18-مارس-2020

تنتهي عهدة البرلمان الحالي في ماي 2022 (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

 

في خبر كان يمكن أن يُنشر في صفحة الطرائف والمنوعات، أعلن البرلمان الجزائري عن "تعليق نشاطاته بسبب تفشّي فيروس الكورونا"، وسبب الطرافة أن البرلمان نفسه بقي "معلقًا" منذ مدّة طويلة رغم دوره الدستوري الكبير الذي لم يمارسه، لأسباب تتعلق بطريقة وصول نوّابه وأعضائه، وأخرى جعلت منه مجرّد "غرفة تسجيل".

يقال إن البرلمان الجزائري لم يقترح طيله تاريخه عهداته المتلاحقة إلا قانونه الداخلي

سمّاه دستور 1963 "المجلس الوطني"، وتحوّل إلى "مجلس وطني شعبي" سنة 1976، ومع سنة 1996 أضيف له "غرفة ثانية" سميت "مجلس الأمة"، وفي كل الحالات لم يمارس دوره المطلوب، ولم يُسقط حكومة، ولم يرفض برنامجًا حكوميًا، أو يُظهر أثرًا للتحقيقات التي قيل أنه أجراها في إطار لجانه القانونية.

اقرأ/ي أيضًا: مطالبٌ بحلّ البرلمان.. ماذا تبقّى للرئيس لتمرير الدستور؟

ورغم ما يقال رسميًا بأنه "السلطة التشريعية" ويحقّ له "اقتراح قوانين" عن طريق إجراءات بسيطة، إلا أنه لم يناقش إلا مشاريع القوانين التي تأتيه من السلطة التنفيذية، والمناقشة في العادة تكون شكلية، ونادرًا ما كان يرفض مشروع قانون.

ويقال إن البرلمان الجزائري لم يقترح طيله تاريخه عهداته المتلاحقة إلا قانونه الداخلي، وتحديد أجر النائب، وترك "مشاريع القوانين" للحكومات المتعاقبة، تمرّرها كيفما شاءت ومتى شاءت.

ليس عجيبًا أن يتبنى البرلمان القانون ونقيضه، فقد صادق على مشروع "الاستدانة الداخلية" عن طريق طرح السندات الذي طرحه حكومة سابقة، لكنه فجأة اقتنع بفكرة "التمويل غير التقليدي" الذي جاء بها أحمد أويحيى، رغم تحذير الخبراء الماليين الذي قالوا إن اقتصاد البلاد يتجه نحو التضخم، وعندما سقط أويحيى وحكومته وسلطة بوتفليقة تغيّر الخطاب وأصبح كثير من النوّاب يقولون إنهم كانوا يحذّرون من اللجوء إلى ذلك الخيار، ولا ندري من مرّر تلك القوانين.

والبرلمان الذي يسميه البعض تهكّما "بر الأمان"، لأنه المجلس الذي عندما ينتسب إليه "مواطن" سيتمتع بأجر شهري "خيالي" مقارنة مع ما يتقاضه عموم الجزائريين، وامتيازات أخرى لا تخطر على البال، وفي ظل الفساد الكبير الذي عمّ البلاد، أصبح الوصول إليه غير متاح لعموم الناس، واتهم بعض الأحزاب بيع المقاعد لكثير من التجّار الفاسدين والمهربين الباحثين عن الحصانة وعن القرب من مصادر القرار.

ويبرّر البعض مصادقة نوّاب وأعضاء البرلمان، بغياب الثقافة القانونية، خصوصا ما تعلّق بقوانين المالية التي تحتاج إلى متخصصين، إلا أن القانون يسمح للنواب بتعيين مستشارين من الخبراء، بل وباستضافة أي خبير لمناقشته في أيّة مسألة تبدو معقّدة، وهذا لا يحدث إلا في حالات نادرة.

وتبلغ المهزلة مداها، عندما يناقش بعض أعضاء الحكومة قوانين "مصيرية" أمام قاعة شبه فارغة، مع الغياب الدائم لكثير من النواب، الذين لا يحضرون إلا الجلسات الأولى لإثبات العضوية، وعندما يحصلون عليها وعلى الحصانة وبقية الامتيازات، لا يعودون إلا بعد خمس سنوات لإثبات عضوية جديدة ما استطاعوا إليها سبيلًا.

ولم ينجح الدستور نفسه في إعادة النواب إلى القاعة، ورغم أن تعديل 2016 ينصّ صراحة على معاقبة النواب والأعضاء المتغّيبين إلا أن "المشّرع" أصبح أوّل من يدوس على "القانون الأسمى" بالتجاهل.

يقال إن "كورونا" يكون قد ضرب البرلمان، قبل مدينة ووهان الصينية، عندما أعلنت السلطات عن اللجوء إلى تنظيم انتخابات تشريعية بعد المصادقة على الدستور الجديد، وأحسّ النوّاب الحاليون بأن مهمّتهم تكون قد انتهت.

يقال إن "كورونا" يكون قد ضرب البرلمان، قبل مدينة ووهان الصينية

وجاء فيروس كورونا، الذي أعطى مبرّرًا للغائب بأن يغيب إلى أجل غير مسمّى، في انتظار غياب الخطر وتأسيس برلمان جديد الذي نتمناه جديدًا بالفعل، يعيد التشريع للهيئة التشريعية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ليلى حاج عرب ترفع عدد النوّاب المستقيلين من البرلمان الجزائري إلى 13

الجزائر.. قانون الموازنة يقسّم البرلمان؟