24-أبريل-2023
صديق حاج الزيواني

الروائي صديق حاج الزيواني (الصورة: فرانس 24)

يُعتبر الروائي والأكاديمي الصديق حاج أحمد الزيواني من الكتّاب الجزائريين القلائل الذين يشتغلون على الفضاء الصحراوي في مجال الأدب والرواية، سائرًا بذلك على خُطى الروائي الليبي إبراهيم الكوني، فقد توّج الزيواني مسيرته لحد الآن بجملة من الكتب والأعمال الروائية التي تتناول الصحراء وجغرافيتها وإنسانها وتشكُّلاتها الثقافية والتراثية وطقوسها مثل "كاماراد رفيق الحيف والضياع"، "مملكة الزيوان" و"رحلاتي لبلاد السافانا"...إلخ.

الزيواني: في جائزة آسيا جبّار لم أستطع تفسير ركن "مَنّا"، مع احترامي لبعض أعضاء اللجنة، وتحفظي على قلّة منهم.. والله أراد لـ"منّا" أفضل ممّا حَسَبُوا

وفي هذا الحوار تحدث الزيواني مع "الترا جزائر" عن آخر رواياته "منّا.. قيامة شتات الصحراء"، وما جاء فيها عن مجتمع الطوارق والعقيد الراحل معمر القذافي، وعلاقته بالجزائر، ولماذا فضّل تناول الفضاء الصحراوي في رواياته كموضوع بدل مواضيع وقضايا أخرى، كما يتطرق إلى طقوس الكتابة لديه ومدينته أدرار الواقعة جنوب البلاد، وعن الجوائز الأدبية وتجربته في نشر وصناعة الكتاب.

في آخر رواياتك "مَنّا.. قيامة شتات الصحراء"، تناولت فيها جفاف 1973 وأثره على "الطوارق" وكذلك علاقة الطوارق بالراحل معمر القذافي وبالجزائر؟.. على ماذا اعتمدت لبناء هذه القصة والأحداث؟

عندما زرت صحراء مالي قبل عشرين سنة، لأجل بحثٍ يتعلق برسالة الماجستير، حول أحد الشخصيات الكنتية هناك، استرعى انتباهي، حديث الشيوخ والعجائز عن جفاف 1973 حتى وصفوه في قاموسهم الأزوادي بـ"العام الشين" و"العام لفينتي"، مع لوعة وحرقة وتذكر فواجع مبكية. لقد ظلّ هذا الأمر يطنّ في ذاكرتي طيلة هذه المدّة، وما زاد من تنبيهه، قيام حرب الأزواد المستعرة بشمال مالي، إذ وجدت أن هجرة الطوارق لليبيا بعد الجفاف، وتدريبهم من طرف القذافي، وكذبته عليهم في قيام دولة بالأزواد، هو ما زاد من تحمّسي لكتابة الرواية، عساها تذكّر بحدث تاريخي جلل، وقع بصحراء مالي في بداية السبعينيات، وغيّر مسار الصحراء، ولعلّ الحروب الراهنة هناك، كانت من تبعات تلك الهجرات بعد الجفاف.

عنوان "منّأ قيامة شتات الصحراء"، من أين هو مستمد؟ أو كيف جاء اختياره؟   

"مَنّا".. لفظ تارقي معناه الجفاف بالعربية، لقد حاولت تأثيث النص من عنوانه إلى متنه، بالقاموس التارقي والحساني، فـ "مَنّا" رواية غنية بالثقافة التارقية والحسانية.

قليلة الأعمال الأدبية التي تطرقت إلى مجتمع "الطوارق" وبشكل عام منطقة الساحل وجنوب الصحراء.. لماذا برأيك؟

إبراهيم الكوني (روائي ليبي) فاتح سرديات الصحراء بلا منازع، ونكنّ له كل التقدير، تناول في نصوصه عوالم التوارق؛ لكن ظلت نصوصه بعيدة قليلًا عن شمال مالي، ويظهر لي أنه اهتمّ بأساطير الإنسان التارقي، أكثر مما اهتمّ بمأساته، ولا أعتقد أنه لا يعلم ما وقع للتوارق مع القذافي، وإن كنتُ لا أستطيع الجزم بسبب ذلك، ربما كان يتحيّن الفرصة بعد رحيل القذافي أو لأمر آخر.. صراحة لا أدري.

في روايتك الفضاء الصحراوي جلّي وموظف قصة وطقوس ومظاهر اجتماعية وموروث ثقافي وشعبي ومعتقدات.. وغيرها، هل كروائي أردت أن تتخصص في هذا الموضوع، أم أنّه فرض نفسه عليك؟ وهل هو بحاجة إلى أعمال أدبية أخرى أو دراسات تتناوله؟

الفضاء الصحراوي هو هاجسي..، فيه ولدت ونشأت وترعرعت، لذلك من الطبيعي، أن أسخّر قلمي للكتابة عنه، لا سيما وأن الكتابة حوله لا تزال فتيّة، خصوصًا عندنا في الجزائر والوطن العربي عمومًا، إذا استثنينا منجز إبراهيم الكوني، طبعًا فضاء الصحراء، الكتابة لا تزال قليلة حوله، ويحتاج إلى تراكمات، لعلّ ما أقوم به ورفيقي عبد الله كروم، وعبد القادر ضيف الله، وجميلة طلباوي وغيرهم، هو محاولة، لخلق تراكم سردي حول هذا الفضاء. وأعتقد أنّ ما قمتُ به وبكل تواضع، يرسم هذا الخط، وهو محاولة الالتفات لهذا الجوار، واستثماره سرديًا؛ لأنه يعبّر عن امتدادنا الجغرافي والتاريخي.

هل لدى الزيواني طقوس معينة أثناء الكتابة الروائية؟

نعم لدي طقوس في الكتابة، منها أني لا أكتب إلّا ليلًا، وبعيدًا عن الحركة، ولعلّ مزرعتي هي المكان المفضّل والمُلهم لي في الكتابة.

أدرار.. بماذا ألهمتك؟

ألهمتني الدهشة في الفراغ، والحيرة من السكون، مع امتداد الأفق، كلها عوامل منحتني رؤية واعية لهذا المكان، إضافة إلى خلفيتي الفلسفية، التي ساعدتني كثيرًا في الكتابة عن الصحراء، وتأمل معايشة الإنسان لهذه البيئة الوعرة وتطوِيعها.

صاحب كاماراد: الفضاء الصحراوي يحتاج إلى تراكمات، والكتابة حوله فتّية، وما قمت به يرسم هذا الخط، أي الالتفات إلى هذا الجوار، لأنّه يعبّر عن امتدادنا الجغرافي والتاريخي

تُدِير دار نشر حديثة، من خلال تجربتك ككاتب وناشر حديث كيف ترى واقع صناعة الكتاب في الجزائر وحال دور النشر الجزائرية؟

صناعة الكتاب وعالم النشر، مغامرة ليست مربحة بالشكل التجاري المعروف؛ لكنها لذيذة صراحة، إذ تشعرك أنك تقدّم شيئا لولايتك ولبلدك وللتاريخ.

بلغت روايتك "منّا" السنة الماضية، القائمة الطويلة لجائزة آسيا جبار للرواية، لكن لم تتضمن اللائحة القصيرة روايتك.. ما تعليقك؟

لم أشارك إلاّ في جائزة آسيا جبار للرواية، ولحد الساعة، لم أستطع تفسير ركن "مَنّا"، مع احترامي لبعض أعضاء اللجنة، وتحفظي على قلّة منهم، أرادوا ذلك، والله أراد لـ"مَنّا" أفضل ممّا حسبوا، وكما يقول المثل عندنا؛ (اللّي يحسب وحدو يشيط لو).

ما هو عملك القادم بعد "منّا قيامة شتات الصحراء"؟

عملي القادم، يظلّ يحاكي الصحراء؛ لكنّه حول الصحراء الجزائرية، وفي مكان ليس يحرث من قبل.