18-أبريل-2024
رقصة البارود

رقصة البارود في الجزائر (الصورة: الأناضول)

فولكلور شعبي غنائي وموسيقي يمارسه أهل الصحراء الجزائرية ويؤدى في المناسبات الدينية والوطنية "الثورية"، كما يرتبط بالأفراح وطرد الهموم والأحزان.. فماذا تعرفون رقصة "البارود"؟.

لا تؤدى "رقصة البارود" بشكل فردي وإنّما تتطلب الجماعة حتى تكتمل طقوسها ويبلغ معناها ورسالتها، وتقوم أساسا على البارود والبندقية وأزياء خاصة

لا تؤدى بشكل فردي وإنّما تتطلب الجماعة حتى تكتمل طقوسها ويبلغ معناها ورسالتها، وتقوم أساسا على البارود والبندقية وأزياء خاصة.. إنّها رقصة "البارود" التي تعدّ فولكلورا شعبيا ذو طابع جماعي، وهو عبارة عن رقصة تؤدى باستعمال بندقية فنطازية تسمى في مختلف ولايات الجزائر بما فيها الولايات الصحراوية بـ"المكحلة"، كما في منطقة عين صالح جنوبي البلاد، بينما البارود وهو الاسم الذي تحمله الرقصة فيسمى عند أهل الصحراء وبالخصوص في عين صالح (تيديكلت) "برزانة".

رقصة البارود

ورد في تعريف الرقصة في صفحة الحظيرة الوطنية للأهقار أنّ "رقصة البارود تمارس باستعمال آلة الدندون والقلال وأبقا، كما تتميز بضرورة وجود الحزام الذي يرتديه الراقص والمصنوع من الجلد ويأتي مطرزا وبألوان مختلفة خاصة الأحمر، الأخضر والأزرق والأصفر.

ويشير المصدر إلى أنّ هذه الرقصة الفولكلورية تحيا في عدّة مناسبات دينية مثل المولد النبوي الشريف وعيد الفطر وعيد الأضحى، إضافة إلى المناسبات الوطنية وعلى وجه التحديد ذكرى استقلال الجزائر وعيد ثورة نوفمبر 1954، فضلا عن حضور هذا الطقس التراثي في الأعراس والأفراح المحلية والوعدات الاجتماعية.

رقصة البارود مستوحاة من طبيعة الصحراء ومشتقة من كلمة "البارود" والذي يعني مسحوق مكون من الكبريت ونترات البوتاسيوم (الملح الصخري) والفحم، ويكون قابلا للاشتعال والتفجير ويستخدم بشكل خاص في البنادق التقليدية والقنابل التقليدية اليدوية، أمّا تاريخ ظهورها فيعود بحسب باحثين خلال الاستعمار الفرنسي لأنّها كانت تعتبر شكل من أشكال المقاومة والنضال والتعبير عن الثورة، مثل الشعر والأغاني وغيرها، غير أنّها تطورت مع مرور الوقت وصارت تستذكر النضال وتحتفي بأبطال الثورة مع حلول أي مناسبة وطنية.

الرقصة تكون في شكل حلقة دائرية تتحرك في اتجاه عقارب الساعة (من اليمين إلى اليسار)، حيث يؤديها الراقصون ويجب أن يكون عددهم كبيرا ويكونوا رجالا بزي موحد وبلون واحد غالبا سواء الأحمر أو الأزرق.. أوي لونا آخرا ويرجع ذلك الاختلاف بحسب عادات وتقاليد كل منطقة صحراوية، ويتكون لباس الراقصين من العباءة والشاش والحزام، حيث يقوم الراقصون الحاملون للبنادق خلال القرص بإطلاق البارود صوب الأرض وسط أجواء من الفرح وترتدي ابتهالات ومدائح دينية مع مرافقة عزف القلال والطبل والرّباع والتبقّاي، والتي تكمل فيما بينها تنسيق النغمات والموسيقى.

طقوس وأسرار

وحول هذه الرقصة وطقوسها وأسرارها ورد في كتاب "امي توات من عبق تراثها" للكاتب عبد القادر بن جعفري الذي تناول "الصياغ والقراص في حلڤة رقصة البارود التواتي".

ويقول بن جعفري: "اللغة في توات أداة مهمة للإغراء في معناها الوظيفي من حيث المبنى والمعنى خصوصا في الرقصات الشعبية، ولا تعني شيء أخر من غير ما يقال أو ينتج نُظما بشكل موزون في الشعر الشعبي أو الشعر الملحون، فاستعمال الكلمات دوما يكون موظفا لمعنى ما، يُراد قوله وفمهه من دون تأويل خاصة في حلقات رقصة البارود."

 ويضيف: " ويكون إشارات وإيحاءات في معناها الإشاري من أجل ما وظف له بتوظيف دقيق لفرز نخبة من العوام تفهم معانيه خاصة في مدحات الطبل مثالا لا حصرا مع اختراق قيم النخبة للعوام على أن كلمات المغنى في الشعر الملحون قد تكون تسرب أو استهلاكا متداول الفهم محفوفا بالنمطية، وقد تكون استثناء مستعصي الفهم على صعيد المبنى والمعنى."

 

ويوضح أنّ "البارود" في توات يعتبر علاقة تنظيمية تراتبية ممنهجة فردية وجماعية صرفة يبنى على أسس وأطر عميقة تبدأ من النظام إلى عنصر الجمالية مرورا بتراتبية الخطوات وتسلسل المراحل بدقة متناهية الجزئيات من الألف إلى الياء."

لذلك –وفق الكاتب- "الانتقال من خطوة إلى خطوة في رقصة البارود لغة جسد وإيماء مشاهد ودقة مراحل، وكل الخطوات بتراتبيتها تفضي إلى بناء قاموس لرقصة البارود أساسها ميزان الصيغة التي تبنى من خلالها الرقصة من بداياتها التي يضع تفاصيلها الصياغ، وينهي فصولها القراص الذي يسدل ستار حلقة البارود معلنا نهاياتها بعد تراتبية خطوات ممنهجة لواحدة من أروع الرقصات الشعبية التقليدية التواتية في توات" (توات تابعة لولاية أدرار جنوبي البلاد).

حلقة الرقصة ماذا تعني؟

بخصوص الحلقة التي يشكلها الراقصون يعتبر أنّها تتضمن الدخلة وبناء الصيغة والحمأية أو ما تسمى كذلك بالخراجية أو المرجوعة، فالدخلة هي افتتاحية الحلقة قبل دورانها وتبدأ بصف طويل يقال فيها صيغة متداولة عند أهل القصر الواحد أو القصور المجاورة كقولهم مثلا لا حصرا (سيد الشيخ مولاي عبد المالك الرڨاني)..إلخ.

وفي سرده لحيثيات الحلقة، يقول "بعد الدخلة تتوقف المجموعة في حلقة دائرية، يتوسطها الصياغ وأربعة إلى خمسة أشخاص من أعضاء الحلڨة المشهود لهم بالرزانة والثبات، فينتج الصياغ ألفاظ صيغته ويطلق العنان للسانه الموزون، بعدها تبدا الحلقة في الإحماء حتى يأتي الدور على الخراجية وهي إعلان عن انتهاء فصول القرص كقولهم كلمات متداولة متفق عليها يبدأ بقولها أحد منظمي الحلقة كقوله (لا يحشمنا بين أيديه) أو (صلّوا عليه زين السمية) وهي إيقاع خفيف يغير ريتم الإيقاع ويعلن خفة الحركات في البارود على أن تكون صيغة الحمية أو المرجوعة أو الخراجية لها علاقة بصيغة البارود الأولى مناسباتيا وقد تقتبس منها كلمات ويتغنى بها.."

فقه البارود

الكاتب والأكاديمي بجامعة أدرار حاج صديق أحمد الزيواني يرى في "فقه البارود" أنّ المكحل (البندقية)، يعدّ الأداة الأساس في رقصة البارود، لذلك تفنّن التواتيون في منح هذه الأداة ما تستحق من الرعاية والعناية، نظير ما تجلبه لهم من طرد الأحزان وجلاء الهموم في المناسبات."

ويوضح في هذا المنشور القصير الذي كتبه سابقا على حسابه بفايسبوك أنّ "التواتيون يطلقون على المكحل عدّة أسماء، بحسب خاصية كل نوع منها، فهناك الخيّالي وهو أرقى وأشهى الأسلحة، وهناك طَبْجي، والشفر، والڨرضة..".