أصبح أعضاء الغرفة الأولى للبرلمان، ينافسون الحكومة في اقتراح القوانين، حيث تجاوزت مقترحاتهم ما حققه أسلافهم النواب سنوات سابقة، ويأتي هذا بعدما هيمنت "عقلية" احتكار التشريعات لعقود طويلة من طرفة الحكومة، ورفض مقترحات النواب لردح من الزمن.
من أشهر القوانين التي عطلتها القيود الحكومية مقترح قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي والمطالبة بتعويض الضحايا
في هذا السياق، وبحسب سجل المبادرات التشريعية ولغاية شهر أيّار/ماي 2023 وصل عدد مقترحات القوانين 25 مقترحًا منذ انتخاب المجلس الجديد في 12 حزيران/جوان 2021، كان آخرها مقترح قانون يُتيح لآلاف الموظفين العاملين في مؤسّسات الدولة والقطاع الخاص والذين استوفوا شرط 32 عامًا من العمل، الاستفادة من المعاش المبكر دون شرط السن.
وشجع رفع قيد التوقيعات في دستور2020، الذي يشترط وجود 20 توقيعًا لقبول المقترح البرلماني، والترويج الإعلامي على انتعاش المبادرات وولوج مزيد من أعضاء المجلس الشعبي الوطني مجال صناعة التشريعات.
يضاف إلى مقترحات أعضاء الغرفة الأولى، ممارسة الصلاحيات التشريعية الأخرى لعضو البرلمان؛ وهي مناقشةُ وتعديل القوانين التي تستخدم بكثرة وممارسة المهام الرقابية بواسطة الأسئلة الكتابية والشفوية (2961 سؤال) ولجان التحقيق (لجنة واحدة) ولجان الاستعلام (24 لجنة) خلال دورة 2021/2022 وحدها.
إلى هنا، صدرت كل مقترحات القوانين عن أعضاء الغرفة السفلى (النواب)، رغم التحسينات التي جاءت في التعديل الدستوري لعام ،2016 وكرست في تعديل 2020 لإفساح المجال أمام أعضاء مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان) لتعديل القوانين التي تختص بمجالات الإدارة الإقليمية، إذ لم يسجل منذ استحداث مجلس الشيوخ إلا تعديل مادة واحدة على قانون التقسيم الاداري، سرعان ما عدلته الحكومة من جديد بأمر رئاسي صدر في آذار/ماي 2021.
في مقابل ذلك لعب مجلس الأمة الجزائري دور الرقيب على عمل المجلس الشعبي الوطني، من خلال الاعتراض على تشريعاته إذ بلغ عدد القوانين التي عطلها سبعة قوانين، أحدثها قانون الاعلام الجديد في شهر أفريل/ نيسان الماضي.
وبحسب النائب يوسف عجيسة، المنتخب عن حركة مجتمع السلم المعارضة، فإن القسط الأكبر من مقترحات القوانين خلال العهدة الحالية صدرت عن حركة نواب الحركة (يحوز هو شخصيًا على حصة خمسة منها).
من جهته، يرى النائب محمد ربحي المنتخب عن حزب جبهة التحرير الوطني وصاحب المقترح 24 على لائحة المقترحات، أن مكتب المجلس (هيئة قرار ومداولة مشكلة من 10 أعضاء منتخبين من بينهم رئيس البرلمان) مجرّد معطلٍ للمقترحات، حيث قال في حديث إلى "الترا جزائر"، إن مقترحه لتعديل قانون العطل الرسمية عُطّل و"تبنى المكتب مشروعًا حكوميًا مماثلًا، وأحاله على اللجنة البرلمانية المختصة لدراسته وبرمجته للمصادقة رغم أنه كان الأول في الترتيب ما يقتضي أن تكون الاسبقية له".
صلاحيات على الورق
تسير الحكومة الجزائرية على التقليد المعمول به منذ انتخاب اول برلمان تعددي معترف به انتخب في عام 1997، وهو رفض مقترحات النواب واحتكار اصادر التشريعات والقوانين ومن بين المقترحات، لم يتم اعتماد إلا مقترحين اثنين هما مقترح قانون النائب من الصلاحيات الحصرية للبرلمان (تحفطت عليها الحكومة وأسقطت عشرات مواده منها مقترح يتيح للنواب الحصول على جواز سفر دبلوماسي 1999)، ومقترح تعديل قانون الانتخابات في 2004 تقديم به نواب المعارضة وبدعم من تيار في الموالاة.
في هذا السياق، رفضت الحكومة في الدورة الحالية للبرلمان (2022/2023) أربعة من المقترحات التي تقدم بها النائب عجيسة؛ وتتعلق بتعديل القانون الأساسي للقضاء، والإطار القانوني الضابط لمهن المحاماة والتوثيق وممارسي البيع بالمزاد.
غير أنها قالت وفق الرد الوارد عن الوزير الأول أيمن عبد الرحمن والمؤرخ في مارس/ اذار الماضي إنها مستعدة "للتجاوب مع كل المبادرات سواء في مجال التشريع أو الرقابة البرلمانية، والمساهمة بصفة موضوعية في بلورتها وبلوغها مبتغاها في إطار أحكام الدستور"، لـ "تعزيز العمل المتناغم للمؤسسات وتدعيم علاقات التعاون والتكامل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بهدف ترقية ممارسة النشاط البرلماني وتكريس الممارسة الديمقراطية".
تجريم الاستعمار
ومن أشهر القوانين التي عطلتها القيود الحكومية مقترح قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي والمطالبة بتعويض الضحايا، حيث حرص أعضاء البرلمان منذ عهدة (2007/2012) على تقديم نسخة منه، ردًا على مقترح قانون للجمعية الوطنية الفرنسية صدر في 22 شباط/فيفري 2005 ويقر تمجيد الاستعمار في الجزائر والدور الحضاري للوجود الفرنسي، كما اعترض مكتب البرلمان على مقترحات لتصنيف ضحايا المجازر التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في 8 أيّار/ماي 1945 بصفتهم شهداء أسوة بشهداء حرب التحرير الوطني (1954/1962) تقدم به نواب جبهة القوى الاشتراكية المعارضة.
ووضعت الحكومة مواد دستورية وأحكام تفرغ حقوق النواب في التشريع من محتواها، ما يفسر تعطيل مكتب البرلمان احالة المقترحات لعلمه المسبق برفضها، وأشار بحث علمي حول "أداء البرلمان الجزائري في الفترة من 1997/2015" إلى جملة العراقيل المنصوص عليها في قانون يضبط العلاقات بين غرفتي البرلمان.
وجاء في البحث، أنّه يتوجب على المشرعين حسب الدستور إرفاق النص المقترح بعرض أسباب، وألا يكون التشريع الجديد نظير مشروع أو مقترح قانون قيد الدراسة، كما لا يمكن طرح أن أيّة مبادرة تم سحبها أو رفضها أمام البرلمان من جديد إلا بعد مرور 12شهرًا (تم خفضها مؤخرًا إلى 6 أشهر).
ومن بين العراقيل أيضًا، "أنه لا يمكن لنواب اقتراح قانون ينتج عنه تخفيض في الموارد أو زيادة في الإنفاق العمومي، إلا إذا كان هذا الاقتراح مرفقًا بتدابير تحقق الزيادات في إيرادات الدولة، أو توفّر مبالغ مالية من الإنفاق العمومية تعادل على الأقل المبلغ المقترح إنفاقه".
يرفض نواب جزائريون مبرّر ضعف صياغة التشريعات الذي يسوق لتبرير إسقاط التشريعات
إلى هنا، يرفض نواب جزائريون مبرّر ضعف صياغة التشريعات الذي يسوق لتبرير إسقاط التشريعات، بدليل أن معديها ذوو خبرة في مجال التشريع ويحصلون على دعم من المساعدين التشريعيين الذين يوفرهم لهم المجلس.