16-أغسطس-2021

مشهد من قرية بني دوالة بولاية تيزي وزو (تصوير: مصعب رويبي/ الأناضول)

تعيد كارثة الحرائق التي شهدتها عديد الولايات الجزائرية، طرح الكثير من التّساؤلات حول مدى استعداد الحكومة لمواجهة مثل هذه الأزمة-الكارثة، والإمكانيات التي تضعها لتلافي استمرارها، علاوة على كيفية إدارتها للأزمات بشتّى أنواعها.

من الواضح أن مجموعة الأزمات التي مرت بها البلاد كانت بسبب غِياب والاستشراف واستراتيجية واضِحة للتَّعامل مع المستقبل

من المؤكّد أن الحرائق تكثر في فصل الصيف لأسباب متعدّدة، بعضها بفعل فاعِل، وبعضها بفعل الظروف المناخية والمتغيرات في مستويات الحرارة، وأكثر هذه الحرائق كانت في ولاية تيبازة العام الماضي وفي ولاية خنشلة قبل أشهر، ومع ذلك لم تتخذ السلطات أي مخطّط طوارئ يقوم على استشراف بعيد المدى بشان كوارث طبيعية من هذا النوع، ينطبق الأمر نفسه مثلًا بالنسبة للفيضانات التي تحدث كل فصل شتاء، لا تأخذ السلطة الدروس أوّلًا، ولا تضع أية خطة لاستشراف معضلات المستقبل القريب، بدليل أنها تعثّرت في الحصول على طائرات متخصّصة لإطفاء الحرائق الضخمة.

 اقرأ/ي أيضًا: 

هذا المعطى، كاف لطرح سؤال جوهري مفاده: لماذا لم تخصص الدولة غلافًا ماليًا لاستباق الكوارث خاصة الحرائق، باقتناء طائرات تفي بالغرض وتقليل المخاطر؟

ثقافة الوقاية تخفف الصدمات

يعيدنا هذا السؤال إلى الهيئة المخولة بالتخطيط والاستشراف، إذ بخلاف العقود السابقة في السبعينات والثمانينات، كانت الحكومة تتوفّر على وزارة متخصّصة تدعى وزارة التخطيط، وحتى وزارة الاستشراف التي استُحدِثت قبل سنوات خلال حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لم تعط لها الأهمية اللاّزمة.

ويذكر الخبير الاستراتيجي عبد المالك فريوي لـ "الترا جزائر"، أنه كلّما كان هناك استشراف للأزمات، وتوفير الحاجيات الضرورية ووضع الخطط اللازمة لمواجهتها، كلما كانت الكلفة أقلّ وكانت الصّدمة أخفّ.

وأشار المتحدّث، إلى أن الاستشراف يؤهل لمعالجة الأزمة بطريقة أسهل سواء بالنسبة لمؤسسات الدولة وللمواطن، مضيفًا أنّ الاستشراف يحفّز الخطط الوقائية، أي تصبح للجزائر ثقافة الوقاية الاستباقية، على حدّ قوله.

ثغرات في الصحة

تدفع الأزمات التي تشهدُها الجزائر خِلال العامين الأخيرين، إلى التوقّف عندها طويلًا، خاصة ما تعلّق منها بأزمة وباء كورونا، التي كشفت هشاشة المنظومة الصحية، وأربكت الكادر الطبي والمواطن على حدّ سواء.

كما نبَّهت هذه الأزمة إلى الكثير من الاختلالات، على المستوى الاجتماعي والبنية التحتية، وأفسحت المجال أمام حقيقة عجز تسيير أيّة مشكلة مرتبطة بالقطاع الصحي، والتي تعقّدت أكثر بظهور أزمة الأكسيجين، إلى أزمة المياه، مرورًا إلى أزمة-كارثة الحرائِق في أكثر من 14 ولاية جزائرية أتَت على الأخضر واليابِس.

من غير شكّ، تكبَّدت العديد من الدول خسائر كبرى جرّاء أزمة كورونا وتداعياتها على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، غير أنها عرّت العديد من الثّغرات في التّسيير على مستوى عديد القِطاعات الحيوية في الجزائر، وأثقلت حجم التصدي لها عبر موجاتها المريبة.

خلال الأشهر الأخيرة، بدت السّلطة السياسية في البلاد مرتبكة أمام عدّة ملفات، إذ لم تتمكّن الأخيرة من مُداواة جِراح الأزمة، التي توسّعت تداعياتها، وارهقت القطاع الصحي، خصوصًا وأن المشروع الذي تكفّل به الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون منذ اعتلائه سدة الحكم في نهاية عام 2019، كان منصبًا منذ البداية على التغيير المؤسّساتي في إدارة الحكم من تغيير الدّستور وسلطات تشريعية ثم برمجة انتخابات المجالس المحلية البلدية والولائية، وهو المشروع الذي مضى فيه موازاة مع تفشِّي وباء كورونا واستِنزاف مقدرات البلد المالية والبشرية أيضًا.

في الغالب تدفع الأزمات بالعقل السّياسي في أي بلد التفكير في استباق أزمات أكبر، ويتهيأ لوضع أجندة توقّعات لأي أزمة تتولّد من الأزمات الحالية، إذ يعتقد الخبراء أن تصرّف المسؤولين مع الأوضاع الحالية لازال ينحسر في حلّ المشكلة فور حدوثها، وتوجيه الإمكانيات والوسائل لحلها، ومحاولة تجنّب تداعياتها الوخيمة.

ومن الواضح أن مجموعة من الأزمات والحالة المعيشية خاصّة، التي مرّت بها الجزائر في الفترة الماضية، كانت بسبب غِياب الحِكامة والاستشراف واستراتيجية واضِحة للتَّعامل مع المستقبل، إذ لفت الباحث في العلوم الاقتصادية والتسيير الأستاذ فريد بنّور، أنّ الحكومات المتعاقبة تتعاطى مع الوضع على أساس التسيير اليومي دون استشراف للمستقبل القريب.

ولاحَظ بنُّور في حديث لـ "الترا جزائر" أنّ البلاد تفتقد إلى المخزونات الاستراتيجية والحيوية التي يفترض أن تقي البلاد والشعب أية أزمات طارئة، كما هو الشأن بالنسبة لمشكلات التموين بالمواد الضرورية كالزيت والحليب والطحين وغيرها.

من هنا بالضَّبط، يأتي تحمُّل الحكومة للمسؤولية كامِلة في كلّ الأزمات التي تشهدها البلاد، سواءً على الصعيد المعيشي في أزمات الزيت والحليب والسميد أو الخدماتي في أزمات السيولة أو الأزمة الصحية في علاقة بنقص الأكسجين، ولعلّ إقرار واعتراف وزير الصحّة عبد الرحمن بن بوزيد، أنّ الحكومة تفاجأت بحدّة الموجة الثالثة لكورونا وأزمة الأكسجين، دليل واضح أن الحكومة وصانع القرار في الجزائر، يفتقدون إلى الاستشراف أولًا، ويدير الأزمات بمنطق التسيير اليومي ثانيًا، وبالتالي يدفعه فقدانه للحلول إلى تبرير كلّ أزمة بوجود مؤامرة، كمبرّر أهمّ وأول وأخير.

تسيير بالتوازي

تكشِف الأزمات حِجاب اختِلالات كانت مُتخفِّية، تنزاح عنها غمامة سوء التّسيير في بِدايات الانجاز مثل إنشاء المستشفيات التي لم يُراع فيها خُصوصية المناطِقية، ومُتطلّبات السّاكنة عبر مختلف ولايات الجزائر، مع مراعاة التضاريس مثلما حدث في منطقة تيزي وزو، فضلًا عن الحاجة الملحة لمصحات عمومية متخصصة في مجال الحروق.

فبقدر ما عرّت هذه الأزمات، واقع طريقة التسيير في الجزائر، بقدر ما تفرض علينا إعادة النظر في جدوى استباق الأزمات والتنبؤ بها، ثم إدارتها بأخف الأضرار وأقل التكاليف، خاصّة وأن الجزائر عاشت خلال العشريتين الأخيرتين عدة كوارث طبيعية كالزلازل والفيضانات وغيرها.

في المقابل، اتّضح من كارثة الحرائق في أكثر من 14 ولاية جزائرية، أنّ الخِطاب السياسي الذي تُدلي به مؤسّسات الدولة، ابتعد عن اتصال الأزمات، أو الاتصال الأزماتي، الذي يحتاج إلى عامل ضبط الكلمات والمعلومات والطمأنة دون الترهيب والتخويف، إذ لفتت أستاذة الاتصال السياسي الأستاذة نور الهدى حواسنية، من جامعة قالمة شرق الجزائر، إلى أن "علاج الأزمة يستند إلى مخطّط أولويات تراتبية دون إهمال تسيير الأزمة من مختلف جَوانبها الاقتصادية والاجتماعية بِشَكل متوازٍ"، على حدّ تعبيرها.

واعتبرت المتحدّثة، أن التّعاطي مع الأزمات خاصة الحرائق لم يستند إلى خطة اتصالية، ما فسح المجال أمام الإشاعات، خصوصًا مع انتشار وسائط التواصل الاجتماعي، لافتة إلى أن الأخيرة "أفقدت الثقة لدى المواطن وأدخلته رواق الكذب والرفض والقلق والخوف أيضًا". 

بعض الأزمات كان من الممكن توقّعها وتجاوزها مثل حرائق الغابات التي تحدث في كل سنة تقريبًا

في الأخير، يمكن القول إنّ الوقت مازال مبكرًا لتقييم فترة حكم الرئيس وتعامله مع الأزمات في مدّة زمنية لم تتجاوز السنتين، خاصّة وأن بعض الأزمات تستغرق وقتًا لتجاوزها أو استنبات حلول نهائية لها مثل أزمة المياه في العاصمة، حيث تحتاج بعض الدراسات الخاصة بمحطات تحلية مياه البحر مثلًا، إلى فترة تصل إلى خمس سنوات، غير أن بعض الأزمات كان من الممكن توقّعها وتجاوزها مثل حرائق الغابات التي تحدث في كل سنة تقريبًا.

 

 اقرأ/ي أيضًا:

1208 إصابة.. كورونا تواصل حصد الأرواح وأطباء يشكون نقص الأكسجين

مختص في علم الأوبئة: كميات الأكسيجين لم تعد كافية لمرضى كورونا