05-ديسمبر-2021

(صورة أرشيفية/ فيسبوك/الترا جزائر)

بانتهاء فصول الانتِخابات المحلية البلدية والولائية التي جرت في الـ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تكون السلطة الجديدة قد وصلت إلى آخر محطة من المسار الانتخابي والسياسي الذي وعد به الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وبذلك أسدل الستار عن فصل من فصول تركيز المؤسّسات بعد الانتخابات الرئاسية واستفتاء الدستور والانتخابات التشريعية، واتضحت معالم التشكيلة السياسية في البلاد.

 الخريطة السياسية باتت واضحة المعالم وتمّ تطهيرها شيئًا فشيئًا لفائدة أحزاب الموالاة التي عادت بقوّة

يبدو أن التّشكيلات السياسية التي تصدّرت الترتيب في الانتخابات المحلية الأخيرة، قد رسمت الخارطة السياسية في البلاد بتشكيلة تضمّ سبعة أحزاب إلى جانب الأحرار، تتقدمهم حسب النتائج التي أقرّت بها السّلطة الوطنية للانتخابات كل من حزب جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، جبهة المستقبل، حركة مجتمع السلم، وحركة البناء الوطني، وصوت الشّعب وجبهة القوى الاشتراكية، فيما يظلّ حزبان مهيكلان ينشُطان في الساحة السياسية رغم مقاطعتهما للانتخابات الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: "حمس" تنفي تراجعها في المحليات رغم احتلالها المرتبة الخامسة

كما أفرزت الانتِخابات المحلية تصدَّر تكتّل القوائم المستقلّة التي وجدت لها مكانًا في الساحة ضمن صفوف مختلف المكونات السياسية الناشطة وهذا وحده مؤشّر مهمّ في الصورة الكاملة عن الانتخابات التي تجرى بقانون انتخابي جديد وفي ظروف تكاد أن تكون مغايرة تمامًا لما جرت فيه الاستحقاقات المحلية في العام 2017. 

يعتقد متابعون للشّأن السياسي في الجزائر، أنّ هذه الانتخابات أنتجت أحزابًا تقدّمت في ترتيب المشهد وأخرى انحسرت أو تقهقرت، وبذلك فإن الخريطة السياسية باتت واضحة وتمّ تطهيرها شيئًا فشيئًا، لفائدة أحزاب الموالاة التي عادت بقوّة، وحتى الأحزاب التي تدور في فلكها، أو ما توسم بـ "الأحزاب الوطنية".

وفي هذا الصدد قرأ أستاذ العلوم السياسية عبد الله داسة نتائج الانتخابات أنها لمعت الصورة السياسية، خصوصًا بعودة ترتيب أحزاب كانت في السابق من يصنع الفارق في الانتخابات لفترة العشرية الأخيرة، كما أكّد أن الانتخابات المحلية ستعيد نظرة الأحزاب القديمة أو الأحزاب التقليدية التي تتصدّر المشهد السياسي في الجزائر.

وأضاف الأستاذ داسة في تصريح لـ "الترا الجزائر" أن الصورة لا تتوضّح في الانتخابات كأرقام صماء، لكن الأخيرة أي هذه الأرقام لا تجامل ولا تحابي أي شخص" فهي في قراءة أولية تثبت مدى تموقع حزب "الأفلان" و"الأرندي"، وبأقلّ مرتبة كل من حركة البناء الوطني  وجبهة المستقبل.

المفاجأة

في السياق نفسه، نبّه المتحدّث إلى أن قوائم المستقلين صنعوا المفاجأة للمرّة الثانية، إذ حلوا في مرتبة ثانية في الانتخابات البرلمانية، والمرتبة نفسها في المجالس البلدية والولائية، إذ يُعتبر فوزًا كاسحًا للمستقلين لاعتبارات عدة أهمّها: "قوة الحضور الشبابي بانتهاز فرصة تمويل حملتهم الانتخابية من طرف السلطات".

وفي هذا الصدد، يُعتبر حضور الأحزاب الأخرى هو الآخر له مبرّراته، فبمشاركة حزبي المعارضة حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية، اللتان حققتا فوزًا لافتًا بالمقارنة دومًا مع استحقاقات سابقة، ورغم أن جبهة القوى الاشتراكية قاطعت الانتخابات البرلمانية، إلا أنها تمكنت من الظفر بمقاعد في المجالس البلدية والولائية، وهذا يفسر على "تموقعها النضالي".

وفي قراءة سياسية للمسار الانتخابي الأخير، والذي أغلق دورة انتخابية منذ سنتين، فإن تنظيم الانتخابات في ظروف شديدة الخصوصية في حدّ ذاته انجاز للعديد من المكونات السياسية، إذ أشار القيادي في حركة مجتمع السّلم حمدادوش ناصر، أن هذه الانتخابات المحلية الأخيرة هي استحقاقات مسبقة وتم تنظيمها في أقلّ من ثلاثة أشهر، ما جعلها مستعجلة.

وحول استثنائية هذه الانتخابات قال حمدادوش في إفادته لـ "الترا جزائر" إن الإعلان عن الانتخابات كان مترددًا بسبب الأزمة الوبائية وارتقاع حصيلة الإصابات بالوباء الخطير، مضيفا أن السياق الاجتماعي والاقتصادي كان سلبيا ما أعطى التقديرات بعزوف كبير للمواطنين.

وعكس القليل من التوقّعات شرح المتحدّث، أن الفترة التي تم الإعلان عن تنظيم الانتخابي عرفت الجزائر الحرائق وانقطاع المياه واحتقان شعببي بسبب غلاء الأسعار الخاصة بالمواد ذات الاستهلاك الواسع، على حدّ تعبيره.

أما السياق السياسي فذكر المتحدث أن "قانون الانتخابات وإجراءاته الانتقالية، صعّب من مهمّة الأحزاب خاصة ما تعلق في جمع التوقيعات والترشيحات على مستوى جميع الدوائر الانتخابية الولائية والبلدية.

جميع هذه المعطيات أدت إلى حالة من الإحباط في الأوساط الشّعبية، خصوصًا مع تجربة الانتخابات التّشريعية التي جرت في شهر حزيران/جوان والنّتائج التي أسفرت عن مشاركة غير مرضية.

المسار متواصِل

تبقى كلّ الانتخابات التي جرت خلال السّنتين الأخيرتين، مِعيارًا لبروز أسئلة جوهرية، تتعلق أولًا بالطبقة السياسية في الجزائر، وثانيًا بالمشهد السياسي والاجتماعي إذ لن يتوقف المسار السياسي الذي وضعه الرئيس تبون في برنامجه الانتخابي في 2019، عند استكمال النّشاط الانتخابي ووضع المؤسّسات في مكانها، بل ستعود العجلة للدوران من جديد خصوصًا وأن المواطن هو الحلقة الأمتن والأهم في كل بناء مؤسساتي.

وفي هذا المضمار، يطرح المتابع للشأن السياسي في الجزائر رضوان حمادي زاوية أخرى للمشهد، بعد أن ركنت بعض الأحزاب لما أسماه بالركود السياسي أو أصابها الخمول في الفترة الأخيرة.

وقال حمادي لـ"الترا جزائر" أن بعض الأحزاب التي تنشط في المواسم الانتخابية وتختفي بعد انتهاء كل موسم، يفترض عليها أن تعيد هيكلتها من الداخل، في الفترة المقبلة على أساس أن الأخيرة أي المرحلة لما بعد الانتخابات المحلية ستكون اقتصادية واجتماعية بامتياز.

وعرّج للحديث عن "حركة الإصلاح الوطني" و"حركة النهضة" و"جبهة العدالة والتنمية" و"تجمع أمل الجزائر"و" الجبهة الجزائرية"، إذ قال أنها " دخلت منطقة الظلّ بسبب عدم قدرتها على تحصيل نتائج تليق بمقامها الزّمني من حيث عمرها كأحزاب في الساحة السياسية.

الملفِت للانتباه، خروج عدد لا بأس من الأحزاب من حقل المنافسة بحصيلة "لا شيء"، وهذا مؤشّر أيضًا على أن الساحة ستعرف تطهيرًا مؤقتًا، إلا إذا رضيت هذه الأحزاب بأن تكون موجودة في المناسبات فقط، دونما أن يكون له حضور في حصد المقاعد وبالتالي إقصاء نفسها من التسيير.

نتائج الانتخابات المحلية تفضي إلى ضرورة قيام متخلف المكونات السياسية بمختلف توجهاتها إلى مراجعات ميدانية من حيث ممارستها العمل السياسي

عمومًا، نتائج الانتخابات المحلية تفضي إلى ضرورة قيام متخلف المكونات السياسية بمختلف توجهاتها إلى مراجعات ميدانية من حيث ممارستها العمل السياسي، وخلق فضاءات تأسيس مؤسسات حزبية بإمكانها أن تخوض المنافسة الانتخابية في قادم الاستحقاقات بعد انتهاء الفترة المحلية والنيابية الحالية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ضحايا الاستعمار الفرنسي.. جزائريون مهجّرون إلى المحتشدات والمنافي

منظّمة المجاهدين: يجب تجريم الاستعمار قبل التعاون في ملفّ الذاكرة مع باريس