليرتفع عدد الإجمالي للمؤسسات الاستشفائية الخاصة اليوم إلى 300 مستشفى .
وبرأي متابعين، فإنه بعد مرور أكثر من 36 سنة على صدور القانون 88/15 الذي فتح الباب لإنشاء عيادات استشفائية خاصة، فإن الناشطين في هذا المجال من حكومة وخواص مدعوون لتقييم دور القطاع الخاص في المنظومة الصحية الجزائرية سواء من الناحية العلاجية أو الاقتصادية بما أنه يظل في الأول والأخير استثمار يظل من بين أهدافه الرئاسية الكسب المالي، لكن مع ضرورة النظر في مستوى مساهمته في فتح تخصصات جديدة تقلل من الضغط الملقى على المستشفيات العمومية وكذا التقليل من لجوء الجزائريين أحيانا للعلاج في الخارج، بسبب عدم توفر ما يستحقونه داخل البلاد.
نمو
حسب المدير المركزي بوزارة الصحة، إلياس رحال، فإن الجزائر عرفت فتح 60 مفتشا خاصا في السنوات الأربع الأخيرة، ليرتفع عدد الإجمالي للمؤسسات الاستشفائية الخاصة اليوم إلى 300 مستشفى .
وتظهر هذه الأرقام أن خمس المستشفيات الخاصة في الجزائر أنشئت في السنوات الأربع الأخيرة، ما يعني أن النمو الذي شهدته هذه الفترة لافتا مقارنة بالعقود الثلاثة الماضية منذ بدء الترخيص لنشاط المستشفيات غير العمومية.
وأشار رحال إلى امتلاك الجزائر أيضا ما لا يقلّ عن 320 مركزاً للتشخيص الطبي، وهو ما قد يساهم في السياحة العلاجية التي تطمح الحكومة لجعلها أحد القطاعات المساعدة في زيادة مداخيل البلاد، ضمن سياسة ترقية الاقتصاد خارج قطاع المحروقات.
وتعمل الحكومة على تطوير قطاع الصحة الخاص في جميع الولايات حتى الجنوبية منها التي تشكو قلة التكفل الصحي، لذلك أشار رحل إلى أن "ولاية بشار ستُحظى بمستشفى خاص بمعايير دولية، شأنها شأن ولاية قسنطينة، وذلك في إطار تدعيم جنوبنا الكبير".
وقال رئيس عمادة الأطباء الجزائريين الدكتور بقاط بركاني لـ"الترا جزائر" إنه لا بد من التفريق بين العيادات الخاصة التي تقدم خدمات التوليد والعمليات الجراحية، والمستشفى الذي هو أكثر من هذا حيث يظم هياكل مختلف كالإنعاش ومخابر واستعجالات وعدة تخصصات.
لذلك يرى أنه لا بد من التدقيق أكثر في هذا الشأن، لأنه يرى ان بعض الاستثمارات الخاصة التي تقول أنها أنشأت مستشفى لا تتوفر على هذه المعايير التي تسمح لمؤسستها الصحية بأن تطلق عليها هذه الصفة.
إعادة تنظيم
ويرى بقاط بركاني أن تطوير القطاع الخاص في الجزائر يحتاج إلى إعادة ضبط قواعد النشاط، بحيث تكون واضحة وخاصة بهذا المجال الذي يختلف عن باقي النشاطات الاقتصادية الأخرى، مبينا أنه من الضروري معالجة النقاط السوداء التي تطبع هذا النشاط، وجعلت يبدو في صورة فوضوية.
وجاء في المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحق الجميع في التمتع بأعلي مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية دينيوس بوراس الذي زار الجزائر في الفترة ما بين 27 إبريل إلى 10 مايو 2016 ، أن " انخفاض جودة الرعاية المقدمة في القطاع العام تسبب بنمو القطاع الخاص بشكل متسارع وغير منظم مما أدى إلى خلق نظام يوفر نوعية أفضل من الرعاية بالنسبة للفئة القادرة على الدفع نقداً مما يؤدي إلى زيادة انعدام المساواة في الوصول إلى الرعاية الصحية".
ويقر المتابعون لقطاع الصحة بهذا الواقع، إلا أنهم يؤكدون في الوقت ذاته أن الوضع تغير إلى الأحسن وبالخصوص بعد فترة كورونا، بالنظر إلى أن الصحة أصبحت من الأولويات عند الحكومة، من خلال إجراء التعاقد مع العيادات الخاصة التي أقرتها الدولة، وجعلت المواطن المؤمّن بإمكانه العلاج من بعض الأمراض في عيادات خاصة، منها على سبيل المثال عمليات التوليد، حيث تُمكّن اتفاقيات صندوق الضمان الاجتماعي المرأة الحامل من الولادة في عيادة خاصة بتكلفة منخفضة مقارنة بالتكاليف المعتمدة من قبل العيادات الخاصة، وهو ما قلل من الاكتظاظ التي كانت تعرفه أقسام التوليد بالمستشفيات، وساهم في الوقت ذاته بنمو الاستثمارات الخاصة في هذا المجال، بما أنه أصبح سوقا أحسن تنظيما مما كان عليه في العقدين الماضيين.
ودعا بقاط بركاني إلى توضيح عملية تعويض العلاج لدى القطاع الخاص من قبل مؤسسات الضمان الاجتماعي، وأن تدخل في هذا الشأن مؤسسات التأمين، لكي لا تتحمل الدولة وحدها هذه التكاليف، ويصبح المريض قادرا على دفع التكاليف من خلال الاشتراكات التي يدفعها مثلما يحدث بالنسبة للتامين على السيارات أو الممتلكات العقارية.
ويرى رئيس عمادة الأطباء الجزائريين أن تطوير الاستثمار الخاص يتطلب أيضا مساهمة البنوك في تمويل هذه المشاريع، وإعطاء الأولوية لها في منح القروض، لأن الأمر يتعلق بقطاع استعجالي، وذلك للمساهمة في مساعدة القطاع العمومي المنهك بالتوافد الكبير للمرضى عليه.
ويرى بقاط بركاني أنه من الضروري أن تضبط الدولة تكليف العلاج في القطاع الخاص وفق مؤشرات معينة ومعروفة متفق عليها من قبل الدارين بقطاع الصحة، مع تقديم تسهيلات للمستثمرين في المناطق النائية للتقليل من تنقلهم إلى المدن الكبرى، بهدف الحد من الضغط الذي تشهده المؤسسات الاستشفائية الكبرى، وفق ما بينه المتحدث ذاته الذي دعا أيضا إلى مراقبة وتحسين الأجور المتدنية التي يتلقاها بعض العاملين في العيادات الخاصة بهدف استقطاب الموظفين الأكفاء نحوها.
تقليص
رغم التحسن الذي عرفته خدمات بعض المؤسسات الاستشفائية الحكومية في السنوات الأخيرة بزيادة عدة الأطباء الأخصائيين وإضافة تجهيزات خاصة، إلا أن كثير من الجزائريين مازالوا مضطرين للسفر إلى الخارج للعلاج في ظل عدم توفره محليا.
وبالنسبة للدكتور بقاط بركاني، فإن القطاع الخاص في إمكانه التقليل من هذه الظاهرة بالعمل على توفير العلاج في بعض التخصصات غير الموجودة، والحد من تحويل العملة الصعبة للخارج بالنسبة للجزائريين الذين يضطرون للسفر في الخارج سواء في تونس أو تركيا أو بلد آخر.
وأشار بقاط بركاني إلى أن هذه الظاهرة من الممكن معالجتها بتعاقد العيادات الخاصة مع أطباء جزائريين في الخارج ليقدموا إلى بلادهم لمعالجة المرضى وفق عقد يضمن أجورهم التي يتلقونها في البلدان الأجنبية التي يقيمون بها عند إجراء عمليات جراجية في العيادات أو المستشفيات الخاصة في الجزائر.
بقاط بركاني لـ "الترا جزائر": القطاع الخاص في إمكانه التقليل من هذه الظاهرة بالعمل على توفير العلاج في بعض التخصصات غير الموجودة، والحد من تحويل العملة الصعبة للخارج
ودعا إلى تشجيع التقليص من تكلفة علاج الجزائريين في الخارج بوضع دفتر شروط يحقق شراكة حقيقية بين القطاعين العمومي والخاص لتمكين الجزائري من ضمانه الحصول على العلاج في بلاده بدون أن يحتاج للسفر إلى الخارج للتمكن من التمتع بالحق في التداوي الذي يضمنه له الدستور.
وبالنسبة للدكتور بقاط بركاني، فإن تطوير نشاط القطاع الخاص في مجال الصحة بالجزائر مربوط بتغير نظرة الحكومة إليه، بحيث تشمل النقاط الإيجابية التي تضمنها قانون الاستثمار الجديد قطاع الصحة أيضا ليصبح مدرا للثروة وضامنا في الوقت ذاته لعلاج فعال للجزائريين.