02-نوفمبر-2019

الشهيد علي لابوانت يحظى برمزية كبيرة في الحراك الشعبي (رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

انتشر مؤخّرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يُظهر شابًا من متظاهري الحراك الشعبي وهو يصرخ مردّدًا "يا علي باعوها يا علي" بكلّ حرقة.

المقصود بعبارة "باعوها يا علي"، هو شهيد الثورة الجزائرية علي لابوانت الذي اغتيل رفقة ثلاثة من رفقائه في الكفاح

 هذا الفيديو أحدث ضجّة كبيرة على موقعي فيسبوك وتويتر، حيث تداوله العديد من النشطاء، في حين صارت هذه الجملة لصيقة بمظاهرات لاحقة أيّام الثلاثاء في حراك الطلبة وظهيرة الجمعة من كلّ أسبوع، وحتى في باريس كلّ يوم أحد.

اقرأ/ي أيضًا: لصالح من تشوه رموز ثورة التحرير الجزائرية؟

المقصود بهذه العبارة "باعوها يا علي"، هو شهيد الثورة الجزائرية علي لابوانت الذي اغتيل رفقة ثلاثة من رفقائه في الكفاح، إثر تفجير استهدفهم بأحد منازل حيّ  بالقصبة، بعد أن رفضوا الاستسلام لأفراد الجيش الفرنسي الذين طوقوهم من كل صوب، وربّما كان أيضًا علي لابوانت بطل فيلم "الأفيون والعصا"، الذي تقمّص دوره الفنان الراحل سيد علي كويرات في هذا العمل، لتصبح الشخصيتان (الحقيقية والفنّية)، رمزًا للمقاومة والإصرار والتضحية في العقل الجمعي. 

لماذا يُستحضر علي لابوانت، أو "علي موت واقف" دائمًا حينما يتعلّق الأمر بالحرّية والاستبسال والنضال في الأوساط الشعبية؟ 

تراتيل الغضب الشعبي

 يقول الكاتب محمد الأمين سعيدي في تصريح لـ "الترا جزائر" إنّ شعارات الحراك الجزائري تُمثل الصوت الراديكالي الذي يقوم على تصفية هرم السلطة، هذه الشعارات نابعة من غضب شعبي كتم صرخاته لعقدين على الأقلّ، وصبر على كثير من الانحدارات التي وصل إليها حال البلاد. 

يضيف سعيدي، أنّ شعار "يا علي باعوها يا علي"، هو كغيره من العبارات. أغلبها واعية، وغايتها واحدة، وقوتّها في انتشارها وطنيًا، هذه العبارات القويّة بحسب محمد الأمين سعيدي، ليست فقط مختصِرةً لما تقوله مطالب الحراك فقط، بل إنها تكشف عن غصّة الشعب ممّا أصبحت عليه الجزائر مع العصابة الحاكمة، على حدّ قوله.

رمزية الثورة في الحراك الشعبي

من جهته، اعتبر الإعلامي المختصّ في الأدب الشعبي مهدي براشد أن اسم علي، قد شكّل على مرّ السنوات رمزًا للمقاومة والتضحية ضدّ السلطة. وإذا كان قد رفع خلال هذا الحراك حسبه، فلاعتبارات عدّة أعادته إلى واجهة المخيلة الشعبية.

لعلّ أوّل ما استدعى اسم علي خلال هذا الحراك، يضيف براشد، هو قرار قائد أركان الجيش الفريق قايد صالح لغلق أبواب العاصمة في وجه المتظاهرين من ولايات أخرى، هذا القرار الذي استفزّ الجزائريين بصفة عامّة وأبناء العاصمة بصفة خاصّة، فتحوّلت العاصمة كما قال المتحدّث، إلى حلبة صراع بين الحراك والسلطة، وتحوّل يوم تلك الجمعة إلى "معركة الجزائر"، حتّى أن إحدى الصحف كتبت "امتحان معركة الجزائر التي انتصر فيها الحراك".

علي، رمزًا للشجاعة

عندما نتصفّح منشورات فيسبوك وتويتر التي تحمل عبارة "يا علي باعوها يا علي"، نلاحظ حضور سلطة التاريخ والثورة عند أصحاب تلك المنشورات حول شخصية علي لابوانت، هذا الشهيد كان دومًا رمزًا للشجاعة وعدم الخوف و"الرجلة والنيف" بالمفهوم الشعبي.

هنا، تقول زينب قبي على صفحتها في فيسبوك: "ما إن انقضت الصلاة حتى انطلقت الحناجر من كل جانب، من بلوزداد وحسيبة وديدوش وعسلة وبن مهيدي مطالبة برحيل رموز الفساد ممن باعوا البلاد، وبين حين وآخر ترتفع من الجموع الغفيرة صرخة واحدة ترتعد لها البنايات فيخرج سكانها مسرعين متزاحمين على منافذ شرفاتهم، ويرتعش إسفلت الشوارع تحت الأقدام ثابتة الخطى: ياعلي، ياعلي، ليس المقصود هنا أمير المؤمنين كرّم الله وجهه، برغم رمزيته وشجاعته، إنها التفاتة للبطل الشهيد علي عمار المعروف بعلي لابوانت، أحد أبطال معركة الجزائر. والذي يستحضره شباب الحراك في أهازيجهم كلّ جمعة كرمز للتضحية والبسالة، وهي تحيّة للممثلة ماري جوزي نات التي رحلت الاسبوع الماضي، والتي أصبحت جملتها ياعلي ياعلي في فيلم الأفيون والعصا لقطة مرجعية".

علي لابوانت وقانون المحروقات 

"يا علي يا عبان باعوها لفرنسا والمريكان"، هكذا كتب المدوّن جمال، ناقلًا تصريح وزير الطاقة "لقد تشاورنا مع الشركات البترولية الكبرى في العالم لإنجاز هذا القانون"، واعتبر صاحب المنشور أنّ عدم شرعية المؤسّسات وبالخصوص الحكومة والبرلمان لا يسمح باتخاد قررات سياسية في مصير خيرات الجزائر، مضيفًا أن مجلس الوزراء قد صادق على قانوني المحروقات والمالية لسنة 2020، حيث اعتبر هذا القانون رشوة للدول الكبرى للسكوت عن قمع وتثبيت واستدامة الحكم العسكري بواجهة مدنية مافياوية، على حدّ تعبيره.

من جهتها، كتبت الشاعرة فاطمة بن شعلال في منشور فيسبوكي لها، أن الجمعة الـ 34 بالجزائر العاصمة، كانت في مجملها مخصّصة للتنديد بمشروع قانون المحروقات ومخاطره على الجزائر، وقد لاحظت ذلك في اللافتات المرفوعة ومن خلال الهتافات التي ردّدتها جموع غفيرة:" يا علي لابوانت لبلاد في الـ  danger، نهار الحد تتباع فالمارشي، نهار الحد"، في دعوة إلى وقفة أمام المجلس الشعبي الوطني هذا الأحد لمنع مرور مشروع قانون المحروقات.

في المخيال الشعبي الجزائري

في هذا السياق، يعود الإعلامي مهدي براشد، إلى أنّ له مكانة خاصّة في المخيّلة الشعبية الجزائرية، ربّما لأسباب تاريخية أهمّها قيام الدولة الفاطمية في الجزائر، وبقائها بها لمدّة قرن، ورجح الإعلامي أن الجزائريين هم الوحيدون من دون كل الدول العربية الأخرى التي قُرنت تسمية علي بلفظة "السيّد" فسموا أبناءهم "سيد علي"

اقترن اسم سيد علي لدى الجزائريين بحسب براشد، إلى وقت غير متقدّم، بالإسلام والتضحية في سبيله، وبمقاومة الكفر وحسن البلاء فيه، فكان من أمثلتهم التي تُضرب فيمن يُبلي بلاء ضدّ العدو قولهم: "دار فيهم ما دار سيد علي في الكفّار"، ومن بين الحكايات الشعبية التي كانت الجدّات ترويها لأحفادهن، مردفًا أن حكاية "سيد علي ورأس الغول"، هي حكاية جسّدتها رسومات كانت تعلّق في البيوت الجزائرية إلى وقت قريب.

في السينما الجزائرية

 كان لفيلم "معركة الجزائر" للمخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو وسيناريو وإنتاج المجاهد ياسف سعدي الذي كان مسؤولًا على علي لابوانت إبّان معركة الجزائر، دورًا كبيرًا في ترسيخ صورة علي لابوانت في المخيلة الجزائرية. شاب في ريعان الشباب من الطبقة المسحوقة إبّان الاحتلال الفرنسي، يترك محيط العصابات والنساء والقمار، وينظم إلى صفوف جبهة التحرير الوطني وعناصر معركة الجزائر.

حين يسقط المقاومون في العاصمة الواحد تلو الآخر، يبقى علي لابوانت في القصبة، رفقة حسيبة بن بوعلي وبوحاميدي والطفل عمر ياسف، ويُحاول بعث خلية المقاومة من جديد لاستمرار المعركة، يُضيف براشد، أن قوّات الاحتلال الفرنسي تعرفت على مخبئه في أحد بيوت القصبة، حيث رفض الاستسلام وفضل الموت إلى ثلاثة آخرين من رفقائه في السلاح. تفجّر القوات الفرنسية البيت الذي تحصّنوا به، ويتحوّل علي لابوانت في مخيلة الجزائريين إلى رمز للبطولة والتضحية وعدم الاستسلام.

كان لفيلم "معركة الجزائر" دورًا كبيرًا في ترسيخ صورة علي لابوانت في المخيلة الجزائرية

أمّا فيلم "الأفيون والعصا"، وقد تكون الصدفة بحسب المتحدّث، أن يقع اختيار صاحب السيناريو على اسم علي بطلًا في العمل، ويجسّد سيد علي في الفيلم، شخصية مجاهد يُلقى عليه القبض من طرف قوّات الاحتلال الفرنسي، ولكنّه يرفض الركوع في المشهد الأخير، حين يحاول أحد جلّاديه إذلاله بإلقاء علبة السجائر على الأرض ويطلب منه التقاطها قبل إعدامه، يصرخ أحد رفقائه المعتقلين "يا علي موت واقف"، وهي العبارة التي أصبحت متداولة على ألسنة الجزائريين، في كل سياق يدلّ على المقاومة والكبرياء، يُضيف برّاشد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تفاعل الجزائريون مع تحرك جميلة بوحيرد ضد بوتفليقة؟

هل سيكتب تاريخ الجزائر من جديد؟