28-ديسمبر-2019

الرئيس عبد المجيد تبون (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

سارعت الجزائر إلى اتخاذ حزمة تدابير عسكرية لتأمين حدودها الجنوبية الشرقية مع عددٍ مع دول الجوار خاصّة مع ليبيا، على ضوء تطوّراتٍ متسارعةٍ في البلدين الجارين، كمّا قرّرت السلطة السياسية الجديدة في الجزائر تفعيل جهازها الدبلوماسي لمراقبة ومتابعة التطوّرات في المنطقة، ورصد تداعياتها على الوضع الأمني في الجزائر، بعد انسحاب سياسيٍّ للجزائر من متابعة قضايا المنطقة، وتجميد المجلس الأعلى للأمن، بسبب الوضع الصحيّ للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

لا يُمكن للجزائر أن تلعب دور المتفرّج في قضايا أمنية تقع في دول الجوار مثل ليبيا ومالي

الإقليم لا يقبل الفراغ

عودة الجزائر إلى واجهة الأحداث الخارجية، من البوابة الليبية لها خلفيتان أساسيتان؛ فأوّلًا لا يُمكن للجزائر أن تلعب دور المتفرّج، خصوصًا وأنها انسحبت قبل ست سنوات من الاهتمام بما يجري في دول الجوار، سواءً الساحل الصحراوي أو الجارة ليبيا في حدود الجزائر الشرقية الجنوبية. أدّى ذلك إلى غياب دورها الإقليمي في المنطقة، وهو العامل الذي فسح المجال للتدخّلات الأجنبية التي وصلت إلى المناطق المتاخمة للحدود مع الجزائر، مثل فرنسا في شمال مالي وفي ليبيا ولو بطريقة غير مباشرة.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر تفعّل أعلى هيئة أمنية للعب دورٍ أكبر في ليبيا ومالي

أمّا ثانيًا، فإنّ التطورات المتسارعة في شمال مالي، خاصّة بعد العمليات الإرهابية الأخيرة، وتحوّل ليبيا إلى ساحة حرب مفتوحة، تتدخّل فيها عدّة أطراف أجنبية، يفرض على الجزائر العودة إلى الساحة الإقليمية، خاصّة في ظل المعطيات الجديدة بعد انتخاب رئيس جمهورية جديد. حكومة جديدة قريبًا واستقواء الجيش الجزائري وتحكمه في الحدود، وامتلاكه لمقدرة عسكرية لتأمين الحدود.

أمنيًا، قرأ المهتم بالملف الجزائري- الليبي، الأستاذ عبد القادر دريدي، اجتماع المجلس الأعلى للأمن، بأنّ "الجزائر أدركت أن مهلة الحلّ الدبلوماسي قد انتهت، وأن الأطراف التي أجهضت كل المبادرات الدبلوماسية التي طرحتها الجزائر أو كانت جزءًا منها، هي الأطراف نفسها التي تستفيد من حالة الهشاشة الأمنية في منطقة الساحل، وهي أيضًا الأطراف نفسها التي دفعت فاعلين آخرين في مالي، نحو الانقلاب على اتّفاق الجزائر".

كما عرّج الباحث دريدي، في حديث مع "ألترا جزائر" على مستجدات التدخّل التركي في المنطقة، قائلًا إنّ التواجد العسكري التركي في ليبيا لا يُمكن أن يحدث دون موافقة جزائرية، لافتًا إلى أنه لا يتعارض مع مصالح الجزائر في المنطقة على محدوديتها وقلّتها، على حدّ قوله. ويُشير المتحدّث أن الجزائر "لن تكون طرفًا في الحّل العسكري، بحكم الدستور الجزائري الذي يمنع الجيش من التدخّل خارج الحدود".

جبهات الداخل والخارج

سياسيًا، يرى متابعون للشأن العام الداخلي الجزائري، أنّ اجتماع المجلس الأعلى للأمن، والتدابير التي تمّ اتخاذها عسكريًا لتأمين الحدود وتدعيمها إضافيًا، مؤشّرٌ على عودة الجزائر إلى لعب دور إقليمي في المنطقة، وهي رسالة تسير في اتجاهين، بحسب الباحث في العلوم السياسية عبد النور لونيس؛ "رسالة طمأنة للداخل والرأي العام فيما يتعلّق بالمسألة الأمنية وحماية الحدود، وعودة الانتباه المركزي لمؤسّسات الدولة الجزائرية للمسألة الإقليمية، واستيعاب أهميّة وخطورة تداعيتها على الوضع الأمني الداخلي".

أما الرسالة الثانية فهي "موجّهة إلى الخارج، وتحديدًا إلى الفواعل والدول المتدخّلة في المنطقة"، هنا، يقول لونيس إنّ "الجزائر بصدّد الخروج من حالة الصمت والفتور السياسي، التي وضعتها فيها أزمتها الداخلية في المرحلة الأخيرة، نحو الدفاع عن مصالحها الإقليمية والعودة إلى المحفل الدولي بقوّة، وضرورة إشراكها في أيّ مسارات الحلّ لأزمات ومشكلات المنطقة مثل مالي وليبيا"، على حدّ قوله.

الخطوة الجزائرية الأخيرة، المتعلّقة بالشأن الإقليمي ومخرجات اجتماع المجلس الأعلى للأمن، تتزامن مع مطالبات دولية بإشراك الجزائر في مسارات حلّ أزمات المنطقة مثل الأزمة الليبية، حيث أصرّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الأربعاء الماضي، خلال زيارته إلى تونس، تمسّك بلاده بمشاركة الجزائر بالإضافة إلى تونس وقطر في مؤتمر برلين، حول الأزمة الليبية.

 واعتبر الرئيس التركي، أنّ "التطوّرات السلبية في ليبيا لا تقتصر عليها، وإنما تطال دول الجوار، وعلى رأسها تونس"، حيث أكّد أنه سيكون لها إسهامات قيّمة للغاية وبناءة، في جهود تحقيق الاستقرار في ليبيا وعدم مشاركة تونس والجزائر وقطر في مشاورات برلين، يُنقص من هذه المشاورات بحكم معرفتهم بالمنطقة وبالوضع السياسي والاجتماعي في ليبيا، إذ كشف أردوغان أنه "تحدث مع رئيس الوزراء البريطاني والمستشارة الألمانية والرئيس الروسي بخصوص ضرورة مشاركة الجزائر وتونس".

وعلّق الرئيس أردوغان، في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره التونسي قيس سعيد، على استبعاد ألمانيا حتّى الآن لكلّ من الجزائر وتونس من مؤتمر برلين، مشيرًا إلى أن "ذلك يصبّ في صالح المشير خليفة حفتر كطرف غير شرعي وليس معترف به دوليًا، ويريد الاستفادة من الوضع الحالي".

إرث سياسي ثقيل

وبالعودة إلى خطابه عند تنصيبه خلال حفل أدائه اليمين الدستورية، قال الرئيس تبون إنّ "الجزائر تتمسّك بحماية وحدة ليبيا، ويجب أن تكون شريكة في أيّ مسار لحلّ الأزمة"، على خلفية استبعاد الجزائر من مؤتمر برلين المقرّر لاحقًا حول ليبيا، وأضاف الرئيس الجزائري أنّ "الجزائر لن تقبل أبدًا أن يتمّ إبعادها عن أي حلٍّ في ليبيا.. نحن معنيون باستقرار ليبيا، أحبّ من حبّ وكره من كره". ودعا تبون، جميع الليبيين إلى تجاوز خلافاتهم التي تحول دون تحقيق وحدة ليبيا التي يجب أن تظلّ موحدة، على حدّ تعبيره.

عمومًا، استشعرت السلطة الجزائرية الجديدة خطورة الوضع في ليبيا، وهو ما دفع الرئيس تبّون، إلى تخصيص أوّل اجتماع رسمي بعد أسبوع من تسلّمه السلطة، لمسألة الأمن الإقليمي وقضايا المنطقة، وهو يؤشّر على تحسّس الجزائر لمخاطر فعلية بسبب التطوّرات الأمنية الراهنة في ليبيا ومالي.

الرئيس الجزائري فتح جبهات خارجية رغم ضغط المسيرات الشعبية في الداخل

يعتقد متابعون، أن الرئيس الجديد ورث من النظام السابق ملفّات إقليمية ملتهبة إضافة إلى جهاز دبلوماسي مرتبِك؛ بسبب فتور الدبلوماسية الجزائرية في الفترة الأخيرة من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ويواجه وضعًا داخليًا صعبًا يفرض عليه تعزيز الجبهة الداخلية، خصوصًا مع استمرار ضغط مسيرات الشارع في الجزائر، والتي تطالب برحيله وتترقّب الوعود التي أطلقها منذ العملية الانتخابية وفوزه بمنصب رئيس جمهورية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر خارج حسابات الأزمة الليبية

هل طلب السراج من الجزائر مساعدات عسكرية حقًا؟