11-يونيو-2021

عشية الانتخابات التشريعية في الجزائر2021 (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

نقضاء فصول الحملة الانتخابية في الجزائر، وبدء العدّ التنازلي للمنافسة الانتخابية التشريعية، يتفق كثير من المتابعين للشّأن السياس، على أنّ البرلمان المقبِل لن يضمَن الأغلبية البرلمانية لحزب على حساب الأحزاب الأخرى المشاركة والمترشّحين الأحرار، فتركيبة البرلمان تبرز جلية، من خلال جسّ نبض الشارع خلال الحملة الدعائية لبرامج المكوّنات السياسية، من جهة، ومدى توائم مخرجاتهم مع المرحلة والسياق السياسي الذي تعرفه الجزائر منذ أكثر من سنتين عقب الحراك الشعبي، من جهة أخرى.

تأثير المرحلة التي عاشتها الجزائر سياسيًا واجتماعيًا منذ أكثر من تسع سنوات ستُلقي بظلالها على المشاركة الانتخابية 

رغم أن أيّة حالة انتخابية مرتبطة بسياقها الاجتماعي، إلا أنّ عدّة فواعل جديدة دخلت المرحلة السياسية الحالية تحسّبًا للتّشريعيات، إذ انحسر التجاوب مع أحزاب كانت قبل عامين وسيلة تزين الوجه العام لمنظومة الحكم، وأحزاب أخرى كانت تهادن أحيانًا وتعارض أحيانًا أخرى، لتحضُر اليوم أحزاب وُلدت من رحِم الحراك السياسي الحاصل والتي ستأخذ نصيبها من مقاعد الغرفة السفلى للبرلمان المقبل.

اقرأ/ي أيضًا: السلطة المستقلة تُعلن عن الأرقام التعريفية للأحزاب المشاركة في التشريعيات

 

تأثير المرحلة التي عاشتها الجزائر سياسيًا واجتماعيًا منذ أكثر من تسع سنوات، أي منذ اختفاء شبه كلي للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عن الساحة لدواعي صحية، وبروز وجوه وأحزاب تتحدث باسمه، ستلقي بظلالها على المشاركة الانتخابية أولًا، وتبرز أسماء من رحِم المكونات السياسية لتصعد للمجلس الشعبي الوطني ثانيًا، وتتقهقر أحزاب ظلت لسنوات تكتسح المشهد، وتؤثث الواجهة الدعائية للمنظومة السياسية الحاكمة.

المشاركة أولًا

إجمالًا ذهبت تصريحات رؤساء الأحزاب السياسية خلال الحملة الانتخابية، إلى الدعوة للمشاركة في الانتخابات، خاصّة وأن الهيئة التشريعية في وظيفتها هي التشريع والمصادقة على القوانين والرقابة على الحكومة، ورفع انشغالات المواطن المحسوبة على كلّ منطقة، غير أن هذه الدعوات ستكون رهينة المعطى الاجتماعي، حسب تصريح الباحث في علم الاجتماع السياسي عبد الحميد بودور لـ"الترا جزائر"، معتبرًا أن المشاركة في الانتخابات تتم على خطين أو مرحلتين: الأوّل منهما يتعلق بمدى قابلية الناخبين للبرامج المعروضة والوجوه التي تقدمت للمنافسة الانتخابية، أما الثاني فيتعلّق أساسًا بالقرب الشخصي للمترشّح مع محيطه وأبناء مدينته، كما قال.

بالنسبة للغطاء السياسي الذي التفّ ضِمنه المترشّحون، أوضح الأستاذ بودور أن ذلك سيلعب دورًا كبيرًا في تحديد توجّهات النّاخبين، متوقّعًا أن تكون هناك معادلة متقاربة بين بعض الوجوه والأحزاب السياسية التي لطالما أخذت حصّة الأسد في الانتخابات البرلمانية نحو الاستحقاقات التشريعية في العام 2017، فيما ستبرز وجوه من أحزاب جديدة ظهرت في الساحة عقب الحراك الشعبي، دون نسيان القوائم الحرّة، التي ستجد مكانة لها ضمن التوليفة البرلمانية، على حدّ قوله.

النّضال السياسي

يبدو أنّ المعركة الانتخابية المُنتظرة، ليست متكافئة من حيث عملية النّضال السياسي، بالنسبة لمختلف المشاركين في الانتخابات، رغم أنها في المقابل من ذلك متقاربة الأهداف، وحتى في الخطاب الذي انحصر خاصة في دعوات المشاركة لأجل بناء المؤسّسات، وتخلّص من عبء البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الثقيل، إلى تخفيف عرض الأخير، لفائدة الإصلاح السياسي و"إنقاذ الجزائر، بعد فترة طويلة من الفساد السياسي والمالي والإداري"، جملة كثيرًا ما تكرّرت في خطابات المترشحين.

كأنّنا اليوم أمام تخوّف كبير من الفشل، أو من انتكاسة تسبّبها النتائج غير المتوقعة بالنسبة للأحزاب التي لازالت متمسّكة بدورها الكبير في المشهد السياسي، محاولة إقناع "المواطنين-الجماهير"، في القاعات وفي الساحات وفي الفضاء الافتراضي، بجدوى المشاركة لأجل "الجزائر الجديدة، وأن انتخابات المؤسّسة التشريعية هي الخلاَص الوحيد من الأزمة السياسية والاقتصادية".

خطابات، تتعدّى المشاركة بقوة من عدمها، وتتعدى أيضًا الأرقام المتوقعة من نسب الاقتراع، لنرى برلمان تطفو عليه تقدّم أحزاب وليدة المرحلة، أو ما يسمّيها الناشط السياسي أستاذ الحقوق فريد بن ناصف بـ "أحزاب بديلة"، معتبرًا إياها، مكوّنات سياسية تمكنت من بسط وجودها أولًا خلال الأشهر الأخيرة، ومن فرض برامجها مستفيدة من ظروف المرحلة التي تعرفها الجزائر، وتعبئتها لتلعب أدوارًا في المرحلة المقبلة.

وأوضح الأستاذ بن ناصف بـ "الأحزاب البارزة في أرضية متحركة من حيث المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية"، وهي التي يمكنها أن تأخذ نصيبها في المجلس الشعبي الوطني، بل "وستفوز ببعض مقاعد كانت قبل سنتين من نصيب أحزاب المنظومة السابقة سواءً موالاة أو معارضة، خصوصًا بعدم مشاركة أحزاب التيّار الديمقراطي". على حدّ تعبيره.

ماكينة جديدة

"الجْدِيد حَبّو والقْديم لا تْفرَّط فيه"، هو مَثَل جزائري، يوصينا كمنظومة اجتماعية، بالتمسّك بالجديد دون أن نفرِّط في القديم، وهذا ما ينطبق إلى حدّ بعيد مع الأحزاب السياسية القديمة من حيث الوجود في الساحة السياسية الجزائرية منذ إطلاق التعددية الحزبية في دستور 1989، والأحزاب الجديدة التي وُلدت في ظروف سياسية، جعلها النظام الحاكم واجهة لتعددية أيديولوجية وسياسية، توقًا لـ "وجود معارضة سياسية في البلاد"، لفترة من الزّمن، وها هي اليوم تتقدَّم الصُّفوف في عرض برنامجها، كما تتوقع الفوز بالمراتب الأولى من حيث عدد المقاعد في الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري.

أسباب عديدة ومُتعدِّدة، لبقاء أحزاب قديمة في الواجهة، حتى وإن كان مكسَبها غير متناسق مع حجمها النضالي، ومع إحصاءاتها في الانتخابات السابقة، وبُرُوز أحزاب في الواجهة، كبديل عن الأطياف القديمة، يُبرِّرها البعض بأنّ منظومة الحكم الحالية في حاجة إلى "قوى أو مكوّنات جديدة، تتصدّر المشهد السياسي والإعلامي، إذ تمحي من الذاكرة الجماعية، مشاهد تلك الوجوه التي حاولت جاهدة إقناع الشعب بجدوى الذهاب إلى العهدة الخامسة، ونسي الجزائريون نكسات الأحزاب التي كانت جزءًا من منظومة الفساد السّابقة، وتكون أكثر فعالية في الساحة بعد التشريعيات".

هذا المُعطى، يفيد بأن المشاركة لم تعد هي بيت الفعل السياسي المقلق حاليًا، ولكن الأمر يتعلق أساسًا بأحزاب جديدة، وطفت على واجهة الممارسة السياسية، وسيكون لها تكوين ميداني خلال يوم الانتخابات، أهمها: حزب "جيل جديدة" بقيادة جيلالي سفيان، إذ هو من المعارضين للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، إذ برز الحزب في العام 2012، على إثر الحراك الاجتماعي والسياسي وثورات الربيع العربي، وتزامنًا مع انتخابات تشريعية ومحلية في 2012، ما كان لهذا الحزب أن يتطوّر من حيث التركيبة النضالية ومن حيث عرضه لبرنامج شهد تحوّلات أبرزها مقاطعته لتشريعيات 2017، بحجّة غلق اللعبة السياسية بسبب إدارة وزارة الداخلية لتلك الانتخابات، ولا ضمانات في نزاهتها.

هذا الحزب تغيرت مواقفه بعد الحراك الشعبي في شبّاط/فيفري 2019، أهمّها إبعاد الإدارة عن منظومة العملية الانتخابية، كما أنّ خِطاباته تكشِف أنّه بديل أو حاز على مساحة التيار الديمقراطي، كما تنسجم خيارات الحزب حول إعادة بناء مؤسّسات الدولة والإصلاحات المتتالية التي أبداها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في إطار مسار مؤسّساتي دستوري لحلّ الأزمة. 

ثاني هذه الأحزاب، "الفجر الجديد" الذي يقوده الطاهر بن بعيبش، مؤسّس أوّل منظمة لأبناء الشهداء في بدايات التعددية، حزب دعم خيارات إصلاحات الرئيس تبون، وهو حزب تستند عليه السلطة، من حيث نهجه المتصل بـ "التيار الوطني المحافِظ" المُتّكِئ على أبناء ثورة التحرير الوطنية، وأبناء الشهداء المتشبّعين بقيم نوفمبر، والمحافظين عمومًا.

بديل آخر برز في الساحة السياسية، "صوت الشعب"، حزب لم يسبق له أن شارك في الانتخابات التشريعية، لكن عَلاَ صَوتُه خِلال الأشهُر الأخيرة، رغم تعددية مواقفه، وهو حزب مُنشقّ من "الجبهة الجزائرية"، إذ انخرط سابقًا مع مجموعة دعاة العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، إلا أنه ما انفكّ يرافع لصالح سياسة الإصلاحات الدستورية التي تبناها الرئيس تبون، كما تمكّن من استِقطاب نواب سابقين، ويتّكِئُ اليوم على الكفاءات والشباب.

مقارنة مع الأحزاب الثلاثة السابقة، يوجد حزب "طلائع الحريات" في رواق بدائل السلطة الحالية لكن بأقل حِدّة، إذ يخوض الانتخابات التشريعية، رغم الانشقاقات التي عرفها الحزب الذي أسسه رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، وهو المرشّح المنافس لبوتفليقة على مرتين (2004-2014) ومنافس لتبون على مرة واحدة (2019)، غير أن رهانات الحزب على إعادة رسكلتِه من جديد في منافَسة انتِخابية أولى، تسبِق الانتِخابات المحلية والبلدِية قبل نهاية السنة.

تتوقّع الكثير من الحساسيات السياسية تغييرًا في الخريطة الحزبية على مستوى المجلس الشعبي الوطني

وتتوقّع الكثير من الحساسيات السياسية تغييرًا في الخريطة الحزبية على مستوى المجلس الشعبي الوطني، إذ قال المحلّل السياسي عبد الحكيم مرابط، إن الواجهة البرلمانية ستتغير لفائدة أحزاب لم تنخرط في المنظومة السابقة، ومواقِفَها كانت سلبية اتّجاهها، لافتًا في تصريح لـ "الترا جزائر" إلى أنّ المرحلة القادمة تحتاج إلى "واجهة سياسية تقود قاطرة تشكيل المؤسّسات وإتمام مرحلة البناء"، على حدّ قوله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التشريعيات الجزائرية.. ماهي فرصة أحزاب بوتفليقة في دخول البرلمان؟

بعجي: قوائم "الأفلان" في التشريعيات لن تفتح أمام الفاسدين