15-أبريل-2022

منذ عام 1864، جعلت فرنسا جزيرة كاليدونيا الجديدة موطنًا لنفي الجزائريين، حين وطأ إبراهيم بن محمد أرض كاليدونيا وهو أول جزائري يعيش مأساة النفي إلى هناك، لتتوالى موجات النفي بعد ثورة المقراني حيث وصل عدد المنفيين حسب وثائق رسمية إلى 2166 منفيًا من مختلف مناطق الوطن، أتوا في 42 رحلة، كان آخرها عام 1921.

وصل الجزائريون المنفيون بعد رحلة استغرقت 5 أشهر مكبلين بسلاسل ويُجهل حتى الآن عدد الموتى الذين ألقيت جثثهم في البحر خلال العبور 

في وثائقي لوكالة فرانس برس يروى أحفاد جزائريين تم نفيهم إلى كاليدونيا الجديدة خلال مرحلة الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر "الألم الصامت" لأجدادهم الذين عاشوا مأساة النفي وبداية حياة في موطن لا يعرفونه، أرض يصلون إليها في رحلة لا يرون فيها سوى الماء والسماء.

قصة منسية

قال الطيب العيفة (83 عامًا) حفيد أحد المنفيين لوكالة فرانس برس أن أجداده "وصلوا بعد رحلة استغرقت خمسة أشهر مكبلين بسلاسل.. عدد الموتى الذين ألقيت جثثهم في البحر خلال العبور ما زال مجهولًا".

وأضاف كان والدي جزءًا من آخر قافلة من المحكومين عام 1898 ووالدته هي ابنة أحد أوائل المرحلين إلى "لوكايو"، أحد الألقاب التي تعرف بها كاليدونيا.

وأوضح الرجل الثمانيني الذي يعد من أعمدة "الجالية العربية" أي أحفاد الجزائريين، أن "قصة أجدادنا كانت موضوعًا محرمًا.. قانون الصمت هو الذي ساد في عائلات المرحّلين".
ويتذكر الطيب العيفة الذي حُكم على والده بالسجن 25 عامًا لدفاعه عن أرضه في سطيف ضد الجيش الفرنسي، بتأثر الإهانات التي كان يواجهها المنفيون وعائلاتهم: كنا نلقّب بأبناء قبعات القش ونوصف بـالقذرين".

ومن المفارقات على حد قوله أنهم تحولوا "من مستعمَرين في الجزائر إلى مستعمِرين على الرغم منهم.. لأراض تمت مصادرتها من الكاناك"، السكان الأصليون في كاليدونيا.

من جهته، صرح كريستوف ساند عالم الآثار في معهد أبحاث التنمية في نوميا وحفيد أحد الذين تم ترحيلهم "في كاليدونيا الجديدة سعت الدولة الفرنسية، كما هو الحال في الجزائر، إلى إنشاء مستعمرة استيطانية وتم تحويل المرحَلين إلى مستعِمرين".

وفي وقت لاحق أصبح بإمكان المحكومين الفرنسيين جلب زوجاتهم، لكن الجزائريين منعوا من ذلك واضطروا للزواج في كاليدونيا الجديدة.

وأوضح ساند أن الذين حكم عليهم بهذا النفي لأكثر من ثماني سنوات لم يكونوا يتمتعون بحق العودة إلى الجزائر بعد انتهاء عقوباتهم.

وقال الباحث نفسه "حسب حساباتنا هذه العملية أفضت كما يفترض إلى ترك بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف يتيم في الجزائر".

كما أفاد موريس سوتيريو حفيد أحد المحكومين الذين تم نفيهم من منطقة قسنطينة "ترك جدي طفلين في الجزائر لم يرهما بعد ذلك".

وأضاف ساند أن المحكومين "كانوا في كاليدونيا مواطنين من الدرجة الثانية" وخصوصًا أنهم لم يكونوا يتحدثون الفرنسية، بل العربية أو الأمازيغية فقط، وأكد أن أبناؤهم عانوا بشدة من هذا التمييز.

وفي نهاية ستينيات القرن الماضي اجتمع أحفادهم في رابطة "العرب وأصدقاء عرب كاليدونيا الجديدة".

وقال الطيب العيفة الذي كان يلقب بـ "الخليفة" عندما كان رئيسًا لبلدية بوراي "كنت عاملًا في السابعة عشر من عمري ومارست العمل النقابي، كنت رئيس بلدية لثلاثين عامًا ووقعت وثائق رسمية بصفتي الطيب العيفة انتقامًا من التاريخ"، مشددًا على "انتمائه إلى الجزائر".

رحلة الشفاء

ويتذكر العيفة رحلته الأولى إلى الجزائر في 2006 عندما شعر أنه "يعيد بشكل رمزي والده الذي عانى مثل غيره من العرب من عدم قدرته على العودة والموت في بلده الأصلي".

وقال "أؤكد انتمائي لكاليدونيا لكنني جزائري أيضًا ولدي صلة بالجزائر بالأسرة والأرض"، موضحًا باعتزاز أنه تمكن "من الحصول على أوراقه الجزائرية قبل عشرين عامًا".

أما كريستوف ساند، الذي سافر بدوره إلى أرض أجداده فيقول "أثناء الرحلة بأكملها كان لديه انطباع بأنه يحمل أجداده على كتفيه".

وعلّق "عندما رأيت ميناء الجزائر حيث تم إلقاء جدي ورفاقه في الحجز، شعرت بألم في الصراخ".

الطيب العيفة: كنت رئيس بلدية لثلاثين عامًا ووقعت وثائق رسمية بصفتي الطيب العيفة انتقامًا من التاريخ

عند وصوله إلى قرية أقراراج، في منطقة القبائل، في منزله الأصلي، لمس كريستوف الأرض، "كان لدي شعور بأن الثقل الرمزي الذي كان على كتفي منذ بداية الرحلة قد اختفى، لقد عادت روحه المنفية إلى المكان الذي ولدت فيه".