في الجزائر، إمّا أن تنتظر الموت أو تنتظر الموت، هي آخر العبارات التي يردّدها كثيرون من مرضى السرطان، ممن تشبّثوا بالأدوية والمسكِّنات، فلا عزاء لهم سوى انتظار جرعة الكيماوي، ووصول دورهم للعلاج في المستشفيات بعد طول انتظار.
وزير الصحة: الجزائر لا يُمكنها أن تقتني أدوية جديدة مبتكرة باهظة الثمن
عناء مضاعف يتكبّده مرضى السرطان، ألم المرض وألم الانتظار والمواعيد والإجراءات البيروقراطية، التي لا تراعي حالتهم الصحيّة ولا ظروفهم الاجتماعية.
اقرأ/ي أيضًا: سرطان الأطفال في الجزائر.. رحلة مع الضحايا
لا توجد أدوية
في الأيام القليلة الماضية، صدمت تصريحات وزير الصحّة والسكان عبد الرحمان بن بوزيد الجزائريين، بقوله إن "الجزائر لا يُمكنها أن تقتني أدوية جديدة مبتكرة باهظة الثمن، لعلاج مرضى السرطان في الوقت الحالي"، لأنّها تكلّف الخزينة العمومية الكثير، حسبه، وهو تبرير يخيف أكثر مما يطمئن.
وشدّد الوزير، على أنه من الضروري إيجاد خارطة صحيّة لـ "دراسة الحالات التي تحتاج إلى هذا النوع من الأدوية المبتكرة، والتي تقدم فعلًا إضافات للمريض في تحسين التكفّل به"، مشيرًا إلى أنها لا تُستعمل في جميع الأورام، حيث أثبتت بعض الأدوية نجاعتها في أنواع معيّنة مثل سرطان الرئة والجلد.
تبدو تصريحات وزير الصحّة، بعيدة كل البعد عن الواقع الصّعب للمرضى، رغم ما ترصده الحكومة الجزائرية من ميزانية ضخمة، لمكافحة مرض السّرطان، تقدّر بـ 61 مليار دينار سنويًا، وهو مبلغٌ ضخمٌ، فضلًا عن تجهيز 15 مركزًا مختصًّا لعلاج المرض، مرتكزة في عدد من ولايات الوطن، غير أن الأرقام وحدها لا تكفي لوضع الأصبع على الجرح، فكثيرون في القطاع يؤكّدون على أن الصحّة مريضة وتحتاج إلى "عملية جراحية دقيقة"، بينما يعتبر البعض أن الأمر مبالغٌ فيه، والجزائر رغم الإمكانيات المتاحة، لا يمكنها أن تلبّي الطلب الكبير على علاجات السرطان.
الواقع الذي لم ينزل إليه وزير الصحّة بعد، مازالت تزينه الأرقام وعدد الهياكل والأسرّة والتجهيزات في قطاع الصحّة، غير أن الآلام التي يتكبّدها المرضى أثناء البحث عن العلاج، والحصول على مواعيد في المراكز الاستشفائية، هي واقع آخر، يتعلّق بـ"سوء التسيير"، بحسب المختصّة في علاج الأورام الدكتورة دليلة بوحوش من مركز "بيار ماري كوري" بالجزائر العاصمة، موضّحة لـ "الترا جزائر"، أن مركز العلاج في أكبر مستشفيات العاصمة الجزائرية، بات وجهة لكل المرضى من كل الولايات، بعدما لم يجدوا علاجهم في مراكز مهيّأة للغرض نفسه، بالأدوية والكادر البشري، قريبة من مقرّ سكناهم مقارنة بهذا المركز.
أرقام مخيفة
في العاصمة وفي المدن الكبرى، لا تلبّي المراكز التي أعدّتها وزارة الصحّة لمكافحة مرض السرطان طلبات المرضى، إذ تصل مواعيد الاستقبال والعلاج إلى أزيد من خمسة أشهر، وقد تصل إلى عشرة أشهر أحيانًا، بحسب عائلات المرضى، معتبرين ذلك، تماطلًا لا يمكن الصبر عليه، خصوصًا في حالات جدّ معقّدة.
سبعة أشهر وأكثر من الانتظار، لتلقّي العلاج الكيميائي، هي مدّة طويلة جدًا، في طابور يضم العشرات بل المئات من المرضى، هم أيضًا في قوائم الانتظار، والبعض منهم يأملون في تلقي العلاج بعد شهرين على أقصى تقدير، بينما فقد كثيرون الأمل في ذلك.
هنا، تقول رئيسة جمعية الأمل لمساعدة المصابين بالسرطان، السيّدة حميدة كتاب، أن الوضع في مركز العلاج بالعاصمة، يُراوح مكانه منذ فترة طويلة، إذ باتت المواعيد الخاصّة بالعلاج الإشعاعي تطول إلى أشهر طويلة، وهو الأمر الذي لا يتقبّله المريض، لافتة في حديث لـ "الترا جزائر"، أن السبب هو سوء تسيير المراكز الموزّعة عبر مناطق البلاد، إذ يتم تشخيص المرض لدى المريض أولًا، ومن ثم توجيهه إلى المركز الذي يمكّنه من تلقي علاجه.
كما أشارت كتّاب، إلى أن هناك معضلة في توجيه المرضى من مكان لآخر، وهو ما يتسبب في عذاباتهم اليومية في التنقل، والتشبث بـ "وهم العلاج" على حدّ تعبيرها.
في سياق متصل، لفتت المتحدثة إلى أن وضعية ارتفاع حالات المرض بالسرطان في الجزائر، تدفع إلى أهميّة تكوين المختصين في العلاج بالأشعة، إذ لا يكفي أن نضع الهياكل وتخصيص ميزانية ضخمة للأدوية دون الاهتمام بالطواقم الطبية، التي تتكفّل بحالات السرطان، مشيرةً إلى أنه وجب تكثيف الدوريات التوعوية عبر القرى والمدن، وفي كل المناطق وخاصّة الجنوب الكبير.
الأمل في "دار الأمل"
بسبب المواعيد والعلاج المُضني، تحتضن دار "الأمل" بولاية البليدة في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية، العشرات من المريضات القادمات من عدّة ولايات، ممن يقصدون مركز علاج السرطان في مدينة الورود، إذ تعتبر بيتًا خيريًا، يوفّر الإقامة المجانية للقادمين من المدن الدّاخلية بغية العلاج، أو أخذ مواعيد، وهو بيت أيضًا للملمة جراح الكثيرين؛ يتقاسم فيه المرضى أوجاعهم ويخفّفون على بعضهم البعض، تقول إحدى مريضات السرطان لـ "الترا جزائر".
اجتماعيًا، لا يُمكن لأيّ مريض أن يشرح كيف كانت بدايته مع العلاج، وكيف وجد نفسه بين عشية وضحاها محكومًا بورم خبيث، وبأوجاع أخرى يتكبّدها بسبب السفر أو التنقّل من مكان لمكان بهدف تلقّي العلاج، ففي هذه المرحلة، تقول نعيمة من قسنطينة في حديث إلى "الترا جزائر"، إنّها فقدت كل شيءٍ في الحياة، لكن وجودها بين زميلاتها في الدار، جعلها ترى الحياة بمنظور آخر.
بعيدًا عن المستشفى والأدوية، ففي هذه الدّار، تتلقّى نعيمة العلاج في جوٍّ تضامني، على حدّ قولها، "عندما نتشارك في الألم، يخفّ كثيرًا بل ويزول نهائيًا".
البعض منهن يتسامرن ليلًا، ويقصصن حكاياتهن ويومياتهن السابقة، غير أنّ هناك من القصص ما يقلّب المواجع؛ فمنهن من تركت أولادها وعائلتها، وهي تبحث اليوم على علاج، مثل رقية القادمة من منطقة سيدي لعجال بولاية الجلفة، تاركة وراءها أبناءها، وتفكّر في اليوم عشرات المرّات، لمن ستتركهم إن قضت نحبها.
قريبًا من المستشفى، أو مركز علاج مرضى السرطان، يتوافد المرضى على مركز العلاج بالكيماوي بالبليدة بالعشرات، رغم أن الأدوار عبارة عن أسماء يتمّ ترتيبها بحسب المدّة الزمنية والحالات، غير أنها خطوات صعبة للغاية، يخطوها المرضى في انتظار جرعة الكيماوي، فالانتظار وحده يحبط المعنويات كثيرًا ويقتل الآمال.
الجزائر تسجّل كل سنة 50 ألف حالة جديدة، بحسب إحصائيات وزارة الصحّة
الحلول موجودة لإغاثة مرضى السرطان، وأهمها بحسب مختصّين، إعداد بطاقية وطنية لحجم المرض ومسبباته، خصوصًا وأن الجزائر تسجّل كل سنة 50 ألف حالة جديدة، بحسب إحصائيات وزارة الصحّة، وهو ما يعني أن الوضعية تنذر بالخطر، ولا يُمكن معالجة المرض دونما إحاطته بدراسات بيئية وصحيّة تخصّ عديد المناطق، خصوصًا في مناطق تحيط بها مصانع ومراكز صناعية، تنفُثُ سمومًا وتؤثّر على الوضع البيئي.
اقرأ/ي أيضًا:
زهرة عريبي.. جزائريّة تغلّبت على السرطان بالورود
الجزائريون في "حملة فيسبوكية".. نريد مستشفى لسرطان الأطفال