في أقصى جنوب الصحراء الجزائرية، وفي مدينة أدرار المليئة بقصص التاريخ والواحات والقصور العتيقة، ولد عمل كوميدي بنكهة صحراوية، يتابعه الجمهوري الجزائري على التلفزيون في شهر رمضان الحالي بعنوان "قهوة الشومارة" وتعني مقهى البطالين بالدارجة الجزائرية.
يجتمع في "قهوة الشومارة" ممثلون شباب من أبناء أدرار، بعضهم يمارس المسرح وبعضهم الآخر من صنّاع المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي
هذا العمل يعدّ أول سلسلة فكاهية تصور في ولاية أدرار، أبطاله شباب من هذه الولاية الواقعة بأقصى جنوب البلاد، يظهرون لأول مرة في عمل تلفزيوني سيكون عليه منافسة أعمال كوميدية ودرامية يشارك فيها نجوم وفنانون جزائريون لهم باع طويل في المسلسلات الرمضانية.
تُعرض سلسلة "قهوة الشومارة" على قناة "الشعبية" إلى جانب عدّة أعمال أخرى مثل "دوار الشوابين" من بطولة كريم سليماني، الذي تصوير حلقاته في مدينة تيارت غربي الجزائر، إضافة إلى سلسلة "بوقاطو" بطولة عبد الحق زرقان وأسماء محجان.
يجتمع في "قهوة الشومارة" تحت إشراف المخرج الواعد بلال بهلول، ممثلون شباب من أبناء أدرار، بعضهم يمارس المسرح، وبعضهم الآخر من صنّاع المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي على يوتيوب وتيك توك، وهم سيد علي جباري، خاليدو، أسامة كنزاح وهابه صبرينة، وآخرون.
بعيدًا عن الإنتاج التلفزيوني المرتكز أغلبه في الجزائر العاصمة، سيدخل المشاهد الجزائري أحياءً وأزقة أدرار العتيقة من بوابة "قهوة الشومارة"، التي ستقدم له مواقف طريفة وكوميدية وقصصًا محلية، تتناول قضايا اجتماعية تمس حياة المواطن الجزائري بصورة عامة والمواطن الأدراري بشكل خاص، من خلال يوميات رؤوف صاحب المقهى.
اللهجة الأدرارية البسيطة المتسعملة في سلسلة "قهوة الشومارة"، تبتعد عن كثير من الأعمال التلفزيونية التي تعتمد على اللهجة العاصمية أو البيضاء، حيث نلمس في هذا العمل الاختلاف والتنوع الثقافي معًا في الجزائر، وهو ما يمنح المشاهد الجزائري فرصة لاختيار الأعمال القريبة من محيطه وبيئته، أو لاكتشاف هذا التنوع اللغوي والهوياتي في شكل آخر من الأعمال الفنية.
ترتكز أحداث العمل على رؤوف (بلعوط) مسير المقهى، حيث تضمّنت الحلقة الأولى تدخله لفضّ شجار بين " أم سي" شاب متيم بفن الراب، ويحوز وثائق تثبت ملكية المقهى لجدّه، وبين أحد المستأجرين يدعى "قنيفحة" استغل المكان إلى جانب بلعوط وقاما بتهيئته وتنظيفه وإعادة ترتيبه، أمّا الحلقة الثانية فتوقفت عند غلاء أسعار المواد الغذائية والوكالات السياحية التي يتحايل بعضها على الزبائن.
في الحلقة الأولى من العمل الذي كتبه سيد علي جباري، يلمس المشاهد توظيف اللموسيقى الصحراوية ونغمات آلة القومبري التقليدية، إضافة إلى موسيقى الراي، وتمثلذلك في أغنية "أنا وغزالي يا لالة" للمغنية الراحلة الشيخة الريميتي.
إلى هنا، يقول الممثل وكاتب سيناريو السلسلة سيد علي جباري، في حديث لـ "الترا جزائر" إن "قهوة الشومارة" مستمدة من طاولات بيع الشاي والمحاجب والبيض المسلوق وأغراض أخرى زهي منتشرة بشكل واسع في شوارع مدينته أدرار، وتجتمع حولها فئات عمرية مختلفة، مضيفًا أنّه لا يديري إن كانت هذه الظاهرة موجودة في كل دول العالم وفي ولايات أخرى من الجزائر، ولكنّها موجودة بكثرة في أدرار، على حد قوله.
واستطرد قائلًا: "السلسلة فكرتي والسيناريو من كتاباتي، ورافقني في ذلك خلية كتابة ضمّت أيضًا صونيا عزري وخاليدو، اقترحت الفكرة على قناة الشعبية ، وإدارة القناة آمنت بقدراتنا وأعجبت بها وقررت تمويل المشروع".
وأشار المتحدث إلى أنّ "السلسلة التي بدأ عرضها أول أيام رمضان، تتناول مواضيع اجتماعية وتحمل في طياتها رسائل هادفة، وتصوير حلقاتها متواصل، باعتبار أنّ الشروع في التصوير بدأ قبل أسبوع على حلول الشهر الفضيل".
ولفت جباري إلى أنّ "أغلب الممثلين في قهوة الشومارة من أدرار، إضافة إلى وهابة صبرينة من ولاية تمنراست (جنوب)، وخاليدو من ولاية تيارت (غرب)، وصناع المحتوى أسامة كنزاح".
ووفق المتحدث "تصوير السلسلة واجه صعوبات على صعيد ضيق الوقت بانطلاق عروض رمضان التلفزيونية على مختلف القنوات، والإمكانيات القليلة، وخاصة معدّات التصوير التي لا تتوفر كلها في أدرار، مما يضطرهم إلى جلبها من العاصمة".
وأوضح المتحدث أنّ "قهوة الشومارة، تعدّ إنتاجًا محليًا بطابع صحراوي وبطابع أدراري بالخصوص، انطلاقًا من التسمية الخاصة والمرتبطة بطاولات بيع الشاي والبيض والمحاجب والتي تتواجد بشكل واسع في أدرار".
وبحسبه " قهوة الشومارة تعكس التنوع الثقافي والفني في الجزائر القارة وفي المدن الصحراوية التي لا تزال مادة خام بحاجة إلى استغلال من خلال انجاز أعمال كوميدية أو درامية تحمل طابع البيئة الصحراوية".
ولم يخف الممثل جباري الذي يجسد شخصية "بلعوط" في هذا العمل أنّ البرومو التشويقي الذي طرح قبيل رمضان بخصوص السلسلة لاقى استحسانًا كبيرًا في الوسط الفني وحظي بتفاعل الجمهور على منصات التواصل".
"قهوة الشومارة".. إنتاج من عمق الصحراء، تصنعه مواهب شابة تؤمن بقدراتها وإمكانياتها
"قهوة الشومارة".. إنتاج من عمق الصحراء، تصنعه مواهب شابة تؤمن بقدراتها وإمكانياتها، يعكس إبداعًا خارج المركز واستوديوهات العاصمة، بدليل وجود نماذج فنّية ناجحة ظهرت في مدن أخرى، مثل المسلسل الدرامي "بنت البلاد" ليوسف محساس الذي قام بتصويره في قرية عتيقة بولاية برج بوعريريج (2350 شرق العاصمة الجزائر)، أو مسلسل "أولاد الحلال" الذي اتخذ من شوارع وأحياء وهران وأشهرها "الدرب" مسرحًا لأحداثه وقصصه.