24-يوليو-2020

الجزائر سجّلت أرقامًا قياسية في عدد الإصابات بالوباء في شهر جويلية (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

هل وصل الجزائري إلى مرحلة  اللامبالاة؟  أم أنّ الحديث الصّاخب والمقلِق في بدايات تسجيل الإصابات بوباء "كوفيد - 19" في آذار/مارس الماضي، واستمرار تسجيل الوفيات والإصابات لمدة أربعة أشهر وانتشاره في البلاد، أفقد الجزائريين الأمل في احتواء الوباء، ودفعهم للتفكير في التعايش معه؟

البعض يخفي إصابته بفيروس كورونا كأنها "وصمة عار" خوفًا من نظرة المجتمع إليه

ما يستدعي الخوف في الجزائر الأيّام الأخيرة، ارتفاع الإصابات النّاجمة عن إلغاء بعض الإجراءات الوقائية ثم العودة إليها داخل الولايات، وبين المدّ والجزر بين تدابير الحجر الصحّي، رغم ارتفاع عمليات الكشف والتحاليل على الفيروس، معادلة صعبة في ظلّ تنامي منسوب القلق والتوتّر في الشارع الجزائري، إذ يفترض البعض أن هناك مأزقًا كبيرًا تعرفه البلاد، مردّه أنّ أمل السيطرة على انتشار كورونا واحتواء بؤرتها في الولايات الأكثر تضرّرًا ليس في الأفق القريب، بينما افترض البعض أن التدابير المتخذة لمعالجة الوضع الصحّي وتداعياته الاجتماعية، قلّلت من تعاطي الجزائريين مع الوباء بصرامة.

اقرأ/ي أيضًا: كورونا في السجون الجزائرية.. إصابات وزراء موقوفين تفضح تكتّم السلطة

خيارات محدودة

"مايحسّ بالجمرة غير اللي عافس عليها"، جواب كثيرين ممن كانت الأزمة الصحيّة، قاسية على وضعهم المادي والمعيشي، يقول جمال الدين لـ "الترا جزائر"، وهو عامل يومي في السوق العمومي بمنطقة درقانة شرق الجزائر، "لا بدّ لي الخروج من البيت للبحث عن رزق أبنائي الثلاثة وزوجي"، مشيرًا إلى أنه يستعمل الكمّامة، لكنه لا يمكنه تجنب الاحتكاك بالناس خارج بيته.

كثيرون منشغلون بوضعهم الاجتماعي، ومنهم من يرى أن "الوضع قدر وجب أن نتعايش معه وكفى"، كما ردّد الحاج عبد القادر، وهو بائع خضر متجوّل، "لا أحد يمكنه أن يكون في مكان الآخر، فالموظف لن يشعر بشقائنا"، يقول المتحدث، لافتًا إلى أن "منحة العشرة آلاف دينار لم يراها بعض الزواولة".

بين الإيمان بالقدر، وحاجة الملايين بالاستمرار في تحصيل القوت، حقيقة تدفع بالكثيرين نحو الشارع للعمل دون اهتمام لمآلات ومخاطر عدم تطبيق التباعد الاجتماعي، والالتزام بالإجراءات الوقائية تفاديًا لانتقال العدوى.

هناك من يعتقد أن فيروس كورونا وهمٌ وأكذوبة، أو عنوان لصراعات كبرى واهية. الحقيقة كلّ الحقيقة بحسب الأطباء والمختصّين أنه فيروس قاتل، لكن هناك فاصلة فضلى بين الموت والحياة والتشبّث بها عن طريق التوعية والاحتراز والاعتناء بمختلف أساليب الوقاية والسلامة، ونشر الوعي بين الناس في الحي الذي نسكنه وفي المنطقة التي نحن فيها.

في أحايين كثيرة، يصبح الحديث عن الوباء، محل طرفة وتندّر، وتروج عنه أفكار من قبيل، أنه هناك في ولاية سطيف، ولن يصل إلى أم البواقي القريبة، هو هناك أصاب مدينة البليدة ولن يصل إلى بسكرة. كثيرون لا يقتنعون بالبقاء في البيوت، وغافلوا أجهزة الرقابة لشراء فناجين قهوة من تحت ستار، في صورة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، مردها الوحيد أن تلك السلوكات هي ضاربة في جذور الفرد الجزائري؛ فكل ما هو ممنوع مرغوب.

وجد المواطن " المغلوب على أمره" لكلّ شيء مبررات، يقول الباحث في علم النفس الاجتماعي نور الدين بلواد من جامعة قسنيطنة لـ "الترا جزائر"، فعملية رفض الالتزام بالحجر لها خلفيات كبرى في المخيلة الاجتماعية الجزائرية، أهمّها "عدم الثقة في كل ما يقال في الإعلام وعلى لسان المسؤولين" موضحًا أن المسؤول في البلديات الجزائرية، بات مغضوبًا عليه منذ سنوات طويلة، وكمثالٍ على ذلك، يُواصل المتحدث، أن وعود المسؤولين بالسكن لم تتحققّ إلا بعد أن أنهكت تكاليف الإيجار المواطنين، وبقيت بعضها حبرًا على ورق مع سنوات انتظار، متسائلًا كيف يجدّد المواطن ثقته في المسؤول الذي يفرض عدة تدابير صحيّة، حتى وإن كان المرض قد وصل بيوت الجزائريين؟

الوعي رحمة

في الجزائر احتدّم الصراع مؤخّرًا بين الوعي واللاوعي، بين الاهتمام واللامبالاة، بين الشّعور بالضعف والتعب الجسدي والنفسي، وبين الخوف وبين المغامرة، فعندما يصاب جسد يحتاج إلى مناعة قوية بالفيروس، أوّل شيء نتذكره هو آباؤنا، الذين أتعبتهم هموم الدنيا وأنهكتهم متطلباتنا اليومية، هذا هو الشعور السائد لدى الكثيرين في الجزائر.

في الأيّام الأخيرة، تناقل رواد التواصل الاجتماعي تدوينة أخذت حيزًا من استعطاف الناس، جاء فيها:" لو كان هذا الوباء يقتل الأبناء أكثر من الآباء، لوجدت أن الآباء أكثر التزاما بالحجر الصحّي من أجل سلامة فلذات أكبادهم.. شتان بين رحمة الآباء، وأنانية الأبناء".

 في هذا الصدد، تقول الصحافية من التلفزيون الجزائري سكينة محمود عليان لـ "الترا جزائر"، إنها في لحظة ما، بعد التزامها بالحجر الصحّي بسبب إصابتها بكورونا، اعتراها شعور قاتل.. "وصل إلى الخوف على والدتي، أنا بمناعتي وتعبت جسديًا ونفسيًا، تخيلت الأمر في والدتي كيف يُمكنها تحدي الفيروس؟".

تضيف الصحافية التي أرادت أن تخرج للعلن وتسرد على روّاد صفحتها قصّتها أثناء فترة علاجها من الفيروس، في ظلّ نقص الوعي في الشارع الجزائري وبين العائلات، إذ أكدت أنها كانت مثل الناس جميعًا، تتبع أخبار كورونا وتحزن من تلك التعازي التي ينقلها زوّار الفضاء الأزرق، إذ تهاونت مع ارتداء الكمامة، مع طول فترة الوباء، لافتةً إلى أن الكثيرين أخذوا الأمر بجدّية أقلّ، وأوضحت أنها أخبرت محيطها بإصابتها لتجنيبهم المرض، مع الأخذ بأسباب العزل التام.

"كثيرون لا يكترثون أننا جميعًا معرضون للإصابة ولأي سبب كان، فوحدها  نتائج التحاليل الموجبة كافية لأن تنقص المناعة بسبب الخوف والقلق، فكيف لأيّ شخص تحمل أن يكون مصدر "مرض" و" شبهة"، شعورٌ رهيب أن يكون المصاب سببًا في إصابة أقرب الناس إليه، وإخفاء الإصابة أبشع من المرض نفسه، على حدّ تعبير الصحافية عليان. 

لقد أيقظت الجائحة كثيرين من سبتهم العميق، بل وأكثر من ذلك فالبعض يُخفي إصابته كأنها "وصمة عار"، وهو ما يفسّره البعض بالخوف من أن يوسم بـ "حامل الفيروس"، تقول الأخصائية النفسانية بمستشفى الأخوة بن طوبال بولاية ميلة، ليندة بلواعر لـ "الترا جزائر"، معلّلة أن كثيرين يتهرّبون من إفشاء الحقيقة أو الالتزام بالحجر في المنزل، وإخبار المحيطين بهم حتى لا يكونون سببًا في العدوى، هروب نحو الأمام ويزيد من الأمر تعقيدًا، تضيف الأخصائية.

 بخصوص ذلك، كثيرة هي حملات التوعية التي أسهم فيها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، لخطورة إخفاء المرض، خصوصًا أن "تعذيب الضمير بعد أن تكون سببًا في إصابة ووفاة أحد الوالدين، مؤلمٌ أكثر من أن تخفي الإصابة بكورونا"، تقول إحدى الناشطات على مواقع التواصل. 

اللامبالاة بالمخاطر

وفي متابعة إعلامية، لمدّة أربعة أشهر من عمر الأزمة الصحيّة في الجزائر، وتطور ردود فعل الجزائريين حيال الوباء وتفشيه مقابل التدابير الرسمية للحجر، يُشير مختصون إلى أن كورونا هي المنعطف الاجتماعي في حياة الجزائريين، يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة قسنطينة، وليد قماس لـ "الترا جزائر" معتبرًا أن هناك سلوكات لتدابير نابعة من السلطة السياسية، خصوصًا في أوساط المناطق الداخلية التي تُنعت اليوم بـ "مناطق الظلّ"، وهي الأحياء والقرى والمدن التي عاش سكانها محرومون من مشاريع التنمية لسنوات طيلة.

الباحث وليد قماس: عدم التزام كثيرين بإجراءات الوقاية ظاهرة مثيرة لقلق والدّهشة  في آن واحد

عدم التزام كثيرين بإجراءات الوقاية ظاهرة مثيرة لقلق والدّهشة  في آن واحد، يقول الأستاذ قماس، موضحًا أن هناك رابطًا بين ضعف الحسّ المدني وعمليات الإقصاء الاجتماعي التي مورست لفترات طويلة في حقّ الملايين، وهو ما جعل المواطن مهووسًا  بـ "كره كلّ شيء أو رفض كل شيء أو السأم والضجر من كلّ شيء"، حتى وإن كان الأمر مرتبطًا بصحّته ومحيطه القريب والبعيد، يختم المتحدّث.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيديو مصلحة كورونا.. إيقاف 5 موظفين بالمستشفى الجامعي لقسنطينة

خرق قرار حظر السباحة.. هل تنقل مياه البحر فيروس كورونا؟