29-فبراير-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

بعد مرور أكثر من شهرين، على تولّي عبد المجيد تبون مقاليد السلطة، لا يزال الغموض يكتنف ملفّ استرجاع الأموال الجزائرية المحوّلة إلى الخارج، وهو الملفّ الذي شكّل أهم نقطة لوزير السكن السابق للوصول إلى قصر المرادية، والحصول على ثقة من شارك من الجزائريين، في أوّل استحقاق بعد حراك 22 شباط/فبراير 2019.

لم تقدّم وزارة العدل حتى اليوم، مشروع قانون يعالج ملف استرجاع الأموال المنهوبة

ومع الصمت الذي صار يخيّم على تصريحات الحكومة، بشأن استرداد الأموال المهربة إلى الخارج، أو التراجع عن خطاب القدرة السريعة باسترجاعها، تزداد التساؤلات حول مدى قدرة الرئيس تبون وحكومته، على الوفاء بالتعهدات التي أطلقوها خلال الحملة الانتخابية.

اقرأ/ي أيضًا: تبون يصف فترة بوتفليقة بـ"العهد البائد"

الخطة السرّية

في 13 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، تحفّظ الرئيس تبون في أوّل ندوة صحافية له، عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، عن الكشف عن خطته لاسترجاع الأموال المنهوبة في الداخل والخارج، بحجّة أن الإفصاح عن تفاصيلها سيسمح للمتّهمين بإيجاد خطة مضادّة للتهرّب من الحساب، وعدم إرجاع أموال الجزائريين التي نهبوها.

وقبل ذلك، استطاع تبون أن يخرج بأقلّ الأضرار من المناظرة التي التلفزيونية التي جرت قبل الرئاسيات، بعد أن قدم التزامًا واضحًا باسترداد الأموال المحوّلة إلى الخارج، معتبرًا ذلك مهمّة ليست مستحيلة.

بعدها توقّف الحديث عن هذا الملف، إلى غاية اللقاء التلفزيوني الأوّل الذي أجراه تبون مع وسائل الإعلام، حينما ردّ بأنه ملتزم بما وعد به، غير أنه ينتظر الحصول على الضوء الأخضر من العدالة للتحرّك، وذلك بعد تحديدها لحجم الأموال المهرّبة المودعة في جنيف، وفي الجنّات الضريبية المعروفة. غير أن هذا الملف لم يُثره تبون في المقابلات التي أجرها مؤخرًا مع وسائل إعلام جزائرية، ومع قناة "روسيا اليوم".

وعود فقط

من جهتها، لم تقدّم وزارة العدل حتى اليوم، مشروع قانون يعالج ملف استرجاع الأموال المنهوبة، خاصّة المهربة إلى الخارج، كما لم تكشف الجهات القضائية لحدّ الساعة، عن الإجراءات التي اتخذتها أو ستتخذها لاسترداد هذه الأموال، رغم التحقيقات الكثيفة التي فتحتها، بشأن قضايا فساد، تورط فيها رجال أعمال ورؤساء حكومات ووزراء ومسؤولون محلّيون، محسوبون على الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي يبقى إلى حدّ اليوم دون محاسبة.

وطرحت التصريحات الأخيرة لوزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة عمار بلحيمر، جملة من الاستفهامات بشأن قدرة حكومة الوزير الأول عبد العزيز جراد، على الوفاء بالالتزامات التي قدمها تبون.

وقال بلحيمر في تصريح للإذاعة الجزائرية الحكومية "سيكون من الصعب استرجاع كل الأموال المحوّلة إلى الخارج".

وأوضح المتحدّث، أنّ استرجاع الأموال المحوّلة يخضع لاتفاقية الأمم المتحدة، المتعلقة بمكافحة الفساد المصادق عليها في 2005، غير أنه لفت إلى أن تطبيق هذه اللائحة يختلف من بلد إلى آخر.

وأشار بلحيمر، إلى أن هناك بلدان مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا، تكون بشكلٍ عام مستعدة للتعاون من أجل إعادة الأموال المحوّلة، لكن في الوقت ذاته بعض الدول مثل فرنسا التي توجد بها "معظم الأموال الجزائرية، كون هذا البلد أكثر تساهلًا مع مثل هذه الأموال"، ترفض إعادة المبالغ المالية إلى بلدانها الأصلية.

وبحسب وزير الاتصال، فإنّ القوانين الفرنسية "تشير إلى إمكانية استر جاع الأموال المحوّلة، ولكن ليس بإعادتها للبلدان الأصلية، وإنّما لضخها في الخزينة العمومية الفرنسية، أو في صندوق مخصّص لتمويل وكالة التعاون والمساعدة على التنمية".

الحقيقة المخفية

هنا، يوضّح الكاتب الصحافي أمين لونيسي لـ "الترا جزائر"، أن "السلطة تدرك  منذ البداية صعوبة استرجاع أموال المتورّطين في قضايا الفساد، والمقدّرة بنحو 200 مليار دولار من الأصول المهرّبة إلي دبي وإسبانيا وفرنسا وكندا، لذلك تسارع للفصل في محاكمة كبار المسؤولين ورجال المال لإشغال الرأي العام".

وبين لونيسي أن هذا الأمر يتطلب إجراءات قانونية وتفاوض مع الدول الأخرى لاسترجاع الأموال، و "تكمن الصعوبة خاصة في إثبات مكان تواجدها لإقدام المدانين في قضايا فساد على تسجيلها بأسماء مقربين".

وأضاف المتحدّث، أن أحسن مثالين عن هذه الصعوبة، هما تجربتا تونس وليبيا، إذ أن "إجمالي ما تمكّنت من استرجاعه تونس هو 89 مليون دولار، منذ عام 2011 إلى غاية 2019، أمّا في ليبيا، لا زالت حكومة الوفاق الوطني لحدّ الساعة تطلب من واشنطن الإفراج عن 700 مليار دولار من أصول القذافي المجمّدة، بينما الحكومة الإيرلندية، تتصرّف في فوائد أموال ليبية بقيمة 110 مليار، دون أن تتمكّن من استرجاع دولار واحد".

لكن رغم هذه الصعوبات، التي أصبحت الخطاب الجديد للحكومة لاسترجاع الأموال المنهوبة، يعلّق الوزير بلحيمر آمالا بأن تتمّ العملية "بطريقة حازمة ومدروسة"، مشيرًا إلى إنه "سيتم وضع آلية تحت الوصاية النشطة لوزارة العدل".

وهذه الصعوبة في استرجاع الأموال المحوّلة إلى الخارج، اعترف بها أيضًا الوزير الأوّل عبد العزيز جرّاد، لما انصبت أسئلة كثيرة من نواب البرلمان لدى عرضه مخطط الحكومة حول الآليات التي ستعتمد لاستردادها.

هنا، يُلفت البرلماني السابق يوسف خبابة في حديث إلى "الترا جزائر"، إلى أنه لابدّ من التفريق بين التصريحات الانتخابية الموجّهة للاستهلاك، وبين حقائق الميدان، لأن تجارب الدول الأخرى تنبّهنا إلى أن استرجاع الأموال المحوّلة إلى الخارج ليس سهلًا، وتحتاج إلى إجراءات ووقت طويلين لتحقيق ذلك إن كان ممكنًا.

ليست أولوية

عند النظر إلى ما قام به الرئيس تبون، والحكومة خلال الفترة القصيرة التي تسلم فيها السلطة، يظهر جليًا أن بعض القضايا تشكّل في الوقت الراهن أولوية للسلطة مثل تحريك الآلة الدبلوماسية الجزائرية، وهو ما ظهر في الأزمة الليبية التي عادت إليها الجزائر بالسرعة القصوى، على عكس ما يحدث بالنسبة لملفّ الأموال المحولة إلى الخارج.

وقال البرلماني السابق يوسف خبابة لـ"الترا جزائر" إنّه يظهر من تحرّكات الرئيس وحكومته، أن تبون سيتكفل بالقضايا السياسية وهو ما يتجلّى في تركيزه على تعديل الدستور والقضايا الخارجية، أما الوزير الأوّل فسيتكفل بالملفات الاقتصادية والاجتماعية.

وأضاف خبابة، أنه على السلطة في الوقت الراهن استعادة ثقة الشعب، وتوفير المناخ الذي يسمح له باختيار ممثليه بشفافية ونزاهة، لأنّ أي جهد آخر كان غير مرفق بهذه الثقة، يبقى عملًا ناقصًا وغير قادر على سدّ الهوة الموجودة اليوم بين الجانبين.

القوانين الفرنسية تشير إلى إمكانية استر جاع الأموال المحوّلة، ولكن بضخّها في الخزينة العمومية الفرنسية

وإن كان خطاب الحكومة، خاصّة ما ورد على لسان وزير الاتصال يبعث على الريبة في استرجاع الأموال المحولة إلى الخارج، إلا أنه قد يكون من الجور أيضًا الحكم  بصفة نهائية عمال ستقوم به السلطة الجديدة في البلاد، وهي التي لم يصل عمرها بعد ثلاثيًا كاملًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أوّل خرجة دولية لـ عبد المجيد تبون.. البحث عن شرعية دولية أم تموقع إقليمي؟

تبون في أوّل ظهور له: مشتاقٌ لزيارة منطقة القبائل