انقضى شهر رمضان، وانقضت معه الأعمال الرمضانية والبرامج التي شكّلت مشهدًا منوعًا غير مسبوق، حيثُ ترواحت بين الدراما والفكاهة والحصص الثقافية والاجتماعية، إضافة إلى بلاطوهات فنية كثيرة نشّطها فنانون وصحافيون.
المخرج حمزة زيتوني لـ "الترا جزائر": أستمتع كثيرًا بآداء نسيم حدوش الذي تقمّص دور أغلب الشخصيات الرئيسية في العمل
من بين ما تم عرضه، برز مسلسل من نوع "سيتكوم" بعنوان سيليما في باطيما ، وهو تجربةٌ فريدةٌ قلّت مثيلاتها في مجال الأنيمايشن ثلاثي الأبعاد، شارك فيه عدّة فنانين أهمهم الفنان نسيم حدوش الذي لعب فيه عدة شخصيات بعدد منوع من اللهجات الجزائرية، وهو ما ميز هذا العمل، وجعله يبرز وسط كلّ ذلك الكم من الأعمال الممولة بالكثير من الحملات الإشهارية والمُحاباة الفنية.
في هذا الحوار، نتعمّق أكثر بالحديث عن هذا العمل وظروف إنجازه مع مخرجه الشاب حمزة زيتوني، حيث حاورناه حول “سيليما في باطيما” الذي يمكن اعتباره المسلسل الوحيد من نوعه في الموسم الرمضاني المنقضي هذا العام في الجزائر.
_________
حمزة زيتوني هو مخرج ومنتج تلفزيوني من مواليد 1990 بمدينة جيجل، وهو مقيم حاليًا في الجزائر العاصمة نظرا لنشاطه وعمله في المجال التلفزيوني هناك.
حاز المخرج على شهادة الماجستير في العلوم السياسية تخصص تنظيمات إدارية من جامعة قسنطينة، واتجه بعدها إلى تحقيق رغبته الملحة في الإخراج والإنتاج التلفزيوني.
تتمثل الأعمال التي قدمها للجمهور في حصة "غني non stop" سنة 2017 ,وثائقي "الحل" سنة 2020، سلسلة "دكتور ميدسو" سنة 2021, سيتكوم "سيليما في باطيما" سنة 2024.
- دخلتم شهر رمضان بإنتاج مختلف يعتمد على تقنيات حديثة، الأنيمايشن ثلاثي الأبعاد، كيف تكونت هذه الفكرة، وكيف تم اختيار الفنانين الذين أدوا شخصيات هذا العمل؟
لقد كانت سلسلة "سيليما في باطيما" إمتداد لسلسة الأنيمايشن "دكتور ميدسو" التي أنتجتها سنة 2021، أردنا في البداية إنجاز جزء ثانٍ من "دكتور ميدسو" مع العمل أكثر على تطوير الشّخصيات وإثراء محيطها، وبعد المحاولة، وضعنا تصورًا شاملًا لملامح السلسلة، وتبين لنا في الأخير أننا أمام عمل آخر سيكون مختلفًا تمامًا عما تم الانطلاق منه.
في الواقع، لقد غيرنا كل شيء ولم يتبقَّ من سلسلة "دكتور ميدسو" سوى الإسم فقط، حيث تحول إلى إحدى شخصيات المولود الجديد الذي حمل اسم "سيليما في باطيما" والذي أردته شخصيًا أن يكون في قالب السيتكوم.
ركزت منذ البداية في محاولةٍ لخلق ديكور يتماشى ومجريات الأحداث التي ستكون في العمل، خاصّة وأن فيه شخصيات رئيسية ستكون على الخط، فاتفقنا أنا والممثل نسيم حدوش والرسام باقي بوخالفة على أن يكون تكون الأحداث في حيّ شعبي وبالضبط في عمارة قديمة آهلة بالسكان وسط الحي، ومن هنا بدأت الفكرة، وباشرنا نسج أولى حلقات العمل في الكتابة.
بالنسبة للكاستينغ، أستمتع كثيرًا بآداء نسيم حدوش الذي تقمّص دور أغلب الشخصيات الرئيسية في العمل، وهو الشيء الذي لم يكن متفقًا عليه في البداية، لكن إصرار نسيم حدوش على تركيب الشخصيات والعمل على تقمصها بكلّ مميزاتها أثار انتباهي فتركت له فرصة الاجتهاد أكثر.
على سبيل المثال، أخذ منه تقمصه لشخصية "الدا علوش" الذي كان يمتاز بلهجة مركبة وطبقة صوتية رقيقة في عمر رجل مسن الوقت الكثير، حيث قام بالتدرب عليها ومحاولة الوصول إلى أعماقها بشكلٍ مختلف عن باقي الشخصيات.
في البداية، كان الأمر صعبًا بعض الشيء، ولكنه وقف بعد ذلك وقدم الشخصية بآداء صوتي أحبه الجمهور، أما باقي الممثلين فقد تم اختيارهم عن طريق الكاستينغ، حيث حرصت شخصيًا على أن يكون المؤدون ممثلين ذوي نبرة صوتية مميزة على حسب الدور المطلوب.
غالبًا ما يقصدني ممثلون هواة للكاستينغ، فأقول لهم أن إتقان الأداء لا ينحصر في قراءة ما هو مكتوب في الورقة، إذ وجب عليهم أن يمثلوا الدور، أن يخرجوا الطاقات التمثيلية التي بحوزتهم، أن يحرّروا الأحاسيس الحبيسة داخلهم على حسب فهمهم للشخصية، لكن أغلبهم يفشلون في ذلك، لأن التمثيل الصوتي يتطلب أحيانًا الخروج عن الطبقات الصوتية المعتادة للممثل، تقمص الدور وتأديته أمام الميكروفون، مثلما يمكن أن يحصل أمام الكاميرا، لذلك نجد مختصين في فن الدوبلاج مثل مروان فرحات وغيرهم، ممن يعيشون الدور كاملًا أثناء التسجيل الصوتي كأنهم في بلاطو تصوير.
- هل تعتقد أن في خوض هذا المجال مخاطرة وسط كل الإنتاجات التي قدمت خلال هذا الشهر؟ وهل وجدتم مكانًا وسط كل هذه الأعمال ؟
أرى أن أي عمل هو مغامرة في حدّ ذاته مهما كان نوعه، خاصّة في غياب شركاء يدعمون هذا العمل ماديًا، ومن دون قناة عارضة تتبنى العمل منذ البداية، وهذا ما لم نجده في البداية مع الأسف، فقد كنا نتقدم في عملية الانتاج الباهضة من دون مرافق أو ممول حتى بلغنا نسبة 80 % من الإنجاز.
يعود هذا إلى عوامل كثيرة أهمها تخوف القنوات والممولين من تجربة أي تقنية جديدة، استنادًا إلى التجارب الفاشلة التي مرت بها بعض الأعمال السابقة من هذا النوع، والتي كانت ضحية السيناريو الفارغ، إضافة إلى عدم جاهزية العمل للبث في شهر رمضان، وهو عكس ما رأيناه -ربما- في "سيليما في باطيما".
يجب أن يحجز مكان العمل في البث الرمضاني منذ البداية، وهذه مسؤولية القناة العارضة للتسويق قبل، أثناء، وبعد بث البرنامج، ما يعني أن جودة العمل وحدها لا تكفي، كما أن دور القناة هنا مهم جدًا في نجاح العمل وحجز مكان وسط الساحة.
- لاحظنا في هذا العمل تنوعًا في الشخصيات مع تعدد كبير في اللهجات الجزائرية. هل كان هذا الأمر مقصودًا؟ وهل تظن أن هذا التنوع يليق بكل الأعمال الجزائرية، أم أن لديه ضرورات كتابية؟
في الحقيقة، لقد تعمدنا ذلك، لأن تنوع اللهجات في "سيليما في باطيما" هو افتخار بالثراء الجزائري وتنوعه في المقام الأول، وقد عملنا على ذلك أيضًا من خلال الديكور وإبراز الزليج الجزائري وملامح هويتنا، تعليق بوستر الشاب حسني وK7 ديسكو مغرب وأغاني الراي، إضافة إلى توظيف أغاني التراث من الشعبي.
لقد كانت رسالةً مِنَّا لإبراز هويتنا وتاريخنا، وما نملكه من تنوع وثراء، كما أن اللهجات هنا تعبّر عن كلّ مناطق الجزائر، لأنّنا أردنا أن يكون هذا العمل قريبا من قلوب الجزائريين.
في المقابل، لا أعتقد أن تنوع اللهجات قد يليق بكل الأعمال، فبعضها وجب أن تكون أحادية اللهجة إذا ما استلزم السيناريو ذلك،مع أنني شخصيًا ضد فكرة فرض لهجة معينة بشكل دائم على مسامع الجزائريين، في حين أن هنالك لهجات عذبة تستمتع وأنت تسمعها مثل "العنابية" و "التلمسانية".
- حدثنا عن مميزات العمل المرسوم ثلاثي وثنائي الأبعاد، تاريخه، خلفياته ومستقبله.
لقد كانت للعمل المرسوم في الجزائر محاولات قليلة لم تُكتب لها الاستمرار، كما أن العمل ثنائي الأبعاد كان حاضرا أكثر بكثير من ثلاثي الأبعاد الذي يتطلب إمكانيات ودراية وفريقًا مختصًا لاستكمال العمل في الآجال المحددة.
أعتقد أن ما يميزنا هنا في الجزائر هو عصامية الفنانين والتقنيين الذين يشتغلون في هذا المجال، كل منهم كانت له طريقته في التعلم، وانتهاج الأسلوب الذي يعمل به.
هنا، تُطرح إشكالية صعوبة تنسيق الجهود وتكلم لغة واحدة في العمل كفريق، وهذا الشيء أثّر كثيرًا على وجود إنتاجات أنيمايشن جادة في الجزائر سواءً كانت ثنائية أو ثلاثية الأبعاد، كما أننا لا نجد تخصصًا قائمًا بذاته في هذا المجال على مستوى المدارس الوطنية للفنون الجميلة، وهذا ما يفسر النقص الكبير في وجود متخصصين في صناعة الأنيمايشن في الجزائر.
أرى أن أغلب الأعمال التي كانت في هذا المجال قليلة جدًا حتى لا نقول أنها منعدمة، لأننا رأينا إنتاجات لم تنجز في السنوات الماضية كلية في الجزائر ،وكانت على يد فرق تقنية من دول أخرى، وبهذا يمكن القول أن العمل الوحيد المنجز بهذا الكم والكيف وبأيادي جزائرية كان "سيليما في باطيما".
- هل يتطلب العمل شخصيات معروفة في الدراما أو السينما، أم أنه يحتاج إلى أشخاص ذوي قدرات صوتية وتمثيلية معينة؟
شخصيًا، أفضل دائمًا التعامل مع ممثل محترف يتقن الدور ويقدم إضافة لما يراه المخرج، في المقابل، لست ضدّ مشاركة من هم هواة إذا كانت لديهم موهبة تم العمل عليها بجهد، وتدارُ من قِبَل المخرج حتى تتناسب مع الدور المطلوب.
- كيف تقيم هذا العمل بعد انقضاء حلقته الأخيرة؟ وكيف كان التعاون مع مختلف الأسماء الذين شاركوا فيه؟
بعد انتهاء العمل تصلني ردود طيبة وتعليقات جميلة من قبل المشاهدين، مع أنني لاحظتُ أن العمل لم يكتشف بعد بالشكل المطلوب.
أحب تقييم العمل من قبل الجمهور لكي أستطيع رصد إجابة واضحة، أما بالنسبة للأسماء المشاركة فيه، فقد تشرفت بالعمل معهم، والبعض منهم صاحب خبرة واسم في الفن، ولم يتأخروا عن مشاركتنا في هذه التجربة الفريدة.
بصراحة، أي فنان اتصلت به للمشاركة كان مترددًا في البداية، لكن مع مشاهدته للحلقة الأولى يصر على المشاركة في هذا العمل.
- هل تنوي المضي قدما في هذا المجال، أم أنك تصبو إلى دخول مجالات أخرى في الإخراج التلفزيوني والدرامي.
تستهويني كثيرًا تجربة عمل آخر بتقنية الأنيمايشن، ولكنني كمخرج لا أراه سوى أداة من أدوات العمل ويجب استخدامه متى يتطلب السيناريو ذلك، وإذا توفرت نصوص موجهة للإخراج ثلاثي الأبعاد فنحن مستعدون لتقديم ما هو أفضل من "سيليما في باطيما" مستقبلًا.