21-مارس-2024
نوميديا لزول في دور مليكة في مسلسل "دموع لولية

نوميديا لزول في دور مليكة في مسلسل "دموع لولية

تتزايد يوما بعد يوم تلك الانتقادات الواسعة التي تطال وجود أسماء عديدة من "المؤثرين" القادمين من مختلف مواقع التواصل مثل منصتي تيكتوك وإنستاغرام في العديد من المسلسلات الدرامية، والتي قدمتها مختلف القنوات التلفزيونية العمومية والخاصة خلال شهر رمضان، حيث لاحظنا في السنوات الأخيرة إقبال العديد من المخرجين والمنتجين على اختيار أسماء معيّنة اشتهرت بمحتواها المقدّم في حساباتها الخاصّة، بين مُحتوى فكاهيّ وتمثيليّ، وآخر متعلّق بالتّجميل والموضة والتدريب والديكور.  وغيرها من المجلات المختلفة.

عبَّر العديد من الممثلين  والأشخاص المُنتَمين إلى المجال الفنيّ عن تذمّرهم الكبير من هذه الاختيارات والمشاركات التي اعتبروها سطواً على حقّ من حقوقهم

في المقابل، عبَّر العديد من الممثلين  والأشخاص المُنتَمين إلى المجال الفنيّ عن تذمّرهم الكبير من هذه الاختيارات والمشاركات التي اعتبروها سطواً على حقّ من حقوقهم، حيث يشتكي العديد منهم من البطالة وقلة الأعمال المعروضة عليهم، كما يبرّر عدد منهم هذا التّذمرّ والرّفض بالسّنوات العديدة التي قضوها في التّكوين والتعّلم في مجال التمثيل، في حين يأتي المؤثرون دونما أية خبرة تذكر، ليُمنَحوا فرصاً هي بالأصل من حق خريجي معاهد التمثيل والفنون الدرامية والمسرحية.

في الوقت ذاته، يرى بعض خريجي هذه المعاهد والدارسين فيها من الجيل الحالي هذه الإشكالية بطريقة مختلفة، قد لا نراها كثيرا وسط كل ذلك الغضب الكبير وردود الأفعال العاطفية ضد هؤلاء المؤثرين، فهل الشيطنة الدائمة التي نراها ضد هؤلاء المؤثرين مبررة فعلا؟ وهل وجب التخلي عن المؤثرين لنرى منتوج درامي أفضل؟ هذا ما حاولنا إثارته مع مساعد مخرج أول من خريجي المعهد العالي لفنون العرض و السمعي البصري، وطالبة في معهد الفنون الدرامية، وكلاهما ناشطان في هذا المجال كما اشتغلا كتقنيين في العديد من المسلسلات والأعمال الدرامية.

شعبية المؤثر تبرر الطلب عليه

صرّح المخرج المساعد أول طارق مخناش، وهو عضو مؤسس للجمعية الوطنية لتقنيي السينما الجزائريين، في مداخلة لألترا جزائر، أن مسألة مشاركة من يطلق عليهم اسم "المؤثرين" في الأعمال الدرامية قد تثير آراء مختلفة عن تلك التي نراها غالبا بين المنتمين إلى هذا المجال. كما يعتقد المتحدث أنه من الواجب التفريق بين القنوات التلفزيونية كمنصات ابتكار فني ودرامي، وبين السينما والمسرح، لأن كلا منها يستوجب نقاشا منفردا، فالقنوات التلفزيونية هي بالأصل أدوات تجارية تسير غالبا بأموال الإشهار، إذ لا توجد في بلادنا مؤسسات إعلامية ذاتية الإنتاج، تكون في غنى عن الإعلانات التجارية لتمويل أعمالها الخاصة.

يعتقد طارق مخناش أن المعلنين في هذه القنوات يبحثون بالدرجة الأولى عن الشّعبية التي توفّرها أسماء معيّنة تجلب الزبون نحو الإنتاج الدرامي، لهذا، تلجأ القنوات الخاصة وحتى العامة إلى المؤثرين ذوي الشعبية العالية بالدرجة الأولى، أي ذوي الشهرة التي أصبحت تقاس بعدد المتابعين على حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي.

طارق مخناش:  المعلنين في القنوات يبحثون بالدرجة الأولى عن الشّعبية التي توفّرها أسماء معيّنة تجلب الزبون نحو الإنتاج الدرامي

يرى المتحدث هنا، أن المؤسسات الممولة للعمل، وصاحبة الإعلانات بمختلف أنواعها تشجع على اختيار المؤثر ذو الشعبية الكبيرة وترحب به، لأن هذا النوع من الأشخاص يعتبر وسيلة ربحية، أي أن وجوده كما نراه الآن يبقى لهدف تجاري بحت، فالإشهار عبره يصل إلى أكبر عدد ممكن من الزبائن من خلال تلك الشعبية اللصيقة به، كما أن المعلن لا تهمه كثيرا الموهبة ولا الذائقة الفنية.

ألا يتقن المؤثرون التمثيل ؟

من جهة أخرى، يعتقد مخناش أن المؤثرين بشكل عام ليسوا بالضرورة سيئين في التمثيل أو مرفوضين -فنيا-  لمجرد أنهم قادمون مواقع التواصل دون تكوين فنيّ، كما لا يمكن اعتبار كلّ خرّيجي معاهد التمثيل والمسرح مبدعين أو صالحين للتمثيل ولتقديم أعمال جيدة، كما لا يجب الخلط -حسبه- بين ما يقدمه المؤثر من محتوى على منصات التواصل، وبين تمثيله في المسلسلات التي يشارك فيها، حيث لا يمنع الأول الثاني، كما أنهما لا يتعارضان، حيث يرى المتحدث أن الأمور نسبية بين ما يقدم على شبكات التواصل وبين ما نراه في مسلسلاتنا، إذ لا يضمن الأول جودة الثاني ولا سوءه.

المؤثر واقع وجب تأطيره 

لا يعارض طارق مخناش وجود المؤثرين في هذه الأعمال الفنية، لأنه يدرك ما تبحث عنه القنوات في الواقع من هؤلاء الشباب، كما دعا إلى النظر إلى هذه الأمور بطريقة براغماتية، حيث لا يمكن إنكار وجود مئات الممثلين المتخرجين والخاضعين للتكوين في مختلف المعاهد، لكنهم مخفيون، أو غير نشطين على الانترنت، إذ هنالك أيضا مخرجون يبحثون عن نماذج معينة من الشخصيات، وهذا ما يجدونه طول الوقت وعلى مدار الساعة على شبكة الإنترنت من خلال محتوى المؤثرين، أي أن المخرج يجد بسهولة شخصياته المطلوبة، كما أن "الظهور" الدائم لهؤلاء الشباب يسمح للمنتجين بإيجادهم، ويمنحهم فرص أسهل للظهور في الأعمال الفنية والاحتكاك المباشر بالمخرجين والمنتجين من خلال عدة مناسبات، إضافة إلى تلك الشعبية التي تصطاد المعلنين الذين يدفعون المال للإنتاج بكل سهولة.

في الأخير، يرى المتحدث أن المؤثرين أصبحوا واقعا فرض نفسه، واقعا يشاهد كل يوم، ولديه تأثيره التجاري، ومع أنه من غير المعقول توجيههم جميعا إلى التمثيل ونسيان الفنانين المُحالين إلى البطالة، إلا أنه وجب فقط حسن اختيار الجيد منهم وتأطيرهم، لأن كثيرين منهم لديهم الموهبة التي تخوّلهم الدخول إلى مجال التمثيل، بغض النظر عن نوعية محتواهم الذي قد يراه البعض سيئا، ولنا عدة أمثلة من نجوم اقتحموا هذا المجال وبرزوا فيه سواء محليا أو دوليا.

بين رأي الفنان ورأي المُشاهِد

تقول الطالبة في معهد الفنون الدرامية أسماء مصلي في مداخلة لألترا جزائر أنها تحاول الإدلاء برأي يجمع بين كونها متلقية وأيضا -ممثلة مكوَّنة- حول مشاركة المؤثرين ومختلف الأشخاص من خارج الوسط الفني وغير المطلعين على فن الممثل كأكاديميين أو كهواة في الأعمال الرمضانية.

تشير المتحدثة إلى أنّ رأي الفنان داخلها إذا ما اتخذ شكلا "انفعاليا"، يجعلها تقول بأن الفرص التي تمنح للممثلين في الجزائر محدودة نوعا ما وتبقى مرتبطة أغلبها بمرّة أو مرتين خلال السنة في الموسم الرمضاني، وعليه، إذا افترضنا أنه يوجد عشر فرص للظهور، من المنطقي أن تمنح تسعٌ منها للممثلين الذي درسوا وتكوّنوا في مجال الفنون الدرامية.

من ناحية أخرى، تعطينا أسماء مصلي نظرة مغايرة لهذه الإشكالية، مع أخذ الابداع بعين الاعتبار، فإذا ما رأى المخرج أن الدور يليق بشخص معين دون آخر، ولو كان هذا الشخص من خارج الوسط، أو حتى أتى به من الشارع، فذلك عمله الخاص وهو من سيمضيه، وله كامل الحرية في اختيار الأشخاص الذين يجسدون فكرته الخاصة عن عمله الفني.

هنا، تأتينا المتحدثة بمثال عن الفيلم الايطالي الشهير "سارق الدراجة" الذي كان بطله عاملا عاديا في مصنع وتم توزيعه في الدور لجعل الفيلم واقعيا أكثر، وتقول بأنه حتى وان كان السياق مختلفا بين السينما والتلفزيون من ناحيتي الإنتاج والإخراج وغيرها، إلا أن الممثل في كل الحالات يبقى مطالبا بتحقيق الهدف الأسمى الذي عبر عنه المؤلف الدرامي.

معايير فنية أو تجارية؟

تؤكد أسماء أن السؤال الذي وجب فعلا طرحه، بغض النظر عن ماهية الأشخاص المختارين في العمل الدرامي، سينمائيا كان أو تلفزيونيا، يكمن في نوعية المعايير التي ينتهجها المخرج للقيام بخياراته، هل هي خيارات فنّية محضة؟ أي أن المؤثر الذي اختاره المخرج مرتاح في مواجهة الكاميرا، لديه قدرات تمثيلية، يستطيع التعبير والحديث بشكل سلس، كما يستجيب لمتطلبات الشخصية، أم أن المعايير كانت بالأصل تسويقية وتجارية؟!

 

بالنهاية،  تعتقد أسماء أن ما نراه عموماً من محتوى درامي يقدم فيه صناع المحتوى كنجوم، يخضع بشكل كبير للخيارات التّسويقية والتّجارية للعمل بعيدا عن الدافع الفني، بدليل أنها حاولت  تذكر "مؤثرين" مروا على الأعمال التلفزيونية سابقا ولكنهم لم يتركوا أثرا على المدى الطويل. 

هنا، تعود أسماء بالحديث عن الذوق الفني وصناعته في الدراما الجزائرية، حيث تؤكد حق المشاهدين، وحق الفنانين كمتلقين أيضا وكعاملين في المجال في الدفاع بشكل جدي عن هذه المهنة.