19-أبريل-2024
المخرج فاروق بلوفة (الصورة: لوموند)

المخرج فاروق بلوفة (الصورة: لوموند)

مرّت هذه الأيام الذكرى السادسة لرحيل أحد أشهر وأبرز الأسماء السينمائية بالجزائر، فاروق بلوفة الذي صنع "نهلة"، فيلمه الوحيد الذي دخل وأدخله التاريخ باعتباره العمل السينمائي الجزائري والعربي الأوّل الذي عالج الحرب الأهلية اللبنانية التي انطلقت شرارتها سنة 1975 واستمرت إلى غاية 1990 من القرن الماضي.

فيلم "نهلة" للمخرج فاروق بلوفة، سلط الضوء على صور المقاومة ضد العدو الإسرائيلي والتضامن العربي واستغلال الاحتلال لظروف لبنان خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي

محنة لبنان التي دامت أكثر من عقدين، جسد مراحلها الأولى الراحل فاروق بلوفة في فيلمه الطويل "نهلة"، فأرّخ لما حدث بلغة سينمائية وصفت ونقلت كل شيء، لكن أبرز خلالها جوانب أخرى مهمة من قصة الفيلم بتسليط الضوء على صور المقاومة ضد العدو الإسرائيلي والتضامن العربي من جهة، ومن جهة أخرى على الاستغلال الإسرائيلي البشع لظروف لبنان خلال سبعينيات وثمانينيات حتى بداية التسعينيات القرن الماضي في التفنن في قتل الفلسطينيين واللبنانيين على حدٍّ سواء، وهو ما استمر ويحدث اليوم من خلال الغارات التي يشنها الجيش الإسرائيلي على لبنان، وحرب الإبادة التي يطبقها في قطاع غزّة، ضاربًا عرض الحائط لوائح حقوق الإنسان والقانون والأعراف الدولية.

فاروق بلوفة

بلوفة بين "نهلة" والغربة 

"نهلة" لم يكن مجرد فيلمٍ سينمائي، بل يؤرخ ّلأحداث لا تنسى، أنجزه المخرج عام 1979 في خضم ذلك التمزق والتشتت الذي عاشته لبنان، إذ يعكس عبقرية مخرج أنجز هذا الفيلم، ثم وجد نفسه على الهامش، حيث عاش واصل حياته في المنفى إلى غاية وفاته يوم 9 أفريل/أبريل/نيسان بباريس عام 2018، حيث رحل بلوفة في صمت إثر سكتة قلبية، فلم تسمع  الأوساط السينمائية ووسائل الإعلام الجزائرية والعربية بخبر وفاته إلاّ بعد مرور أسبوع على تلك الفاجعة.

ومنذ تاريخ وفاته في منفاه بعيدًا عن أرض وطنه التي ولد وترعرع بها، ليس هناك احتفاء بهذه الشخصية التي أعطت بفيلم وحيد صورة مشرّفة عن الجزائر والسينما الجزائرية وأكدّت أنّها قادرة على الإنتاج وقادرة على الإبداع والبروز مهما كانت درجة الخطر ومهما كانت الظروف قاسية.

فاروق بلوفة

وبالرغم من أنّ بعض أعماله لم تر النور، مثل وثائقي "حركة تحرير" عام 1973 الذي لم يعرض بسبب الرقابة بحسب متابعين للشأن السينمائي الجزائري،  يبقى فيلمه الوحيد "نهلة" العمل الروائي الذي كتب به أحرفا من ذهب في سجل الفن السابع بالجزائر وعلى المستوى العربي، خاصة وأنّ تصويره جرى في خضم الحرب ولاقى رواجًا في المهرجانات الدولية.

وفي"نهلة" جمع بلوفة وجوها بارزة بداية من السيناريو الذي كتبه بالتعاون مع الروائي الجزائري المعروف رشيد بوجدرة، وطاقم التمثيل ياسمين خلاط (دور نهلة)،  أحمد محرز، فائق حميصي وروجيه عساف، إلى مؤلف الموسيقى زياد رحباني، ويوسف السايح الذي جسد شخصية "العربي" مصور صحفي جزائري كلّف بتغطية الحرب الأهلية في بيروت إبّان تلك الفترة.

وحيثيات قصة هذا الفيلم تدور في زمن قدره 100 دقيقة، خلال اندلاع الحرب الأهلية في لبنان منتصف السبعينيات، حيث يقرر صحفي جزائري السفر إلى بيروت لتغطية الحرب، وهناك يتعرف على مطربة، ثم سرعان ما يلبث أن ينمو ويكبر الحب بينهما، وذات يوم ضاع صوت حبيبته المطربة، وهي تغني على مسرح البيكاديللى بباريس في رمزية وإشارة إلى تراجيديا يعيشها بلد يعتبر رمزًا للتعايش والحرية".

نهلة - فاروق بلوفة

بلوفة في سطور

بلوفة على صعيد مشواره المهني، عمل مساعدًا للراحل المخرج المصري يوسف شاهين عام 1976، وكان ذلك التعاون أو تلك التجربة المهمة في كتابة سيناريو في فيلم شهير بعنوان "عودة الابن الضال" الذي شارك فيه الممثل الجزائري الراحل سيد علي كويرات.

وقبل تجربته الإخراجية في فيلم شاهين "عودة الابن الضال" وإخراجه الفيلم الروائي الطويل "نهلة" وقّع بلوفة سنة 1967 فيلمًا قصيرًا أدّى بطولته المخرج الحالي مرزاق علواش وعنوانه " Travestis et Cassures"، ثم بعدها بست سنوات جاء فيلمه الوثائقي "حركة تحرير" (1973) الذي يتناول الثورة الجزائرية غير أنّ هذا العمل مُنع من العرض.

فاروق بلوفة

حل بلوفة في صمت إثر سكتة قلبية، فلم تسمع الأوساط السينمائية ووسائل الإعلام الجزائرية والعربية بخبر وفاته إلاّ بعد مرور أسبوع على تلك الفاجعة.

ولد فاروق بلوفة عام 1947، بوادي الفضلة بولاية الشلف، درس السينما في الجزائر، واستكمل دراسته في المعهد التطبيقي للدراسات العليا في باريس وتخرج منه بأطروحة عن "نظرية السينما"، سنة 1970 تحت إشراف الناقد والكاتب رولان بارت. كما اشتغل بلوفة في مجال الكتابة وكان ينشر مقالاته حول السينما وحواراته مع صناعّها على صفحات مجلة "شاشتان".