08-أكتوبر-2022

قاعدة الحياة بعين أمناس بالجنوب الشرقي الجزائري (تصوير: بلال كرامدي/ أ.ف.ب)

تبحث الجزائر والاتحاد الأوربي الأسبوع المقبل مستقبل تعاونهما الطاقوي خلال انعقاد الاجتماع السنوي الرابع رفيع المستوى لحوار الطاقة بين الطرفين في 10 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، والذي ينتظر أن يحدّد بشكل واضح طريق الشراكة بين الجزائر والضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط  في هذا المجال وفي مختلف المجالات، بالنظر إلى مطالبة البلد الأفريقي في أكثر من مرة بمراجعة اتفاق الشراكة الذي يؤطر علاقتهما التجارية منذ 2002.

الاتحاد الأوروبي لم يكن لديه اهتمام كبير بشراكته الطاقوية مع الجزائر في السنوات الماضية

وتكمن أهمية هذا اللقاء في الظروف الاقتصادية والإقليمية التي جعلت الجزائر محلّ اهتمام طاقوي عالمي جراء الحرب المندلعة بين الروس وأوكرانيا في شرق القارة العجوز، والتي جعلت البحث عن ممون طاقوي موثوق الشغل الشاغل للاتحاد الأوروبي.

شراكة إستراتيجية

أعلنت وزارة الطاقة والمناجم منذ أيام في بيان أن الاجتماع السنوي الرابع رفيع المستوى لحوار الطاقة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي سيعقد يوم 10 تشرين الأول/أكتوبر المقبل بالعاصمة الجزائر العاصمة، برئاسة وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب، ومفوضة شؤون الطاقة بالاتحاد الأوروبي كادري سيمسون.

وأوضحت الوزارة أن اجتماع الأسبوع المقبل يندرج في "إطار آليات الحوار التي أسستها الشراكة الإستراتيجية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة، وكافة المواضيع ذات الاهتمام المشترك، والمتمثلة في تنمية استثمارات استكشاف وإنتاج المحروقات، وآفاق لتنمية صناعة الغاز وتطوير الهيدروجين والكهرباء والتعاون في مجال الطاقات المتجددة والكفاءة الطاقوية في الجزائر".

وحسب الوزارة، فإن هذا الاجتماع سيمكن من مراجعة التقدم المحرز في مجال التعاون الطاقوي، منذ إطلاق الشراكة الإستراتيجية الناتجة عن الاجتماع الأخير الذي عقد في الجزائر العاصمة في 20 نوفمبر 2018.

وقال الخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف لـ"الترا جزائر"، إن هذا الاجتماع سيتطرق إلى كل القضايا المتعلقة بالطاقة ومصادر التموين التي يمكن أن تحصل عليها أوروبا، بالنظر إلى حاجة القارة العجوز في الفترة الحالية لتأمين حاجاتها الطاقوية جراء أزمة الغاز الناتجة عن الحرب في أوكرانيا.

وذكر هادف أن الجزائر أصبحت اليوم رقمًا مهمًا في الخارطة الطاقوية، لذلك تجد أوروبا نفسها في حاجة للجزائر لتنفيذ مشروع الانتقال الطاقوي 2027 الهادف إلى تخفيف الاستهلاك وتنويع الشركاء من أجل تحقيق الفعالية الطاقوية وتسهيل الاستثمار في الطاقات المتجددة.

وكان الاتحاد الأوروبي أعلن في أيار/ماي الماضي انه بهدف إلى التخلص من واردات الغاز الروسي بحلول عام 2027،  كما اقترحت المفوضية الأوروبية زيادة هدفها للطاقة النظيفة لعام 2030 إلى 45% من 40% حاليا ضمن تنفيذ "استراتيجية RePowerEU ".

استثمارات جديدة

أشار بيان وزارة الطاقة سالف الذكر إلى أن وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب، ومفوضة شؤون الطاقة بالاتحاد الأوروبي كادري سيمسون سيشرفان أيضًا على افتتاح منتدى الأعمال الثاني بين الجزائر والاتحاد الأوروبي حول الطاقة المقرر عقده يومي 11 و12 تشرين الأول/أكتوبر.

ولفت البيان ذاته إلى أن منتدى الأعمال الثاني سيهدف إلى تشجيع الاستثمارات والشراكات الصناعية بين الشركات الجزائرية والأوروبية في قطاع الطاقة، والدخول في شراكات متبادلة المنفعة في ضوء الوضع الحالي للطاقة.

ويتضمن برنامج المنتدى عرض خبرات رفيعة المستوى حول الغاز الطبيعي والطاقات الجديدة والمتجددة والكفاءة الطاقوية والهيدروجين، وعقد اجتماعات ومعرض بين الشركات من أجل مناقشة الشراكة وفرص الاستثمار بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.

ويعود هذا المنتدى للانعقاد بعد خمس سنوات من انطلاقه، فالدورة الأولى عقدت في أيار/ماي 2016 بالجزائر العاصمة، وهو ما يعني أن الاتحاد الأوروبي لم يكن مهتما كثيرًا في السنوات الماضية بشراكته الطاقوبة مع الجزائر إذا ما استثنينا الزبائن التقليديين كإيطاليا وإسبانيا وبدرجة أقل البرتغال وفرنسا.

هنا، يعتقد الخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف أن الاتحاد الأوروبي سيتخلى عن عدم تحمسه للاستثمار الطاقوي في الجزائر، بالنظر إلى تغير السياق الدولي اليوم جراء الحرب الروسية الأوكرانية.

ويتوقع هادف أن يشد الاستثمار في الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر اهتمام الأوروبيين، مشيرا إلى الإمكانات التي تتوفر عليها الجزائر في هذا الشأن، إضافة إلى مشاريع تتعلق بتصدير الكهرباء من الجزائر نحو أوروبا، مبينا أن المشروع الذي تم التحدث عنه خلال زيارة الرئيس تبون إلى إيطاليا حول توريد سونلغاز الكهرباء إلى روما يدخل في هذا الإطار.

وتوفر الجزائر اليوم قرابة  10 بالمائة من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز والنفط، وهو الرقم المرشح للارتفاع في ظل الطروف الحالية، والذي بدأ مع إيطاليا التي سترتفع إمدادات الغاز الجزائري إليها نهاية العام الجاري بـ6 مليارات متر مكعب.

مراجعة

بالنسبة للخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف، فإن الاجتماع الرابع رفيع المستوى حول الطاقة لا يعد فرصة فقط لجذب الاستثمارات الأوروبية في الجزائر في هذا القطاع فقط، إنما سيفتح  أيضا الباب لعودة الاستثمارات الأوروبية في جميع المجالات، والتي ستكون من خلال مراجعة اتفاق الشراكة الموقع في 2002.

وذكر هادف بحديث رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في زيارته إلى الجزائر بداية أيلول/سبتمبر الماضي حينما تحدث عن حاجة أوروبا لتعاونها الطاقوي مع الجزائر، واستعدادها لمراجعة اتفاق الشراكة الذي طالبت الجزائر في أكثر من مرة بمراجعته.

وقال شارل ميشال عقب محادثات جمعته بالرئيس تبون في الـ 5 من شهر أيلول/سبتمبر المصرم "نعتبر أن اتفاق الشراكة إطار يجب أن يُضفِي تحسينات وفق الإرادة المشتركة، من هنا وهناك، لتحديد الأولويات المشتركة خدمة لمصالح الطرفين".

وأضاف أن الجزائر والاتحاد الأوروبي لهما "طموح مشترك لتحقيق الاستقرار والأمن والازدهار"، مُبدِيًا في الوقت ذاته "تفاؤله الشديد" بتطوير "شراكة أقوى وأصدق تُفضِي إلى نتائج ملموسة لمواطني الجزائر والاتحاد الأوروبي".

وبين ميشال أن "التعاون في مجال الطاقة أمر أساسي فعلاً في ظل الظروف الدولية التي نشهدها، إذ نرى في الجزائر شريكاً موثوقاً ووفيّاً وملتزماً"، مؤكدا أن الجزائر والاتحاد الأوروبي "يتقاسمان الطموح نفسه لإعطاء دفع جديد لنوعية العلاقات بينهما".

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أمر الحكومة في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بإعادة تقييم اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي "بنداً بنداً وفق نظرة سيادية، ووفق مبدأ رابح-رابح"، مشيرا إلى أن مراجعة الاتفاق يجب أن تراعي "مصلحة المنتج الوطني لخلق نسيج صناعي ومناصب شغل (فرص عمل)".

وقال عبد الرحمان هادف لـ"الترا جزائر" أن اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي أهمل كثيرا بنود الاستثمار الاوربي في البلد المغاربي، واقتصر على الجانب التجاري الذي جعل الجزائر الخاسر الوحيد في هذا الاتفاق بعد تفكيك الرسوم الجمركية، لذلك تعد مراجعته أمرا ضروريا لتأسيس شراكة حقيقية بين الطرفين.

حبير اقتصادي: الظروف الحالية مواتية للجزائر لمراجعة بنود اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

ويعتقد هادف  أن السياق الحالي مواتٍ للجزائر لمراجعة بنود اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بعد مرور 17 سنة على بدء تطبيقه، والذي يجب أن تهتم عملية تعديله برفع الاستثمارات ونقل التكنولوجيا والمعرفة، وهو الملف الذي يجب أن يشكل جانبًا من مناقشات الاجتماع السنوي الرابع رفيع المستوى لحوار الطاقة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.