16-أكتوبر-2022
مسنون يجلسون أمام نصب تذكاري ببلدية المالح (الصورة: Getty)

مسنون يجلسون أمام نصب تذكاري ببلدية المالح (الصورة: Getty)

أصبح التطعيم في عصرنا الحديث، من الأسلحة المناعية الأساسية للوقاية من الأمراض المعدية والفيروسية. وإذا تم أخذ اللقاحات بشكل صحيح مع اتباع الرزنامة، فإن ذلك يمنع من ظهور الأمراض الفردية والأوبئة، ويؤدي إلى اختفائها تمامًا.

جاءت الجزائر في المرتبة الأولى مغاربيًا في تقرير  التنمية البشرية لمستوى الرعاية الصحية الصادر عن الأمم المتحدة سنة 2022

وقد أدركت الجزائر هذه القاعدة منذ الاستقلال، واستطاعت بفضل سياسة اللقاح للجميع، أن تخفض من نسبة الوفيات وتزيد من أمل الحياة الذي لم يكن يتجاوز 50 سنة في فترة الاستعمار الفرنسي، ثم قفز إلى ما فوق 70 سنة بعد الاستقلال.

وفي تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة لسنة 2022، حصلت الجزائر على المرتبة الأولى مغاربيًا، ومن بين المؤشرات المهمة التي يضعها بها التقرير مستوى الرعاية الصحية والتي من بينها توفير اللقاحات الضرورية للأطفال منذ الولادة.

اللقاحات المعتمدة في الجزائر

وتعود آخر رزنامة اعتمدتها الجزائر لتلقيح الأطفال إلى سنة 2018 ، ويحتوي جدول التلقيح الإجباري الجديد على تلقيحات ضد عدد من الأمراض يتم توفيرها من الولادة إلى ما بعد بلوغ 18 سنة.

وتتضمّن القائمة المعتمدة في الجزائر 11 لقاحًا، كل واحد منها مضاد لمرض معين؛ وتشمل المجموعة: اللقاح المضاد للسل والذي يقدم عند الولادة، واللقاح المضاد لالتهاب الكبد الفيروسي  وهوالذي يأخذ عند الولادة وفي سن الشهرين والأربع الأشهر والسنة، واللقاح المضاد للخناق والكزاز والسعال الديكي اللاخلوي الذي يقدم في سن الشهرين والأربعة الاشهر والسنة وست سنوات،  واللقاح المضاد للشلل في سن الأربعة أشهر والسنة عن طريق الفم وفي سن الشهرين وست سنوات عن طريق الحقن، واللقاح المضاد للمكورات الرئوية 13 واللقاح المضاد للهيموفليوسا الإنفلونزي في سن الشهرين والأربع أشهر والسنة،واللقاح المضاد للحصبة والنكاف والحصبة الألمانية في سن 11 و18 شهرًا، وانطلاقًا من عمر 13 يقدم اللقاح المضاد للخناق والكزاز كل عشر سنوات.

في هذا السياق، شدد الدكتور محمد ملهاق الباحث في علم الفيروسات، في تصريح لـ "الترا جزائر"، على الأهمية المحورية التي تلعبها اللقاحات في الصحة العمومية، وهو ما تحرص عليه العائلة الجزائرية التي تقبل على تطعيم أطفالها منذ الولادة.

وعن الأمراض والأوبئة التي قضت عليها الجزائر، قال ملهاق إن المنظومة الجزائرية أثبتت فعاليتها في بالقضاء على عدة أوبئة وأمراض منذ الاستقلال التي كانت شائعة مثل الحصبة وشلل الأطفال والجدري والسعال الديكي والسل بفضل الحملات الوطنية وبرامج التلقيح التي اعتمدتها وزارة الصحة.

كيف تطورت منظومة التلقيح في الجزائر؟

اللقاحات هي مُنتجات تُعطى عادةً أثناء الطفولة لحماية الأطفال من أمراض خطيرة، وأحياناً فتاكة، وذلك بتحفيز الدفاعات الطبيعية في الجسم، مما يهيّئه لمكافحة الأمراض على نحو أسرع وأكثر فاعلية. كما تساعد جهاز المناعة الموجود في الجسم على مكافحة الالتهابات بفاعلية أكبر من خلال إطلاق استجابات المناعة ضد أمراض محددة. وبعد ذلك إذا اجتاح الفيروس أو الجرثومة الجسم في المستقبل، سيكون جهاز المناعة مدركًا لكيفية مكافحة هذا الفيروس أو الجرثومة.

وللحصول على مناعة أساسية، غالبًا ما تكون عدة حقن ضرورية (على سبيل المثال، ثلاث حقن بفارق شهر واحد مع جرعة معززة بعد عام واحد)، كما يجب للحفاظ على حماية كافية ودائمة، تحفيز المناعة من خلال معززات منتظمة محددة في جدول التطعيم.

وفي حديث مع" الترا جزائر"، قال الدكتور إلياس مرابط، رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، إن البرنامج الوطني للقاح الموسع بدأ في سنوات السبعينات وعرف عدة تغييرات بفعل ظهور وإختفاء عدة أمراض مثل التهاب الكبد الفيروسي الذي بدأ اللقاح ضده في الجزائر 2003، وكذا توفر اللقاحات على المستوى العالمي لأنه لا يوجد إنتاج على المستوى المحلي، حيث تحدث بسبب هذه التبعية تذبذبات في توفر بعض اللقاحات مثل فيتامين ك وفيتامين د مما يؤخر، حسبه، تزويد العيادات باللقاحات.

 وأضاف مرابط أن منظومة اللقاح من أنجح البرامج الوقائية التي اتبعتها الجزائر، وهي تلبي احتياجاتنا حسب النمو الديموغرافي وحسب المتغيرات الوبائية، مؤكدًا أن البرنامج الوطني للقاح ساهم بالإضافة إلى عوامل أخرى في رفع معدل العمر من 45 سنة في سنوات ما بعد الاستقلال إلى 76 سنة حاليًا.

وفي هذا السياق، ذكر المتحدث أن الجزائر حصلت على شهادة رسمية من منظمة العالمية للصحة لأنها قضت تمامًا على شلل الأطفال بفضل برنامج التلقيح المتبع، وتم التخلي عن اللقاح ضد الشلل عن طريق الفم والاقتصار فقط على اللقاح عن طريق الحقن.

تاريخ اللقاحات في العالم

أول لقاح في تاريخ البشرية كان من إعداد إدوارد جينر في عام 1796 الذي استخدم مادة مأخوذة من بثور جدري الأبقار لإنشاء لقاح ضد الجدري. أخذ السائل من بثور امرأة مصابة بجدري الأبقار، وحكه في جرحين على ذراع طفل في الثامنة من عمره اسمه جيمز فيبس. وبعد أسبوعين، قام إدوارد جينر بتطعيم الطفل بمادة مأخوذة من بثور حديثة لمرض الجدري، فلم تظهر أي أعراض لمرض الجدري على الطفل جيمز. وهكذا عرفت البشرية أول لقاح ضد الأمراض بالمفهوم الحديث.

 وكان هذا الاكتشاف ثوريًا بكل المقاييس، فمرض الجدري هو واحد من أقدم الأمراض القاتلة في تاريخ البشرية، وقد أزهق أرواح ما يقرب من 300 مليون نسمة في القرن العشرين قبل استئصاله تمامًا ونهائيًا في ثمانينيات القرن الماضي.

الدكتور محمد ملهاق لـ "الترا جزائر":  المنظومة المنظومة الصحية قضت على عدة أوبئة وأمراض كانت شائعة مثل الحصبة وشلل الأطفال والجدري والسعال الديكي والسل

 واكتشف لويس باستور لقاح داء الكلب في عام 1885، وأعقب ذلك اكتشاف عشرات اللقاحات ضد الأمراض القاتلة منها الدفتيريا والتيفوئيد والتيتانوس، وفي القرن العشرين، اكتشف جوناس سولك لقاح شلل الأطفال لمواجهة جائحة هذا المرض الذي كان يفترس الأطفال حول العالم، كما ساعدت اللقاحات المضادة للحصبة والنكاف والحصبة الألمانية في تخفيف الأمراض الخطيرة التي كانت تصيب الأطفال.