10-أغسطس-2023
مشاريع

(الصورة: Getty)

تراهن الحكومة على زيادة عدد المشاريع الاستثمارية الوطنية أو الأجنبية لتنويع الاقتصاد وإخراجه من التبعية لبرميل النفط، مثلما يُلح على ذلك الرئيس عبد المجيد تبون في مختلف تصريحاته الإعلامية، وهي مهمة ليست بالسهلة بالنظر إلى الركود الذي طبع مجال الاستثمار في السنوات الماضية، فما هو واقع الاستثمار في الجزائر؟

عبد الصمد سعودي، أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة، لـ"الترا جزائر": ما يهم الجزائر في الاستثمارات الأجنبية قيمتها المالية أكثر من عددها 

وانطلاقًا من جعلِ 2023 سنة الإقلاع الاقتصادي، تحاول الحكومة تذليل كل العوائق أمام المستثمرين بتعديل التشريعات المنظمة، واستقطاب رأس المال الأجنبي والخاص لقطاعات خارج النفط، وبالخصوص لتحقيق مساعيها في الانضمام إلى مجموعة "بريكس" وتنويع الشركاء الاقتصاديين.

نمو

كشف الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمان، خلال إشرافه على مراسم تنصيب المجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات، قبل أيام  بلوغ عدد المشاريع الاستثمارية المسجلة، الحائزة على كل الشروط والتحفيزات إلى غاية 20 تموز/جويلية 2023، 2984 مشروعًا، والتي ينتظر أن توفر أكثر من 76300 منصب شغل.

وكانت الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار إجمالي قد سجلت 1877 مشروعًا استثماريًا في 2021 بمبلغ مالي قدره 526 مليار دينار جزائري، بمعني أن الأرقام المسجلة خلال النصف الأول من العام الجاري قد تضاعفت مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أكثر من عام.

وفي أيار/ماي الماضي، صرح المدير العام للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، عمر ركاش، أن عدد مشاريع الاستثمار المسجلة ارتفع في الفترة الممتدة بين 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 و30 نيسان/أفريل 2023 بنسبة 121 بالمائة على أساس سنوي، ليبلغ  2016 مشروعا بقيمة إجمالية تقدر بـ922.83 مليار دج، مشيرا إلى تسجيل 57 مشروعا يصنف ضمن الاستثمارات الكبرى.

وأوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة، عبد الصمد سعودي، لـ"الترا جزائر" أن أهمية ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية تكمن في علاقته الطردية بالتوظيف وفتح مناصب شغل جديدة، بالنظر إلى أن هذا العامل مهم للحكومة في التقليص من البطالة، واحتواء انشغالات طالبي العمل، وبالخصوص  الشباب منهم.

وأضاف سعودي أن زيادة الاستثمارات تعني بالضرورة مساهمة في رفع قيمة الناتج المحلي الخام.

وقال الرئيس عبد المجيد تبون في لقائه الدوري الأخير مع الصحافة الوطنية إن الناتج المحلي الخام للجزائر وصل إلى 225 مليار دولار، متوقعًا ارتفاعها  حتى 245 مليار دولار بعد الانتهاء من رقمنة كل القطاعات الاقتصادية، وذلك بفضل التحول الذي يشهده الاقتصاد الوطني، بمحاولة الخروج من اقتصاد ريعي يعتمد فقط على صادرات المحروقات واستيراد كل شيء، إلى اقتصاد منتج يستطيع التصدير وخلق الثروة.

وبيّن تبون أن الاستثمارات القائمة حاليًا تدخل في معظمها ضمن هذه المقاربة القائمة على تحقيق الاكتفاء الوطني أولا ثم التوجه نحو التصدير، مستشهدا بأمثلة الصناعات التحويلية مثل الزيت والسكر.

تشريع جديد

صنف الوزير الأول ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية المسجلة على أنها دليل واضح على "نجاعة المقاربة المنتهجة لإصلاح المنظومة الوطنية في مجال الاستثمار ورفع كل العراقيل والاختلالات، عبر إصدار قانون الاستثمار الجديد في 24 جويلية 2022 وكل نصوصه التطبيقية، مع التنصيب الفوري للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، ومباشرة نشاطها."

وأضاف بأن "البوادر الإيجابية لعمل الوكالة بدأت تبرز للعيان، لاسيما في مجال تحرير فعل الاستثمار والمرافقة الحثيثة للمستثمرين، مع استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وهي الإصلاحات التي ستكتمل مع صدور النصوص التشريعية الأخرى المرتبطة لاسيما بالعقار الصناعي، بما يضمن ضبط العقار وتوفيره وتهيئته لتوطين الاستثمارات، مع تعزيز الحماية القانونية للعقار بكل أنواعه، ومجابهة التعدي عليه بكل صرامة".

وبدوره، يعتبر الدكتور عبد الصمد سعودي أنه لا يمكن إغفال تأثير الإجراءات التي حملها قانون الاستثمار الجديد على حجم المشاريع الاستثمارية المسجلة، مشيرا إلى أن الحكومة سجلت استثمارات بقيمة 8 مليارات دولار منذ دخول هذا القانون حيز التطبيق.

واعتبر سعودي أن التشريعات الجديدة تظهر أن الجزائر أصبحت منفتحة على الاستثمار  المحلي والأجنبي، على عكس ما كان في السابق، حيث كانت العوائق البيروقراطية وانتهاج المركزية في أخذ القرار الاقتصادي تحد من أي مبادرة استثمارية، منها قاعدة 51/49 التي كانت منفرة لرأس المال الأجنبي.

وألغت الحكومة في قانون المالية التكميلي لعام 2020 قاعدة 51/49 التي كانت تطبق على الاستثمارات الأجنبية، وأبقتها محصورة على القطاعات الاستراتيجية، وعلى رأسها المحروقات والمناجم، باعتبار هذين القطاعين يخصان الثروات البطانية للبلاد.

وشكل قانون الاستثمار الجديد الصادر قبل عام تحولا في نظرة الحكومة لدور القطاع الخاص في الاقتصاد الجزائري، وبالخصوص بالنسبة للشريك الأجنبي، وذلك بالعمل على اعتماد نظام الشباك الوحيد، ولا مركزية القرار، إضافة إلى استمرارية العمل به، فقد وعد الرئيس تبون بعدم تغيير هذا القانون لمدة 10 سنوات على الأقل.

دون المأمول؟

لم تشكل المشاريع المشتركة مع أجانب من العدد الذي أعلنه الوزير الأول سوى 21 مشروعًا، وهو إن كان يدل على اهتمام رأس المال الأجنبي بالسوق الجزائرية، فإنه يظهر في الوقت ذاته أن الاستثمارات الخارجية في الجزائر تبقى دون المطلوب، ولا تتناسب مع السوق الجزائرية، والإمكانات البشرية والطبيعية التي تتوفر عليها البلاد.

غير أن أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة عبد الصمد سعودي ينظر إلى هذا الرقم من  زاوية أخرى، حيث قال لـ"الترا جزائر" إن ما يهم في الاستثمارات الأجنبية قيمتها المالية أكثر من عددها.

وذكر أن الرئيس تبون ركز في زياراته إلى إيطاليا والبرتغال وقطر وروسيا والصين على إبراز المزايا التي يوفرها قانون الاستثمار للمتعاملين الاقتصاديين الأجانب، مشيرا أنه لاحظنا في الفترة الأخيرة تحولًا في مجالات الاستثمارات الخارجية فقد أصبحت تشمل قطاعات الفلاحة والسيارات والتكنولوجيا، وغيرها من القطاعات التي لا ترتبط بقطاع المحروقات.

وأبرز سعودي أن هذا الجانب يمكن فمهمه من خلال الوعود التي تلقاها الرئيس تبون خلال زيارته للصين، حيث كشف أن بكين وعدت بالقيام باستثمارات في الجزائر تصل قيمتها إلى 36 مليار دولار.

وكان الرئيس تبون قد صرح في لقاء تلفزيوني شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي أن الجزائر توفر كافة الضمانات لاستقطاب الاستثمار الأجنبي في مختلف القطاعات، مضيفا أن الفترة المقبلة ستشهد تجسيد عديد المشاريع الاستثمارية، مضيفا أن "الجميع متيقن اليوم أن الاستثمار في الجزائر مربح وهو ليس بمغامرة, إنما هو استثمار آمن بفضل إمكانية تحويل الأرباح والاحتياطات التي تتمتع بها البلاد وتوفر الثروات".

وأكد تبون وقتها أنه يجري العمل مع الدول المستثمرة في الجزائر كقطر وتركيا على مواصلة استثماراتها وتعزيزها، لافتا إلى انه تم الاتفاق مع أنقرة على زيادة استثماراتها إلى 10 مليارات دولار، مضيفا أن عدة شركات أمريكية عبرت عن رغبتها في الاستثمار في الفلاحة والصناعة وغيرها.

من المؤكد أنه لا أحد ينكر أن عجلة الاستثمار بالجزائر تحركت في الفترة الأخيرة، إلا أنها تظل لا تواكب تطلعات الحكومة والقدرات الجغرافية والطبيعية والبشرية التي تتوفر عليها الجزائر، الأمر الذي يتطلب القيام بمجهودات أكثر، وبالخصوص فيما يتعلق بتحسين المنظومة المصرفية وسوق العملات والتخلص من الذهنيات القديمة التي ما تزال تقف صدا منفرا لكل استثمار نزيه وحقيقي سواء كان محليا أو أجنبيا.