15-فبراير-2024
السمنة

(الصورة: Getty)

تتزايد أرقام الجزائريين الذين يعانون السمنة والوزن الزائد عامًا بعد آخر، الأمر الذي جعل وزارة الصحة تقرر فتح تحقيق في هذه الظاهرة التي تتسبب في أمراض عدّة، كون السمنة أصبحت تشكل اليوم خطرًا على الصحة العمومية حسب مختصين، فما مدى صحة هذا الحكم؟ وهل يعبر عن الواقع الصحي بالبلاد أم يحمل كثيرًا من المبالغة.

أخصائية التغطية مريم طفيش لـ"الترا جزائر": السمنة تحدث مشاكلًا أسرية لمساعدتها في ارتفاع هرمون القلق لدى الجسم وجعل الإنسان يشعر بالخمول ولا يركز في تصرفاته

وما يزيد من خطر هذه الظاهرة أنه بالرغم من أن الثقافة التقليدية لدى الجزائريين في العقود السابقة كانت تشجع على السمنة والبدانة لكلا الجنسين وبالخصوص للنساء، إلّا أنّ الوضع لم يكن خطرًا بالمستوى الحالي الذي صار فيه إقبال من قبل الجيل الجديد نحو الخضوع لحميات من أجل الحصول على جسم رشيق.

مشكلة صحية

تقول أخصائية التغذية، طفيش مريم، العاملة بمركز "الإسكادو" الخاص بالحميات الغذائية بالعاصمة الجزائر إن أغلب من يقصدون المركز يعانون من البدانة والوزن الزائد، ما يجعل ارتفاع عدد المصابين بالسمنة ظاهرة جديدة في المجتمع الجزائري لم تكن بهذا المستوى في السنوات الماضية.

ولا تتوفر اليوم إحصاءات دقيقة حول عدد الجزائريين الذين يعانون البدانة، إلاّ أن وزير الصحة استشهد الأسبوع الماضي خلال إشرافه على إطلاق دليل التكفل بالسمنة بأرقام الجمعية الجزائرية لمحاربة السمنة والأمراض الأيضية التي تُشير إلى أن أكثر من 30 بالمئة من الجزائريات بعانين من البدانة، والرقم ينخفض إلى 14 بالمئة عند الرجال.

واعتبر سايحي هذه الأرقام "كارثة" وظاهرة أصعب من كل الظواهر الأخرى لأنها تمس الشباب، وهو ما يرهن مستقبل البلاد ويضاعف مشاكل الصحة العمومية، وبالخصوص بعد تأكد العلاقة السببية بين الإصابة بالسرطان والوزن الزائد.

وكانت جمعية أبحاث السرطان البريطانية قد كشفت في 2019 أن زيادة الوزن قد تكون السبب المحتمل للإصابة بسرطانات الأمعاء والكلى والمبيض والكبد، أكثر مما يتسبب فيه تدخين التبغ.

وتوافق أخصائية التغذية مريم طفيش الآراء التي تعتبر "السمنة في الجزائر إحدى مشاكل الصحة العمومية"، بالنظر إلى أن هذه الظاهرة تشكل خطرًا على المجتمع كلل  جراء سلسلة الأمراض التي تتسبب فيها كارتفاع الضغط  والسكري وصعوبة الحركة، بل إن هذا الوضع قد يحدث مشاكل داخل الأسرة كون السمنة تساعد في ارتفاع هرمون القلق لدى الجسم، وتجعل الإنسان يشعر بالخمول ولا يركز في تصرفاته بل قد تنزع من البعض حتى حب الحياة.

عند الصغار

حسب أرقام الجمعية الجزائرية لمحاربة السمنة والأمراض الأيضية التي تحدث عنها الوزير، فإن معدلات البدانة ارتفعت أيضا حتى عند الأطفال للتعدى 10 بالمئة،  بالرغم من أن هذه الفئة العمرية معروفة بحركاتها الدائمة والمتواصلة.

وبدورها لاحظت أخصائية التغذية مريم فطيش في السنوات الأخيرة تسجيل حالات للبدانة حتى عند الأطفال الذين تصل أعمارهم لـ8 سنوات، وهو ما لم يكن يسجل في السنوات الماضة، وفق ما أوضحته لـ"الترا جزائر".

وجاء في " World Obesity Atlas 2023 " أن معدل السمنة لدى الذكور في الجزائر قد يرتفع إلى 40 بالمئة في سنة 2035، فيما يصل في السنة ذاتها إلى 35 بالمئة عند البنات، وهي أرقام مفزعة في حال ما لم يتم العمل على تجنبها، أي بزيادة 2.7 بالمئة عن الأرقام المسجلة في 2020 التي ترى ان البدانة وسط اليافعين الذكور تصل حتى 20 بالمئة، بينما تقدر بـ17 بالمائة عند الفتيات.

وأرجعت المختصة طفيش  تزايد حالات السمنة الزائدة لدى الأطفال في الجزائر بالدرجة الأولى لتغير النمط الغذائي غير الصحي، بالاعتماد على اطباق محلات الأكل السريع المليء بالدسم، حيث ترى العائلة التي أصبح كل أفرادها عاملين الحل في هذه الوجبات بدل تحضير الطعام المنزلي الجزائري التقليدي الذي أغلبه صحي في حال عدنا إلى إتباعه كونه يتوفر على كل المكونات الضرورية للجسم وبدرجات متوازنة.

وعي وحملات تحسيس؟

وترى طفيش أن التقليص من السمنة يتطلب تحسيسًا بخطورتها وتوعية المواطن، بذلك، مشيرة إلى أن الوضع الذي عاشه الجزائريون خلال جائحة كورنا ساهم في زيادة الوزن لدى البعض، لكنه ساهم أيضا في تغيير فكرتهم عن الأخطار التي يسببها الوزن الزائد.

وأشارت إلى أن أغلب زبائنها وبالخصوص النساء كانوا يقصدون مراكز إنقاص الوزن استعدادًا لمناسبات معينة كالزواج والأعراس، إلّا أن الأمر تغير بعد الجائحة، حيث أصبح الهدف صحيًا بالدرجة الأولى.

وبينت طفيش أن ما يُعيق العلاج من السمنة في الجزائر هو محاولة تطبيق حميات يشاهدونها في دول أخرى، ما يجعلها صعبة التنفيذ بالنظر لارتفاع تكلفتها أو صرامتها أو النظام الغذائي المتبع الذي لا يتناسب مع النظام الغذائي الجزائري، لذلك تنصح بالابتعاد عن الحميات السريعة الصارمة إنما باتباع علاج متوازن ومتدرج ويعتمد على مكونات غذائية موجودة في السوق الجزائرية بأسعار تتلاءم والقدرة الشرائية للجزائريين.

أما الحكومة فترى أحد جوانب الحل، حسب وزير الصحة عبد الحق سايحي الذي قال إن "الحكومة تعكف على العمل للحد من ظاهرة انتشار السكري في المجتمع"، مضيفًا أنه سيتم إصدار عن قريب، مجموعة من الوسائل التنظيمية للحد من التغذية العشوائية و"تحديد مسؤوليات" القطاعات المعنية بهذه الظاهرة، على غرار الفلاحة والتجارة والصناعة والتربية.

وشدد سايحي، بصفته الرئيس الشرفي للجمعية الجزائرية لمحاربة السمنة والأمراض الأيضية على "ضرورة العمل بجدية للوصول إلى صياغة نص قانون يحدد المسؤوليات، نظرا لتزايد ظاهرة السمنة المؤدية إلى الإصابة بعدة أمراض، كالسكري والضغط الدموي وكذا السرطان".

وأطلقت الوزارة عبر المعهد الوطني للصحة العمومية مؤخرًا تحقيقًا  حول السمنة يخص الأطفال المتمدرسين الذي  يتراوح أعمارهم  من 5 إلى 11 سنة، في انتظار  الانطلاق في تحقيق ثانٍ سيمس الفئات المتبقية من المجتمع.

ويظهر أن الوزارة جدية هذه المرة في مساعيها، بالنظر إلى أنها كانت قد أطلقت قبل سنة برنامجا صحيا لعلاج السمنة المفرطة بالمؤسسة الاستشفائية أول نوفمبر 54 بوهران، كتجربة أولى بالجزائر، والذي مس 80 شخصًا يعانون من السمنة، والذي حقق نتائج مشجعة، حيث  انطلق بداية بـ4 أشخاص ثم 59 شخصًا، ليرتفع بعدها إلى 80 شخصًا.